لماذا يقف السعوديون خلف محمد بن سلمان؟


أعوام من المؤامرات كشفت عن دوافع شيطنة الرجل الطموح وسط قائمة لا تتوقف عند “بيزوس”

عضوان الأحمري رئيس التحرير @Adhwan

في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، تحولت نشرات الأخبار في العالم إلى عنوان عريض: ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقف خلف اختراق جوال جيف بيزوس، مالك “أمازون” و”واشنطن بوست”. واعتمدت في ترويجها على تحليل مزعوم لشركة “أف تي آي” تقول فيه، إن الاختراق جاء بعد استقبال بيزوس لملف من الـ”واتساب” الخاص بالأمير في مايو (أيار) 2018.

استمرت هذه الحملة فترة دون توقف، حتى إن إحدى الفضائيات الأميركية دعت زعماء ورؤساء الدول وملاك الشركات والمستثمرين الذين تواصلوا مع المسؤولين السعوديين إلى فحص جوالاتهم، لأنها قد تكون تعرضت للاختراق.

تزامنت هذه الحملة مع حملات متعددة، واستثمار لا أخلاقي من قبل جيف بيزوس وآخرين لحادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.

بعد عام ونصف على الادعاءات، تبين قطعاً أن قصص حب وعشق وخيانة و”سيلفي” إباحي كانت خلف قصة الاختراق، وأن الأطراف هي بيزوس وزوجته وعشيقته وأخوها. أراد إرسال صورة لعشيقته، وحين تبين الأمر لزوجته، لم يتوان عن الاستثمار في شخص ميت، ليقول إن جواله اخترق من قبل السعوديين كاستهداف له.

كانت دولة خليجية في ذلك الحين إلى جانب دول إقليمية تسعى لشن حملات شيطنة لولي العهد السعودي، وللحكومة السعودية. ومع كل حملة تشهد السعودية تكاتفاً أكثر وتلاحماً. ويزداد إيمان السعوديين ووقوفهم خلف الأمير.

في فبراير (شباط) الماضي، انتشرت على نطاق واسع صورة محمد بن سلمان وخلفه مئات الأشخاص أثناء تدشين “فورمولا إي”، كان توقيت الصورة ذكياً، إذ جاء بالتزامن مع نشر إدارة الرئيس جو بايدن ما قالت إنه تقرير استخباراتي “يرجح” تورط الأمير في مقتل خاشقجي، هذا التقرير لا يختلف عن قصة اختلاق اختراق هاتف بيزوس، في محاولة تشويه الصورة وزعزعة الثقة، لكنه لم يفلح أيضاً. انتظر الجميع التقرير، فكان بلا قيمة، يشبه تماماً الـ 28 صفحة السرية التي خبأتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، والتي كان الجميع يقولون إنها تشير إلى تورط السعودية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، فلما أفرج باراك أوباما عن الصفحات اتضح أنها بلا قيمة ولا تهم للرياض.

أعداء السعودية كثر، وأعداء الأمير أكثر، وهذا الطبيعي. فالسعودية ليست دولة هامشية في العالم والمنطقة العربية، بل مؤثرة، لها حلفاء وأصدقاء كما أن لها منافسين وأعداء، إلى مستوى دفع بعض الدول إلى تشكيل تحالفات إسلامية بديلة عن منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن تلك المحاولات فشلت وانتهت قبل أن تبدأ.

وليس سراً محاولة دولة قطر قبل المصالحة الخليجية التي عقدت في العلا يناير الفائت، ومعها باكستان وتركيا وماليزيا وإندونيسيا إقامة تجمع إسلامي، لحسن الحظ أنه انفرط قبل أن يلتئم. اتصالات هاتفية سعودية كانت كفيلة بعدم حضور بعض الدول. لم تتوقف بعض الدول عند هذا الحد، بل واصلت الضغط أكثر للقيام بحملات تمنع استثمارات واستحواذات سعودية في الخارج، ومنها مثلاً صفقة نادي نيوكاسل يونايتد البريطاني.

أما الأمير، فلقد كانت شجاعته جلية حين أعلن حربه على التطرف وجماعات الإسلام السياسي، وهي الحرب التي قتلت موجات التكفير والمشاحنات الاجتماعية ومحاولات تعطيل الحياة على مدى عقود، لكنها في الوقت نفسه أثارت ضغينة التنظيمات الإسلامية الراديكالية وحلفائها الدوليين واليساريين داخل المنطقة العربية وخارجها.

