تقليد قول هتلر وفعله: بوتين يقامر في حربين


كل أمة تحتاج إلى اختراع أسطورة لتوحيد شعبها وروسيا غنية بها

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

الرئيس فلاديمير بوتين يكرر الاندفاع في فعل تراجيدي وخطاب هزلي. هو يعرف أن العالم لا يصدق ما يبرر به الهجوم على أوكرانيا، والأسباب التي قادت إلى التعبئة الجزئية لـ300 ألف عسكري من الاحتياط. لا أن “نظام كييف هو الذي بدأ الحرب”، ولا أن “الغرب يقوم باستفزاز نووي”، ولا أن “واشنطن ولندن وبروكسل تدفع كييف إلى مهاجمة روسيا ونقل العمليات إلى أراضيها”. فالغرب يسلح أوكرانيا بأسلحة يقتصر مداها على الدفاع عن البلد من دون تخطي الحدود مع روسيا. وبوتين هو الذي وضع الأسلحة النووية في حال تأهب ويهدد باستخدامها، وهو الذي اخترع أزمة لبدء حرب من أجل طموحات إمبريالية، سواء بسبب الخوف من تقدم “الناتو” إلى حدوده أو بسبب الشعور بفائض القوة وممارسة غطرسة السلطة، لكنه اختار أن يكذب على شعبه لتبرير العنف ضد المحتجين على الحرب والتعبئة وإرسال عشرات آلاف الضباط والجنود إلى الموت في أوكرانيا. والنموذج الذي يقلده هو قول هتلر وفعله. قوله إن “الشعوب تسقط تحت تأثير الكذبة الكبيرة أكثر من الأكاذيب الصغيرة” وفعله في ضم النمسا إلى ألمانيا بعملية “أنشلوس”، كما يضم هو أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا بالقوة. وقمة السخرية ليست فقط تقليد هتلر وادعاء الحرب على”النازيين” في أوكرانيا، بل أيضاً أن الذين يؤيدونه ويقفون معه في ألمانيا هم النازيون الجدد في حزب “البديل من أجل ألمانيا” والفاشيون الجدد في إيطاليا في حزب “إخوة إيطاليا” بقيادة جورجيا ميلوني، المرشحة لرئاسة الحكومة.

والصورة داخل روسيا معبرة. متظاهرون ضد الحرب في موسكو ومدن عدة في مواجهة العنف والقمع والاعتقال. هروب كبير عبر المطارات وبالسيارات براً إلى أي بلد يسمح باستقبال اللاجئين الروس. ديمتري موراتوف الحائز على جائزة نوبل للسلام يبيع الجائزة بـ103 ملايين دولار ويتبرع بالمبلغ لمنظمة “يونيسف” من أجل أطفال أوكرانيا والعالم.

وفي المقابل، ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين يفاخر بأن حرب أوكرانيا ستكون “طويلة” وديمتري ميدفيدف الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي حالياً يهدد باستخدام كل ما لدى موسكو من أسلحة لا مجرد سلاح نووي تكتيكي ونيكولاي بيتروشيف سكرتير الأمن القومي يقول “لسنا في سباق مع الزمن في العملية العسكرية التي ستمنع الغرب من تقسيم أوكرانيا” وألكسندر دوغين فيلسوف الأوراسية يؤكد “أن الصراع مع الغرب حتمي وليس سياسياً بل وجودي على روح روسيا كقطب مقابل للغرب، شعبه إمبريالي ومهمته إقامة إمبريالية أوراسية”.

وعلى العكس فإن ميخائيل كاسيانوف، وهو أول رئيس حكومة في عهد بوتين يرى “من الضروري أن تنتصر أوكرانيا لتعود روسيا إلى بناء دولة ديمقراطية تحتاج إلى عقد للتخلص من الشيوعية وتأثير بوتين، لأنه إذا سقطت أوكرانيا فإن دول البلطيق ستكون التالية”.

والفارق كبير بين حربين بقرار من بوتين، دخول روسيا عسكرياً في حرب سوريا جاء بعدما تراجع الرئيس باراك أوباما عن توجيه ضربة عسكرية مقررة للنظام عقب استخدامه أسلحة كيماوية في غوطة دمشق، بالتالي التأكد من ضعف الإرادة الأميركية، وهو أدى إلى استعادة روسيا لدور القوة العالمية الكبرى وتكبير دورها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى والترويج لأسلحتها الجديدة التي جربت مئات منها في سوريا والتصفيق العالمي لها بداعي محاربتها للإرهاب و”داعش”. أما الهجوم على أوكرانيا، فإنه أعاد الشباب الى وحدة أوروبا و”الناتو” والتنسيق الكامل بين أميركا وأوروبا من حيث راهن بوتين على العكس. وهو قاد لا فقط إلى فرض عقوبات لا سابق لها على موسكو، بل أيضاً إلى أن تصبح روسيا دولة شبه منبوذة.

وعلى مجريات الحرب تتوقف خسارة روسيا لدورها كقوة عالمية. حتى الصين التي على “شراكة استراتيجية” مع موسكو، فإنها امتنعت عن دعم الحرب ودعت إلى تسوية سلمية.

لكن بوتين مؤمن بأن “القوة هي عملة السياسة الدولية”، بحسب تعبير أستاذ السياسات الدولية في جامعة نانت دانيال درزنر. وكل أمة تحتاج إلى اختراع أسطورة لتوحيد شعبها كما يقول المؤرخون. وروسيا غنية بالأساطير.

اندبندنت بالعربي