أساطير الآخرين..

القصة الكاملة للدعاية الإسرائيلية الكاذبة على مدار 75 عاماً

أساطير الآخرين..

القصة الكاملة للدعاية الإسرائيلية الكاذبة على مدار 75 عاماً

“من أرض الميعاد” حتى السور الحديدي حول غزة، مروراً بخط بارليف والجيش الذي لا يُقهر وواحة الديمقراطية والجدار العازل.. ما قصة أساطير إسرائيل المنهارة؟

قالوا إن فلسطين “وطن بلا شعب لشعب بلا وطن”، وقالوا إن خط بارليف يستحيل اقتحامه، وقالوا إن “جيشها لا يُقهر”، وقالوا إنها “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، وقالوا إن “القبة حديدية” لا تخترقها الصواريخ..

روّجوا طويلاً لأساطير، منها أن “الجدار العازل” حول الضفة و”السور الحديدي” حول غزة يستحيل اختراقهما.. قالوا إن “الميركافا” لا يمكن تدميرها، وقالوا إنهم “الخير” في مواجهة “الشر”..

إنها إسرائيل.. ذلك الكيان الذي زرعه الغرب الاستعماري في فلسطين قبل 75 عاماً، وظل يتغذى على الأكاذيب وينسج الأساطير ويستعطف العالم أجمع بشعارات المظلومية والشتات، لكن الحقيقة لا بد لها أن تظهر وتسود، مهما طال الزمن وتراكمت الأكاذيب، أو بمعنى أدق “الأساطير” التي بُنيت عليها إسرائيل، الي تمثل ذلك الكيان الصهيوني الذي وُلد مشوَّهاً لينشر القتل والدمار، ويقضي على آمال السلام والسكينة!

أسطورة “أرض الميعاد

ربما كانت “أرض الميعاد” من أشهر الأساطير المؤسسة لإسرائيل وأكثرها انتشاراً، فمن أين جاءت؟ سنجد إجابات كثيرة ومتناقضة في حقيقة الأمر بشأن محاولة وضع إجابة دقيقة، أو على الأقل منطقية لهذا السؤال.

فتاريخ الحركة الصهيونية نفسه متضارب، وهي مشتقة من كلمة “صهيون” التي تشير بالعبرية إلى منطقة جبل صهيون في فلسطين، وربما يكون أول من وظف هذا المصطلح في إطار سياسي هو الكاتب والفيلسوف النمساوي ناتان برنباوم، حيث أطلق في كتاباته مصطلح “الحركة الصهيونية” للإشارة إلى “أحباء صهيون”. قيل لاحقاً إن برنباوم كان يسعى لتأسيس وطن قومي لليهود الذين يتعرضون للاضطهاد في أوروبا، وخاصة وسط وشرق القارة العجوز، لكن برنباوم نفسه تنكر للفكرة الصهيونية في نهاية حياته وأعلن معارضته لفكرة إنشاء وطن قومي لليهود من الأساس.

أما الكيميائي اليهودي النمساوي، تيودور هرتزل، فهو من تبنى الفكرة وروّج لها ونجح في عقد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية عام 1897 في مدينة بازل السويسرية. وتوالت مؤتمرات الحركة الصهيونية، وبدأت تكتسب زخماً ودعماً، ولا بد هنا من ذكر عدة حقائق:

–    خلال المؤتمر السادس للحركة الصهيونية عام 1903 (بالتحديد يوم 23 أغسطس/آب) في بازل، قدم هرتزل مقترحا لإقامة وطن قومي لليهود في أوغندا، وجاءت معارضة المقترح من جانب بريطانيا (التي كانت تحتل شرق أفريقيا حيث تقع أوغندا) وذلك خوفاً على التأثير السلبي لمصالحها الاستعمارية هناك وحول العالم.

–   كانت الأرجنتين أيضاً مقترحاً آخر لإقامة وطن قومي يجمع اليهود المضطهَدين في أوروبا، كما جاءت شبه جزيرة سيناء المصرية كأحد المقترحات.

–       تؤكد هذه المقترحات أن مسألة “أرض الميعاد” اليهودية في فلسطين ما هي إلا أسطورة تمت بلورتها لاحقاً، بعد أن تجمعت عدة ظروف سهلت هجرة كثير من يهود شرق ووسط أوروبا إلى الدولة العربية، وبخاصة قبيل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية بسبب الهولوكست، الذي قام به زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر بحق اليهود.

