من هم أشهر المتبرعين للانتخابات النصفية الأميركية هذا العام؟


9 مليارات دولار تحدد الحزب الذي يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب

طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربي

يعود حسم صراع السيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام جزئياً إلى المال، وإذا كانت التكلفة الإجمالية لانتخابات الولايات الأميركية وانتخابات الكونغرس الفيدرالية تجاوزت 16.7 مليار دولار، منها نحو تسعة مليارات أنفقت على المرشحين لمجلس النواب وعددهم 435 ومجلس الشيوخ وعددهم 35 في هذه الدورة، فمن أين يأتي المال؟ ومن المستفيد؟

أهداف الإنفاق

ينفق المرشحون ومؤيدوهم من لجان العمل السياسي المعروفة باسم “باك” و”سوبر باك” مليارات الدولارات في محاولة لإيصال رسالتهم إلى الجمهور العام والناخبين المحتملين، لإثبات أنهم يستحقون شغل مقاعدهم في مجلسي النواب والشيوخ أو الاحتفاظ بها إذا كانوا في المنصب حالياً، ووسط حالة الاستقطاب السياسي المتفاقم بين الديمقراطيين والجمهوريين، يبدو المال لاعباً أساسياً في المعركة الانتخابية، كونه يحسن فرص الوصول إلى الناخبين والتأثير في أفكارهم ومشاعرهم مع أو ضد المرشحين المتنافسين من الحزبين.
ويكاد يكون المرشح الذي ينفق أكبر قدر من المال هو الفائز في الانتخابات، فعلى مدار العشرين عاماً الماضية، أظهرت بيانات “أوبن سيكريتس” وهي مجموعة مراقبة غير حزبية، أن مرشح مجلس النواب أو مجلس الشيوخ الحاصل على أكبر قدر من التبرعات المالية تتراوح حظوظ فوزه بالمقعد ما بين 71 في المئة و98 في المئة.
ولهذا ليس مستغرباً أنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه الانتخابات في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، قد يتجاوز الإنفاق تسعة مليارات دولار من شأنها أن تحدد الحزب الذي يسيطر على الكونغرس العام المقبل، وهو رقم لا يتضمن أي أموال تنفق على المنافسات الانتخابية في الولايات مثل الصراع على منصب الحاكم، أو نائبه، أو المدعي العام للولاية، أو السكرتير العام الذي يشرف على إجراءات الانتخابات، أو التنافس على الفوز بالمقاعد التشريعية في الولاية.

رقم قياسي

لكن الإنفاق المرتبط بالانتخابات على المستوى الفيدرالي تجاوز بالفعل الرقم القياسي للانتخابات النصفية الأميركية لعام 2018 (المعدل حسب التضخم) الذي بلغ 7.1 مليار دولار، حيث أشارت شيلا كرومهولز، المديرة التنفيذية لمجموعة “أوبن سيكريتس”، إلى أن هذا القدر من المال لم نشهده في أي انتخابات أخرى سابقة سواء كان ذلك على مستوى الولايات أو على المستوى الفيدرالي.

واستناداً إلى البيانات التي أبلغ عنها إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية حتى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بلغ حجم الإنفاق على انتخابات التجديد النصفي الفيدرالية لعام 2022، حوالى 7.5 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يستكمل المرشحون الفيدراليون ولجان العمل السياسية إنفاقهم ليتجاوز تسعة مليارات دولار.
وعلى رغم أن قائمة كبار المانحين تضمنت عديداً من الشخصيات ذات الوجوه المألوفة التي ضخت أكثر من مليار دولار، إلا أن المنظمات وجماعات العمل السياسي، الـ”سوبر باك”، أنفقت حوالى 1.9 مليار دولار للتأثير في الانتخابات الفيدرالية حتى نهاية الشهر الماضي، متجاوزةً بذلك سجل إنفاقها خلال انتخابات منتصف المدة لعام 2018 البالغ 1.6 مليار دولار، فما هي جماعات العمل السياسي وما الفارق بين الـ “باك” والـ “سوبر باك”.

