تصدّع أركان الكيان: المُقاومة بالضفّة ستُفاجئ إسرائيل كالجيشيْن المصري والسوري بـ1973..

 المستويان السياسيّ والعسكري أسرى نظرية تفكيرٍ استعلاء وعنجهيّة… السلطة وأجهزتها الأمنيّة تفككا والسيطرة لـ”حماس” و”الجهاد” و”عرين الأسود”

الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:

على الرغم من عدم التكافؤ في القوّة بين جيش الاحتلال الإسرائيليّ وبين أذرع المقاومة الفلسطينيّة على مختلف مشاربها في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، فإنّ المقاومة باتت تُوجِّه للدولة العبريّة ضرباتٍ نوعيّةٍ هزّت وتهُزّ المؤسسة الأمنيّة، وبحسب المحللين في تل أبيب فإنّ أخطر أنواع المقاومة هو ما يُسّمى إسرائيليًا بـ(الذئب المُنفرد)، أيْ الفدائيّ الفلسطينيّ، الذي يتخّذ القرار بنفسه لتنفيذ عمليةٍ عسكريّةٍ ضدّ الاحتلال، دون أنْ يُبلغ أحدًا بذلك، ويعمل لوحده بعيدًا عن التنظيمات، الأمر الذي يجعل عمليته بمثابة مفاجأةٍ مجلجلةٍ، ناهيك عن صعوبة إلقاء القبض عليه، كما حدث مع عملية حاجز (شعفاط)، على مداخل القدس المُحتلّة.

وفي هذا السياق نقل محلل الشؤون الأمنيّة يوسي مليمان، عن محافل رفيعةٍ بالكيان قولها إنّ إسرائيل فوجئت في يوم الغفران سنة 1973 في سيناء وهضبة الجولان، بعد أنْ كانت أسيرة نظرية تبنّتها القيادة العسكرية، وبصورة خاصة أجهزة الاستخبارات، ووافق عليها المستوى السياسي بسرور ومن دون اعتراض.

وأضاف الخبير الإسرائيليّ في مقالٍ بصحيفة (هآرتس) العبريّة أنّه “في يومنا هذا أيضًا، فإنّ المستوى السياسيّ والعسكريّ أسير نظرية تخص الفلسطينيين، هي نتاج تفكير مغلق، وعمى سياسي وعسكري، بالإضافة إلى استعلاء وعنجهية في التفكير”، على حدّ تعبيره.

وشدّدّ الخبير على أنّ “النظرية التي تنمّيها إسرائيل منذ عدة أعوام تقوم على أنّ السلطة الفلسطينية ليست شريكة لأنّها ضعيفة، فاسدة، وتمر في عملية انتقالية بين جيل المؤسسين ياسر عرفات ومحمود عباس”.

وأوضح: “هناك نقطتان أساسيتان توجهان التفكير الإسرائيلي: الأولى أنّ مصلحة الشعب الفلسطيني، على الأقل في الضفة الغربية، هي اقتصادية، وما دام يُسمح لأكثر من 100 ألف فلسطيني بالعمل في إسرائيل والمستوطنات، فلا حاجة إلى تحريك المسار السياسيّ، أما الثانية، بسبب مصلحة السلطة الاستمرار في الحكم، فإنّ أجهزتها ستواصل العمل كمقاول ثانوي في صراع الشاباك والجيش ضد “الإرهاب” وضد تقوية “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في الضفة الغربية. لذلك، فإن أكثر ما تستطيع إسرائيل القيام به هو الصمود وإدارة الصراع”، على ما أكّد.

و”لكن”، استدرك قائلاً: “يبدو أنّ هذه النظرية خاطئة. فمع كلّ عملية داخل الخط الأخضر، أوْ في الضفة، ومع كلّ دخول لقوات الجيش إلى البلدات الفلسطينية واستعمال قوة مبالَغ فيها، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الضحايا الفلسطينيين، يتزعزع “الوضع القائم” الذي تقدسه إسرائيل”، لافتًا إلى أنّه منذ بداية العام، قُتل 107 فلسطينيين و24 إسرائيليًا، وتمّ اعتقال 2000 فلسطيني، وتسجيل 1900 “عملية إرهابية” و2200 خطة لتنفيذ عمليات”.

ورأى ميلمان أنّه “على الرغم من ذلك، فإنّهم في إسرائيل يستمرون في التفكير من خلال مصطلحات الماضي، عبر مفاهيم الانتفاضة الأولى والثانية، وانتفاضة الأفراد وانتفاضة السكاكين. إسرائيل باتت تغوص عميقاً في موجة (إرهاب) و”عنف” من نوع جديد”.

وشدّدّ على أنّ “السلطة الفلسطينية تتفكك، ومعها تضعف أجهزة الأمن التابعة لها. وفي الخلفية، يزداد تأثير الجهاد الإسلامي و”حماس”، والأهم من هذا أنه نشأت مجموعات مسلحة، السلاح موجود بوفرة، ومن السهل الحصول عليه، لشباب لا يخضعون لأي من التنظيمات أو القيادات”.

وأردف الخبير الأمني الإسرائيليّ: “يُقال إنّ نظام أبرتهايد يتمأسس في إسرائيل، وهذا صحيح، لكن الخطورة الكبيرة تكمن في أنْ يحوّل هذا الصراع إسرائيل والفلسطينيين إلى نموذج البلقان”.

ولفت إلى أنّ “الحروب التي اندلعت بعد تفكيك يوغوسلافيا جاءت بعد أنْ قامت مجموعات ذات خلفيات مختلفة، إثنية، وعرقية، وقومية، بخلق معادلة لا تسمح بحياة مشتركة بعد الآن. الحرب هناك كانت عبارة عن اشتباكات لا تتوقف، وهو ما أدى إلى سفك الدماء، والتطهير العرقي، والقتل، والاغتصاب، والخرق المستمر والمنهجي لحقوق الإنسان، والقيم الإنسانية الأساسية كافة”.

ومضى قائلاً إنّ “هذا ما يمكن أنْ يحدث في الضفة والمدن “المختلطة” في إسرائيل. لا يزال من الممكن منع هذا، وعلى إسرائيل أنْ تعيد طرح حل الدولتين على النقاش العام، كما أعلن مؤخرًا رئيس الحكومة يائير لبيد، وليس هذا فقط: عليها أنْ تتخذ خطوات حقيقية لتحريك المسار السياسي، بهدف تقوية السلطة الفلسطينية وإعادة الأمل بحلّ”.

وبرأيه، إنّه “في المرحلة الأولى يمكن أنْ تكون هذه الخطوات رمزية، كنقل قرى في مناطق “ج”، التي تمتد على نحو 60 بالمائة من الضفة، إلى السلطة الفلسطينية، وتجديد اللقاءات والحوارات الدبلوماسية بين سفراء السلطة وإسرائيل في العالم، أوْ أيّ مبادرة أخرى ترتبط برفع العلم الفلسطيني رسميًا في إسرائيل بمناسبات مختلفة”.

وخلُص المحلل ميلمان إلى القول إنّ “خطواتٍ كهذه، إلى جانب تقليص العمليات الليلية التي يقوم بها الجيش والشاباك وتؤدي فقط إلى رفع حدة الاشتباك، وهذا كلّه من دون التنازل عن الحاجة إلى إحباط عمليات، هي التي ستساعد إسرائيل على التحرر من نظريتها نسخة 2022″، على حدّ قوله.