–       حدث ما حدث وتأسست إسرائيل منذ عام 1948 على جزء من أرض فلسطين طبقا لقرار أممي بالتقسيم، فهل هاجر إليها جميع اليهود حول العالم بصفتها “أرض الميعاد” كما يزعمون؟ يوجد أكثر من 16 مليون يهودي حول العالم، أما في فلسطين فيوجد فقط نحو 7 ملايين يهودي، بحسب إحصائيات 2023!

–    لماذا يجب أن يكون هناك وطن قومي لليهود أصلاً؟ لأنهم مضطهدين؟ يتعرض مسلمون ومسيحيون للاضطهاد كأقليات حول العالم طوال الوقت، فلماذا لا يتعامل العالم مع تلك الحالات على أنها “قضية دينية” حلها إيجاد وطن قومي للمضطهدين؟

أسطورة خط بارليف الحصين

نعم، مثلت الأساطير، منذ إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، جزءاً رئيسياً من تراث إسرائيل! وكانت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر” أحد أبرز تلك الأساطير، خصوصاً بعد حرب يونيو/حزيران 1967، التي تمكن خلالها الاحتلال من ابتلاع فلسطين بأكملها وهضبة الجولان السورية ونهر الأردن وسيناء المصرية.

وخلال 6 سنوات ركز الاحتلال الإسرائيلي على تكريس صورة جيشه وقوته العسكرية في المنطقة ليبث الخوف في نفوس الجميع. وشيدت إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس المصرية خطاً حصيناً منيعاً هو “خط بارليف”. وصفوه بأنه الخط الدفاعي الأقوى في التاريخ، وأن من يحاول الاقتراب منه سيواجه مصيراً قاتلاً بأبشع الطرق.

وفجأة، وفي وضح النهار يوم السادس من أكتوبر/تشرين الأول، انهار خط بارليف المنيع أمام القوات المصرية التي عبرت القناة نحو سيناء بأعداد ضخمة ولم يصمد “خط بارليف” وانهار في أقل من 6 ساعات فقط! 6 ساعات تحطمت خلالها أسطورة “خط بارليف” التي استغرقت إسرائيل 6 سنوات في نسجها والترويج لها! أوهن من بيت العنكبوت؟ بالتأكيد.

سارعت أمريكا لنجدة حليفتها إسرائيل، وأمدتها بجسر جوي مباشر حمل الإمدادات العسكرية بأنواعها المختلفة، وبصور الأقمار الصناعية على الجبهتين السورية والمصرية، حتى تماسكت إسرائيل بعد أن كان جيشها كريشة في مهب الريح.

وبدأت مسيرة التفاوض والأخذ والرد لسنوات لتعود إسرائيل إلى عملية بناء الأسطورة من جديد، أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، رغم أن 6 ساعات فقط كانت كافية لانهياره وسقوط خط بالريف الأسطوري.

أسطورة القبة الحديدية

لا تتوقف آلة إنتاج الأساطير وترويجها وتغذيتها طوال الوقت. ومع تحول الكيان الصهيوني في فلسطين إلى المصدر الرئيس للتوتر والاضطرابات والصراعات في المنطقة، برزت الحاجة إلى أسطورة جديدة تتعلق بأمن الإسرائيليين أنفسهم، وهكذا بدأ نسج أسطورة “الأمن الذي لا يمكن اختراقه”.

فمن الجدار العازل في الضفة الغربية المحتلة إلى “القبة الحديدية”، ازدادت وتيرة الترويج لأسطورة الأمن التي تتمتع بها إسرائيل كي توظف في محاولات إقناع المزيد من اليهود للهجرة إلى فلسطين على حساب مزيد من التهجير لأهلها الفلسطينيين.

بدأ الترويج لأسطورة “القبة الحديدية” على الطريقة الإسرائيلية التقليدية في نسج الأساطير. ففي أعقاب حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، التي شهدت إطلاق 4000 صاروخ كاتيوشا قصير ومتوسط المدى على إسرائيل، أسقطت 44 قتيلا وأجبرت مليون إسرائلي على العيش في الملاجئ طوال مدة الحرب، بدأت إسرائيل العمل على نظام دفاع صاروخي.