باك وسوبر باك

يرمز مصطلح “باك” إلى اختصار اللغة الإنجليزية تعبير “لجنة العمل السياسي” ويشير إلى المجموعات السياسية أو المنظمات التي تسيطر عليها وتديرها الشركات أو النقابات العمالية التي تنفق الأموال في الانتخابات على المرشحين أو الأحزاب ذات القيم والتوجهات المماثلة لدعم المصالح السياسية أو الأيديولوجية.
وكان مؤتمر المنظمة الصناعية أول من أنشأ لجنة عمل سياسي في عام 1944 للمساعدة في إعادة انتخاب فرانكلين دي روزفلت، ومنذ ذلك الحين، أنشئت الآلاف من جماعات العمل السياسي (باك) من قبل مجموعات وشركات ونقابات مختلفة، لكن انخراط الشركات والمؤسسات المالية في العملية الانتخابية بشكل رئيس من خلال التبرعات والإسهامات، أثار جدلاً حول قضايا الفساد والمحسوبية.
ومنذ إنشاء لجنة الانتخابات الفيدرالية في عام 1971، بدأت عملية مراقبة وتنظيم إنفاق المال في السياسة عن كثب عبر وكالة فيدرالية تنظم النشاط السياسي الذي يؤثر في الانتخابات الفيدرالية، واعتمد تشريع يحظر استخدام النقابات والشركات خزائنها المالية للإسهام مباشرةً في دعم المرشحين والحملات الانتخابية، ولهذا ظلت لجان العمل السياسي الفيدرالية مقيدة في مقدار الأموال التي يمكن تلقيها أو الإسهام بها لدعم المرشحين الفيدراليين، واللجان الحزبية الوطنية، ولجان العمل السياسية الفيدرالية العادية.

وأصبح من غير المسموح للجان العمل السياسي أن تتجاوز التبرعات التي تبلغ 5000 دولار لكل انتخابات، لكن يمكنهم فقط قبول 5000 دولار كحد أقصى سنوياً من أي فرد أو شركة أو مؤسسة أو لجنة حزبية وطنية أو لجنة عمل سياسي أخرى، كما يمكنهم التبرع بمبلغ 15000 دولار كل عام لأي لجنة حزبية وطنية، ومبلغ 5000 دولار إضافي لأي لجنة عمل سياسي أخرى.
أما الـ “سوبر باك” فنشأت حديثاً في عام 2010 بقرار من المحكمة العليا الأميركية بعد نزاع قانوني مع لجنة الانتخابات الفيدرالية، ما أتاح تشكيل لجان عمل سياسي تديرها الأحزاب فقط وتشرف على الإنفاق وتتلقى إسهامات وتبرعات بلا أي سقف أو حدود من الشركات، والنقابات والجمعيات والأفراد، للعمل صراحةً من أجل انتخاب مرشح ما أو هزيمة خصمه.

مئات الملايين

استهدفت مجموعات الـ “سوبر باك” التي تسعى إلى التأثير في الناخبين لصالح مرشحيها المفضلين أو ضد مرشحين آخرين، الولايات التي يمكن أن تحدد السيطرة على الكونغرس، حيث ضخ “صندوق القيادة في مجلس الشيوخ”، وهو عبارة عن مجموعة “سوبر باك” متحالفة مع زعيم الأقلية الجمهورية في المجلس ميتش ماكونيل، أكثر من 205.4 مليون دولار في انتخابات التجديد النصفي هذا العام، كما أنفق “صندوق قيادة الكونغرس”، وهو “سوبر باك” تابع لقيادة الجمهوريين في مجلس النواب الجمهوري، أكثر من 188.1 مليون دولار خلال الفترة  ذاتها.
وحل الديمقراطيون تالياً، إذ ضخ “سوبر باك” يحمل اسم “أغلبية مجلس الشيوخ”، ويتبع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر 131.5 مليون دولار في الانتخابات الفيدرالية حتى الثالث من أكتوبر الماضي، بينما أنفق “سوبر باك”، “أغلبية مجلس النواب”، التابع لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي 193 مليون دولار.

