مستقبل البتكوين ستحدده الصين – وليس الغرب


ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم لا يستعد فحسب لاتخاذ إجراءات صارمة ضد العملات المشفرة – بل إن هذا ما باشره بالفعل

هاميش ماكراي صحافي وكاتب @TheIndyBusiness

تضع الصين البتكوين نصب عينيها. وإذا كانت بكين راغبة في بقاء العملة المشفرة ، فستُكتب لها. لكن إذا قررت السلطات الصينية قتلها – ربما لأنها تخشى أن تهدد سيطرتها على النظام المالي – تستطيع القيام بذلك. هذا هو الدرس المستفاد من الأيام القليلة الماضية. كان هناك قدر كبير من التحليل للقرار الذي اتخذته الصين بتنظيم السوق عن كثب وحظر تعدين البتكوين في إقليم سيتشوان – لكن من الصعب أن نستخرج الإشارات من هذه الضوضاء. فالمراهنون على الارتفاع، مثل الكاتب الشهير وعالم الرياضيات نسيم نقولا طالب، يشعرون بأن المستثمرين قللوا من شان السلطة التي تتمتع بها الحكومات في السيطرة على العملات المشفرة. وفي ورقة نُشِرت قبل أيام كتب يقول:

“البتكوين متاحة أمام الجميع بحكم طبيعتها. ويقتضي حسبان أن المرء قادر على إخفاء أصوله عن الحكومة بالاستعانة بسلسلة كتل عامة… لا يقرأها مكتب التحقيقات الفيدرالي فحسب بل كذلك الناس الجالسين في غرف الجلوس الخاصة بهم، غياباً معيناً للخبرة المالية والفهم الإحصائي – بل وربما [الإفتقار إلى] بعض الحس السليم”.

ويلاحظ المراهنون على الارتفاع، الذين يوجد كثر منهم، أن الأيام القليلة الماضية كانت شديدة التقلب، لكن الحجة الأساسية للاستثمار في شيء له حد محدود في مجال المعروض منه ستكون أكثر جاذبية مع عودة التضخم. وكانت كاثي وود، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة “أرك”، مشترية ضخمة للبتكوين أثناء تراجعها في الأيام القليلة الماضية. ولم يردعها ما يُسمَّى “صليب الموت” لسعرها (فقدان السعر لزخمه).

يتطلب إنشاء سوق وجهتي نظر [عرض وطلب]، كما يقول المثل القديم في سوق الأوراق المالية. فما هي الأدلة الجديدة إذاً؟

هناك أمر واحد واضح، وهو أن الصين نجحت في الوقت الحالي على الأقل، في ما يبدو، في إغلاق عدد من مناجم البتكوين. و[نقول] “في ما يبدو” لأننا يجب أن نستقبل دوماً أي أنباء كهذه بشيء من التشكيك. وبما أن أكثر من نصف عملات البتكوين الجديدة يجري تعدينها في الصين، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى إبطاء سك العملات الجديدة، ويجب أن يؤدي إلى زيادة الأسعار إذا لم تتغير العوامل الأخرى. لكن لماذا هبط السعر إذاً؟

أفضل إجابة على ذلك هي أن الحظر على التعدين عوضته الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الصين. ومن بين هذه الإجراءات إعلان بنك الشعب الصيني أنه طلب من المصارف الكبرى و”علي باي”، وهي خدمة الدفع الخاصة بـ”علي بابا” والتي تديرها “أنت غروب” التابعة لها، تقييد المتاجرة في العملات المشفرة. ويظل بوسع الأفراد أن يحتفظوا بالعملات المشفرة، لكنهم قد يجدون صعوبة أكبر في استخدامها في عمليات الشراء العادية.

وثمة رسالة قوية هنا. ومفادها بأن المرء إذا امتلك كثيراً من العملة المشفرة فستدقق السلطات في سلوكه. فهي سترغب في معرفة كيفية حصوله على المال، وما إذا سدد ضرائبه عليه، وماذا يعتزم أن يفعل به. وبعبارة أخرى، يُعَد الاحتفاظ بالعملات المشفرة علامة تحذير. وبعيداً عن تمكنكم من استخدام البتكوين لإخفاء ثرواتكم عن الحكومة، فإن هذا من شأنه أن يزيد من احتمالات تمحيص السلطات معاملاتكم المالية.

وستراقب بقية العالم ما تقوم به الصين. وهناك نقطة بسيطة مفادها بأن الصين على المسار الصحيح لتصبح أضخم اقتصاد على مستوى العالم بحلول نهاية هذا العقد من الزمن. وما تفعله يؤثر في شكل مباشر في تدفقات المدفوعات العالمية فضلاً عن التدفقات الوطنية. لكن بعيداً عن هذا، إذا تبنّت وجهة نظر مفادها بأن العملات المشفرة تجعل الأسواق العالمية أكثر تقلباً، فربما توافق الحكومات الكبرى الأخرى في مختلف أنحاء العالم على ذلك.

ولا شك في أن الأمر سيشتمل على بعض الاستثناءات. فالسلفادور تسعى الآن إلى جعل البتكوين قانونية، وقد تحذو حذوها بعض بلدان أميركا اللاتينية الأخرى. لكن هذا لن يؤدي إلى إحداث تغيير. فالأمر الأهم هو ما قد تقرر وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي القيام بذلك [الإقرار بمشروعية وقانونية بيتكوين]. ونحن لا نعرف كيف قد يخرجان الاقتصاد الأميركي من الإفراط الحالي في مضارباته. ذلك أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد العملات المشفرة لن يحظى بأي شعبية، لكن ربما يكون ارتفاع حاد في معدلات الفائدة أكثر شعبية.

بيد أن المعلومات الجديدة التي وردت هذا الأسبوع تؤكد أن ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم ليس مستعداً فقط لتطبيق إجراءات صارمة، بل إنه يطبقها بالفعل. وإذا أثبت هذا أنه وسيلة غير مؤلمة نسبياً للحد من ازدهاره [سوق العملات الرقمية]، فتوقعوا من الاقتصادات الأخرى أن تأخذه بعين الاعتبار.

© The Independent