وعلى الرغم من أن أنظمة الدفاع الصاروخي موجودة بالفعل لدى كثير من الدول حول العالم، وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل على نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي باتريوت، فإن إسرائيل أضافت “هالة من الأساطير” على نظام “القبة الحديدية”، القائم بالأساس على النظام الأمريكي، وظلت تلك “الهالة الأسطورية” تنمو وتتضخم حتى دخول “القبة الحديدية” الخدمة فعليا عام 2011.

وهنا يمكن الاستشهاد ببعض الخبراء الإسرائيليين أنفسهم، ومنهم المحلل العسكري والأستاذ في جامعة تل أبيب رؤوفين بيداتسور القبة الحديدية بأنها “أكبر عملية احتيال” يتعرض لها الإسرائيليون من حكوماتهم، وذلك في مقال له بصحيفة هآرتس قبل حتى بدء تشغيل نظام الدفاع الصاروخي، راصدا التكلفة العالية للغاية لكل صاروخ اعتراضي (كانت مقدرة وقتها بأكثر من 50 ألف دولار) مقابل تكلفة صواريخ القسام (التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية حماس)، والتي لا تزيد تكلفة كل منها على (300-1000 دولار).

وبعد أن دخلت “القبة الحديدية” الخدمة، ورغم استمرار الترويج للأسطورة، ظلت صواريخ المقاومة الفلسطينية من غزة المحاصرة كابوساً يقضّ مضاجع الاحتلال كلما وقعت الواقعة. وكانت معركة “سيف القدس” في مايو/أيار 2021 أكبر دليل على فشل “القبة الحديدية” في توفير الأمن المزعوم للاحتلال، بعد أن ظلت تنفجر صواريخ المقاومة ليس فقط في مستوطنات غلاف غزة بل في قلب تل أبيب وما بعدها.

ورغم التعتيم الإسرائيلي المعتاد على الخسائر التي تتعرض لها دولة الاحتلال، إلا أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الذي أسهم في نشر جانب من تلك الخسائر عبر مقاطع الفيديو التي يلتقطها البعض وينشرونها عبر حساباتهم الخاصة، بدأت تظهر جانباً من الحقيقة يؤكد أن “القبة” ليست “حديدية” بالمرة! ثم جاء “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين 2023؛ ليهشم جميع أساطير “الأمن الإسرائيلي”، ومنها أسطورة “القبة الحديدية”.

أسطورة جدار الفصل العنصري

منذ تأسست دولة الاحتلال عام 1948، كان هناك ما يعرف باسم الخط الأخضر أو خط التقسيم بين الدولة العبرية وفلسطين، وهو الخط الذي لم تحترمه إسرائيل واحتلت جميع الأراضي الفلسطينية خلال حرب 1967.

لم يتوقف الفلسطينيون يوماً عن مقاومة الاحتلال بطبيعة الحال، ففكرت إسرائيل منذ منتصف التسعينيات في تشييد جدار عازل يفصل بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وبين الخط الأخضر كوسيلة لحماية المحتلين من أعمال المقاومة.

ففي عام 1994، كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين أول من أثار فكرة إقامة جدار فاصل بين دولة الاحتلال وبين الفلسطينيين، لكن رابين لم يكن يتحدث بالطبع عن أن يكون الجدار على امتداد الخط الأخضر، لكنه كان يقترح جداراً ملتوياً بحيث تقع القدس الشرقية وبعض مناطق الضفة الغربية داخله وباقي الأراضي الفلسطينية خارجه.

لم تجد فكرة رابين وقتها إجماعاً بين الساسة الإسرائيليين، على اعتبار أنهم يريدون مواصلة احتلال جميع أراضي فلسطين بالكامل. لكن خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت عام 2000، وجدت فكرة بناء جدار عازل صدى جديداً، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة للمقاومة الفلسطينية خلف الخط الأخضر أو داخل ما بات يعرف بالعمق الإسرائيلي.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، وخلال مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت عن بدء تشييد جدار عازل بطول 74 كلم، لكن لم يبدأ العمل فعلياً حتى يونيو/حزيران 2002 خلال حكومة إرييل شارون، التي وافقت بشكل نهائي على بناء الجدار العازل.