حين تولى الأمير محمد ولاية العهد في يونيو (حزيران) 2017، بدأت حملات تقودها وسائل إعلام تابعة للإخوان المسلمين تقول، إن تعيين الأمير جاء بعد تسويق له في واشنطن عبر دولة خليجية. هذا الأمر مثير للسخرية، لكن من روجوا لهذا الكلام لإحداث وقيعة، توقفوا بعد تصريح وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن في مارس (آذار) الماضي حين قال، “شئنا أم أبينا، نحن لا نختار حكام السعودية”. ولحسم القول، فإن الذي اختار محمد بن سلمان وآمن به ورأى فيه الأمل والمستقبل وضمانة الحكم السعودي لعقود، هو العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، وهيئة البيعة التي أيدته بأغلبية ساحقة.

لماذا كل هذا؟ ولماذا يُعادى الأمير بشكل خاص؟

كانت السعودية منكفئة على نفسها، معتمدة على النفط منذ اكتشافه. تحاول مسايرة تيار المتطرفين، ظناً من بعض المسؤولين أنه لا بد من ذلك لعدم استثارة الشارع، وكان الروتين في المملكة قاتل، والحياة الاجتماعية منفصلة تماماً عن واقع تطلعات ورغبات الشباب الذين يمثلون أكثر من 70 في المئة من سكانها. بل إن المسلسلات الكوميدية المحلية كانت دوماً تصور المواطنين السعوديين بالمتناقضين في سلوك حياتهم بعد أن تقلع الطائرة وتخرج من حدود البلاد. كل ذلك بفعل الاستسلام للتطرف، وتغلغل تيارات تسعى للحكم عبر الدين في جميع مناطق المملكة.

وصلت الحالة ببعض المتطرفين إلى الدخول بمجموعات كبيرة إلى مقر وزارة العمل السعودية قبل عقد من الزمان، في محاولة لوقف تأنيث محلات الملابس النسائية، وكذلك تعطيل بعض الأنشطة المصاحبة لمعارض الكتب والمهرجانات الثقافية ما استطاعوا، بل وصلت الثقة في أنفسهم إلى التجمع في محيط مبنى الديوان الملكي السعودي للاعتراض على ما يرونه تغريباً للمجتمع. انتهت هذه الظاهرة المرضية التي كانت قاتلة للحياة والتنمية.

الخروج من عباءة النفط يعني المخاطرة، والاستثمار، والتجربة، وتنويع المداخيل الاقتصادية. والخروج من ظل مسايرة التطرف، يعني كسر شوكة التكفير والمضي قدماً نحو التنمية وتمكين المرأة وفتح السياحة التي تنعكس بدورها على الاقتصاد. التخلص التدريجي من الاعتماد على النفط ومحاربة التطرف، والتحولات المتلاحقة التي شهدتها البلاد فتحت نيران هجوم مباشر وشخصي على الأمير محمد بن سلمان بشكل خاص.

التشكيك في رؤية 2030 انطلق قبل أن تبدأ، والهجوم على برنامج التحول الوطني السعودي بعد المؤتمر الصحافي الخاص به لم يكن من الجميع، لكن جرعات الأمل التي ضخها ولي العهد في 2016، تجابه بحملات تحريض وتشكيك وإحباط منظمة قبل أن ينطلق البرنامج العملي لكل المبادرات المعلن عنها. لا يمكن إحسان الظن في هذا الهجوم، فقد كان متناسقاً بوتيرة واحدة من فئات دأبت على زرع الإحباط لدى السعوديين.

لماذا يقف السعوديون خلف محمد بن سلمان؟ لأنه الأمل بالنسبة إليهم وعنوان التجديد، فقد تبين في الأربع سنوات الماضية، أن الهجوم مبني على شائعات وفبركات، وكانوا على حق حين وقفوا خلف الأمير ليظهر بعد ثلاثة أعوام أن لا علاقة مباشرة له بحادثة قنصلية إسطنبول، ولا بكثير من الاتهامات، وآخرها اختراق هاتف جيف بيزوس.

ليس المقصود من كل ذلك القول، إن السعودية بلا أخطاء، فمن المهم دوماً تذكير العالم أن السعودية دولة مثل غيرها، وحكامها وشعبها بشر، يصيبون ويخطئون. لم ينزلوا من السماء، وليسوا ملائكة، إلا أنهم ليسوا شياطين كذلك!