تبرعات المليارديرات

على رغم أن فاحشي الثراء في الولايات المتحدة يشكلون 0.0003 في المئة فقط من عدد البالغين في البلاد، وفقاً لمجلة “فوربس” وبيانات التعداد السكاني الأخيرة، إلا أنهم مؤثرون لدى الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، فقد ضخ أكبر 50 مانحاً في هذه الدورة 1.1 مليار دولار بشكل جماعي في لجان العمل السياسي والمجموعات الأخرى المتنافسة في الانتخابات النصفية، وفقاً لتحليل صحيفة “واشنطن بوست” لبيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية، حيث تبين أن المتبرعين الكبار كانوا يميلون لدعم الجمهوريين، على رغم أنهم ينتمون إلى كلا الحزبين.
وجاء على رأس كبار المتبرعين، الملياردير المناصر لقضايا الديمقراطيين واليساريين والأميركيين الأفارقة، المستثمر جورج سوروس الذي تبرع بمبلغ 125 مليون دولار، في حين احتل المرتبة الثانية في قائمة كبار المتبرعين، والأولى لصالح الجمهوريين، الملياردير ريتشارد أويهلين وزوجته إليزابيث، مؤسسا شركة لمواد الشحن، حيث تبرعا بمبلغ 70.2 مليون دولار.
كما ضخ ثالث ورابع أكبر المتبرعين أموالهم لصالح الجمهوريين، فقد تبرع كينيث غريفين، وهو مدير صندوق تحوط بمبلغ 65.9 مليون دولار، بينما ضخ جيفري ياس وهو مؤسس شركة استثمار، 48.2 مليون دولار، وحل قطب العملات المشفرة سام بانكمان- فرايد الذي يبلغ من العمر 30 سنة في المرتبة الخامسة على قائمة المتبرعين، والثاني لصالح الديمقراطيين، فقد ضخ 39.2 مليون دولار، وتبرع لاري إليسون رئيس مجلس إدارة شركة البرمجيات “أوراكل” بنحو 32 مليون دولار.

أكثر المستفيدين

استفاد المرشحون الجمهوريون لمجلس الشيوخ، وكثير منهم يخوضون المنافسات الأكثر صعوبة، من إسهامات أصحاب المليارات المباشرة أكثر من نظرائهم الديمقراطيين، وفقاً لبيانات “أوبن سيكريتس”، ومن بين هؤلاء السناتور رون جونسون في ولاية ويسكونسن، وبليك ماسترز في أريزونا، وجيه دي فانس في ولاية أوهايو، والسناتور ليزا موركوفسكي في ولاية ألاسكا، وهيرشل ووكر في ولاية جورجيا.
واستفاد الديمقراطيون أيضاً من أموال أصحاب المليارات، ما أثار تساؤلات حول الضغط على المرشحين لخدمة مصالح المليارديرات على حساب بقية الناخبين الأميركيين بينما يقول الخبراء، إن المانحين الكبار يوجهون الديمقراطية نحو مصالحهم.
وقالت صحيفة “يو أس إيه توداي” إن الرئيس السابق دونالد ترمب ضخ أموالاً للمرشحين، ولكن بطريقة لم يفعلها عديد من السياسيين الآخرين، حيث أسهمت لجنة العمل السياسي التابعة له، بتقديم المال للمرشحين في السباقات في جميع أنحاء البلاد، مؤسسة “أنقذوا أميركا”، التي أنشئت بعد خسارة ترمب في انتخابات عام 2020 لجمع الأموال لمحاربة تزوير الانتخابات، قدمت أموالاً إلى 28 مرشحاً مختلفاً لشغل مناصب في الولايات عديد منهم في ولايات ميشيغان وأريزونا وجورجيا، حيث ستجرى سباقات في الكونغرس تتم مراقبتها عن كثب الأسبوع المقبل، كما دعمت منظمة “أنقذوا أميركا” المرشحين للحصول على 131 مقعداً في مجلس النواب و18 مقعداً في مجلس الشيوخ.

دعم المرأة

في الوقت نفسه، تهدف حفنة من مؤسسات التمويل المختلفة إلى تعزيز المرشحات الجمهوريات اللواتي يسعين إلى منصب هذا العام، كجزء من جهد أوسع لزيادة عدد النساء المحافظات المنتخبات لمجلس النواب، في مواجهة جهود لجان العمل السياسي الأفضل تمويلاً وتنظيماً التي تسعى إلى انتخاب النساء الديمقراطيات لعضوية الكونغرس.
ويفوق عدد النساء الديمقراطيات حالياً عدد النساء الجمهوريات في مجلس النواب بهامش ثلاثة إلى واحد تقريباً، ويتماشى هذا مع أكبر ممولي حملاتهن الداعمين للإجهاض، بينما ركزت المرشحات في الجانب الجمهوري، على التضخم وأمن الحدود عند طرح قضاياهن على الناخبين.