وعلى مدى عقدين من الزمان، شيّدت إسرائيل جدار العزل على مسافة نحو 700 كلم، فهل حقق هذا الجدار الهدف منه؟ كلا! إذ استمرت عمليات المقاومة المسلحة التي ينفذها فلسطينيون يعيشون في مدن وبلدات فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة خلف جدار الفصل العنصري ذاك!

وشهد عام 2022 أكثر من عملية مقاومة مسلحة أوقعت عشرات الإسرائيليين بين قتيل وجريح، لتتحطم أكذوبة أخرى من أكاذيب الأمن الإسرائيلي التي لا تتوقف.

دبابة الميركافا.. أسطورة من ورق؟

جميع الجيوش لديها دبابات، هذه حقيقة ثابتة، وجيش الاحتلال الإسرائيلي ليس استثناء بطبيعة الحال، لكن دبابة “الميركافا” تحديداً أحيطت بهالة أسطورية تتفوق على مثيلاتها، بل يتفاخر قادة جيش الاحتلال بأن “الميركافا” ليس لها مثيل!

وتعتبر الميركافا واحدة من أكثر الدبابات تكلفة، فالدبابة الواحدة تزيد تكلفتها على 3.5 مليون دولار، وهي مزوّدة بمدفع سريع الإطلاق عيار 120 مم، وبأحدث تقنيات المراقبة النهارية والليلية، ومزودة بأكثر من درع للحماية من الاستهداف، وبخاصة من جانب الطائرات المسيرة أو الصواريخ المضادة للدروع. ويتكون طاقم الميركافا من من 4 أفراد (قائد الطاقم وسائق الميركافا وجندي المدفع وجندي تلقيم القذائف).

وتصنف الميركافا ضمن الصف الأول من الدبابات الحديثة، صحبة أبرامز الأمريكية وليوبارد الفرنسية وتشالنجر البريطانية، لكن تتفوق الدبابة الإسرائيلية من حيث مستوى الحماية الذي توفره للطاقم بشكل خاص، حيث يتم تحديث أدوات الوقاية بشكل مستمر، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على التكلفة. وبالإضافة إلى ذلك، يتم تزويد الميركافا بحساسات وأجهزة رصد متطورة لكشف الأهداف الثابتة والمتحركة ومنع الاقتراب من الدبابة خلال المهام القتالية.

كما أضيف للميركافا لوحي حماية لتغطية الجزء الأمامي (موتور الدبابة) والجزء الخلفي (مخزن المقذوفات)، وهما أكثر جزأين يتم عادة استهدافهما عبر المسيّرات أو القذائف المضادة للدروع، بحسب تقرير لمجلة فوربس الأمريكية.

لكن جاءت عملية طوفان الأقصى العسكرية وما تلاها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة واجتياح بري لتتحطم أسطورة الميركافا، بعد أن تعرضت للتدمير من “المسافة صفر”، وهي السلاح الذي لم يحسب له الاحتلال حساباً.

فخلال نحو 24 يوماً من الاجتياح البري لشمال قطاع غزة، تمكن مقاتلو القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) من تدمير أكثر من 350 آلية للاحتلال، بين ميركافا وعربات نقل الجنود “نامر” وجرافات عسكرية عملاقة، سواء بشكل كلي أو جزئي، بحسب بيانات القسام.

ولا شك أن تعرّض هذا العدد الكبير من الآليات العسكرية، وعلى رأسها الميركافا بطبيعة الحال، للتدمير من جانب فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يمثل انهياراً للأساطير التي نُسجت بتكثيف ومبالغة حول تلك الدبابة باهظة التكاليف.

كيف حطم “طوفان الأقصى” السور الحديدي؟

لم تتوقف إسرائيل يوماً عن نسج أساطيرها ولا تشييد أسوارها العازلة، وهذه المرة بنت سوراً وصفته بأنه “حديدي” لإحكام الحصار على قطاع غزة. وفي نهاية عام 2021، أعلن جيش الاحتلال الانتهاء من بناء السور الحديدي الفاصل بين غزة والمناطق المحتلة.

وصفوه بأنه الأول من نوعه في العالم، وتفاخروا بأنه يوفر درعاً واقياً يستحيل اختراقه، وزفوا البشرى لمستوطنيهم في غلاف غزة بأنهم لن يواجهوا تهديداً بعد اليوم.

