سيستمر الرئيس التركي في استخدام وجوده في ليبيا كورقة رابحة في الوقت الحالي
تورغوت اوغلو محلل سياسي تركي @turguttoglu
أصبحنا في الأيام الأخيرة نسمع من تركيا تصريحات متتالية حول استئناف العلاقات الودية مع مصر، وبدأ المسؤولون في أنقرة وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، إضافة إلى المسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع وغيرها يدلون بتصريحات تؤكد على أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين.
ولكن في المقابل نلاحظ أن الجانب الآخر في القاهرة لا يزال يتوخى الحذر بشأن العملية الحالية.
نعم، تحاول حكومة حزب “العدالة والتنمية” إقامة حوار مع مصر وكأنها لم ترتكب تجاهها أي خطأ في العقد الماضي، ولعل هذا هو ما يثير القلق لدى الجانب المصري.
وقد اتبعت حكومة حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة علاقات غير مستقرة مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، ما جعلها غير موثوق فيها في المجتمع الدولي.
كما أن جامعة الدول العربية وجميع الدول المهمة في الشرق الأوسط هي أيضاً بدأت تتعامل مع تركيا بحذر بسبب السياسية الخارجية التي اتبعها أردوغان.
وهذا ما يجعلنا نتريث لنرى على أرض الواقع ما إذا كان سعي أنقرة إلى التطبيع، الذي من المفترض أن يبدأ بمصر ويشمل دول الخليج، سيلقى استجابة أو لا.
يدرك أردوغان أن الشروط التي طرحتها مصر تعكس أيضاً مطالب السعودية والإمارات، ما جعله يدرك للتو أهمية السعودية في المنطقة ليتصل بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أيضاً، بالتزامن مع إرسال وفد إلى القاهرة.
من جانبه انتهز وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو فرصة حلول شهر رمضان ليتصل بنظيره المصري سامح شكري في 10 أبريل (نيسان) الماضي، ما أسفر عن التوافق على إرسال وفد تركي إلى القاهرة بهدف وضع آلية تؤدي إلى تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي نهاية المطاف، سافر وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال إلى القاهرة يوم 5 مايو (أيار) الجاري، وأجرى مباحثات مع الوفد المصري الذي ترأسه نائب وزير الخارجية السفير حمدي سند لوزا لمدة يومين.
وقد بدأت المحادثات بالتجارة واستمرت بالمخابرات والجيش واكتسبت بُعداً جديداً بوصولها إلى مستوى وزيري الخارجية. وفي هذه العملية الجديدة، طرح الطرفان أولوياتهما على الطاولة.
وكان من المتوقع من هذا الاجتماع أن يحدد الطرفان مجالات التعاون بينهما، ويرسما خارطة طريق لتنفيذ ما تم التوافق عليه.
محادثات “استكشافية”
ولكن في بداية الزيارة، وصفت الخارجيةُ المصرية المحادثات بأنها “استكشافية” ستركز على الخطوات اللازمة التي يمكن أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات على المستوى الثنائي وفي السياق الإقليمي.
واعتبار الطرف المصري هذه المحادثات بـ”الاستكشافية” يُظهر مدى توخيه الحذر في التعامل مع تركيا، كما تحمل هذه العبارة رسالة مفادها أنهم لم ينسوا بعد تلك الأيام التي كانت تركيا تتدخل في شؤونهم الداخلية.
بالطبع، ليس تطوير الحوار الثنائي هو فقط على جدول الأعمال، بل هناك أيضاً موضوع منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط الذي تم استبعاد تركيا منه، وتحديد السلطات البحرية، وعملية الانتخابات في ليبيا.
والنقطة الأساسية التي تعتقد تركيا أنها قد تجذب المصريين هي أن مصر لو أبرمت اتفاقية مع تركيا وليس مع اليونانيين فإن لديها مساحة بحرية إضافية تبلغ 11500 كيلومتر مربع”.
وبالتالي سيسلط الجانب التركي الضوء على التعاون في مجال الطاقة، بخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
لكن أولوية مصر في هذه المرحلة، على ما اعتقد، ليس هذا ولا حتى إعادة أو ترحيل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في تركيا في المقام الأول. بل والأهم من ذلك، في الظرف الحالي هو سحب تركيا لقواتها الموجودة في ليبيا وميليشياتها التي جلبتها من سوريا.
وبحسب الإدارة المصرية، فإن تلك ستكون أهم الخطوات الملموسة التي تُظهر أن أنقرة لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية للعرب. وهذا المطلب هو أيضاً أحد التطلعات المشتركة لدول الخليج.
إن التعقيد في شبكة العلاقات الخارجية التركية، وبخاصة استبعاد تركيا من معادلة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، واستمرار حالة عدم الوضوح بشأن الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة السابقة في ليبيا، واتساع الجبهة العربية المضادة بانضمام دول الخليج… كل ذلك جعل أنقرة مستعدة لتقديم تنازلات في سبيل فتح صفحات جديدة.
محاور صعب
ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع أردوغان من أن يكون محاوراً صعباً. في محاولة لبدء عملية التطبيع بإيماءات بسيطة، فإن اهتمام مصر بالمصالح الاستراتيجية والعلاقات الاقتصادية هو مجرد تكتيك.
وعلى مدى عقد من الزمن، لم تبق هناك تقريباً أي دولة عربية لم تتدخل حكومة حزب “العدالة والتنمية” في شؤونها الداخلية.
ولذلك ستنتهز القاهرة فرصة اختبار صدق أنقرة من خلال تعاملها مع الملف الليبي والإخوان المسلمين.
لأنه بينما كان الجميع ينتظر زيارة من تركيا إلى مصر، هبط في طرابلس وفد تركي رفيع المستوى يضم وزير الخارجية تشاويش أوغلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز المخابرات الوطنية هاكان فيدان، ورئيس الأركان العامة ياشار غولر. ما أدى إلى انزعاج مصر طبعاً.
هذا هو الموضوع الذي أشرت إليه في عنوان المقال حينما تساءلت: كيف ستثق مصر بأردوغان؟
فبينما يقول أردوغان: دعونا نصنع السلام، إذا بنا نراه يضرب بكل ثقله في ليبيا المتاخمة لمصر. بخاصة وأن منطقة الحدود المصرية الليبية تقدم فرصة نادرة للتنظيمات الإرهابية الغاضبة من القاهرة.
لهذا السبب، فإن كل خطوة من خطوات حكومة حزب “العدالة والتنمية” في ليبيا تقابَل برد فعل من الدول العربية. ومع ذلك، سيستمر أردوغان في استخدام وجوده في ليبيا كورقة رابحة في الوقت الحالي.
وبمرور الوقت سيتضح هذا الأمر بشكل أوضح. وبالنسبة إلى موضوع الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا، فإن أردوغان يبحث عن حل وسط لا يتطلب ترحيل الإخوان المسلمين من تركيا على الفور.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التركية تهدر وقتاً إضافياً للتساؤل عن مصير علامة “رابعة” التي كان أردوغان يلوح بها دائماً في المهرجانات كرمز ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أن الأمر ليس منحصراً بهذا. بل إن هذه الإشارة التي استخدمها أردوغان في كل الحفلات لمدة سبع سنوات، كانت أيضاً رمزاً للصراع مع مصر بشكل عام.
“رباعية جديدة”
وعندما شعر أردوغان أن ذلك سيتحول إلى مشكلة، تراجع عن ذلك ليفسره برباعية جديدة تعني، “أمة واحدة، علم واحد، وطن واحد، دولة واحدة”. فيمكنه بسهولة أن يقول غداً، “هذا لا علاقة له بمصر”.
وحول السؤال عما إذا كان أردوغان يستطيع التخلي عن الإخوان كلياً؟ جوابي هو، نعم، إنني لا أستبعد ذلك، فقد يتخلى عنهم كما تخلى قبل ذلك عن “رابعة”. بل لا أستبعد أن يعود إليهم مرة ثانية بعد التخلي عنهم.
فالكل بات يعرف أن أردوغان يتمتع بشخصية براغماتية لا تربطه أية مبادئ أو قيم، ولا تهمه سوى مصالحه وحساباته السياسية.
وهذا هو ما جعل مصر والسعودية والإمارات لا تثق بأردوغان. لهذا السبب ستكون المفاوضات معه صعبة للغاية…