ويتكون هذا السور الحديدي من جدار يمتد تحت الأرض بعمق عدة أمتار على طول الحدود البالغ طولها نحو 40 كيلومتراً. يضم الجدار أجهزة استشعار قادرة على الكشف عما إذا كان هناك حفر لأي نفق قريب، وبحسب تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني، استغرق بناء السور الحديدي نحو 3 أعوام، وبلغت تكلفته نحو 1.1 مليار دولار أمريكي، ووصفه الاحتلال بأنه “الوحيد من نوعه في العالم”.

تفاخر وزير دفاع الاحتلال بسوره الحديدي قائلاً: “هذا الحاجز، وهو مشروع تكنولوجي إبداعي من الدرجة الأولى، يحرم حماس من إحدى القدرات التي حاولت تطويرها، ويضع جداراً من الحديد وأجهزة الاستشعار والخرسانة بينها وبين سكان الجنوب”.

لا مشكلة بطبيعة الحال إذا ما أضاف هذا السور الحديدي مزيداً من التضييق على أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، يعيشون في قطاع غزة في أكبر سجن مفتوح في العالم!

وقالت صحيفة The Times of Israel إن السور الحديدي يمتد على مسافة 65 كيلومتراً، بدءاً من الحدود المصرية، ليدور حول قطاع غزة ويصل إلى البحر الأبيض المتوسط، مضيفة أنه يحتوي على معدات كبيرة ومتطورة جداً، ففي كل نقاطه يحتوي على معدات مراقبة متطورة، إذ تتمركز العشرات من الهوائيات ومئات الكاميرات والرادارات على الجدار الحديدي الذي استخدم في بنائه نحو 140 ألف طن من الحديد والصلب. أما الجدار المعدني تحت الأرض، فهو مزوّد بأجهزة استشعار لكشف أي حالات حفر أنفاق محتمَلة.

أكثر من مليار دولار.. فكيف انهار السور؟

ويرتفع السور فوق سطح الأرض لأكثر من 6 أمتار، ويحتوي أيضاً على نظام أسلحة يتم التحكم فيه عن بُعد، وحاجز بحري مزوّد بمعدات مراقبة يمكنها اكتشاف أي محاولات للتوغل عبر الطرق البحرية.

لكن طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حطم أسطورة السور الحديدي بسهولة لافتة. تمكن المئات من مقاتلي المقاومة من إبطال كاميراته وأجهزة استشعاره وتقنياته الموصوفة بأنها الأحدث في العالم، متسلحين بسلاح يستحيل أن يمتلكه أي احتلال، وهو سلاح الإيمان والإرادة والإصرار على كسر قيود الاحتلال!

ولا شك أن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي نشرت تقريرا مطولا عن أبراج المراقبة والكثبان الرملية التي أقامها الاحتلال لرصد التهديدات والمتسللين، باتت بحاجة للتحدث إلى خبراء عسكريين أكثر خبرة ومهارة لفك طلاسم ما أقدمت عليه المقاومة في ذلك اليوم.

ففي صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمكنت سلسلة مفاجئة من الجهود المنسقة من المقاتلين الفلسطينيين من اختراق الجدار بسهولة تامة في 29 نقطة، بحسب اعترافات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ورغم وجود أبراج حراسة إسرائيلية متمركزة كل 500 قدم على طول محيط الجدار في بعض النقاط، فإنه يبدو أن المقاتلين لم يواجهوا مقاومة تُذكر.

فباستخدام طائرات تجارية من دون طيار، قصف الفلسطينيون أبراج المراقبة والبنية التحتية للاتصالات وأنظمة الأسلحة الإسرائيلية على طول الحدود. كما أطلق المقاتلون الفلسطينيون أكثر من 3000 صاروخ على إسرائيل، وصل بعضها إلى تل أبيب والقدس، بينما كان مقاتلون فلسطينيون يهبطون من السماء على متن طائرات شراعية معلقة ليتخطوا السور الحديدي.

واستخدموا متفجرات لفتح ثغرات في هذا السور ليعبروا على دراجات نارية عبر الفجوات، فيما قامت الجرافات بتوسيع الفتحات لمرور المركبات الأكبر حجماً.

خط بارليف مرة أخرى؟ بعد 50 عاماً من تحطيم الجيش المصري لأسطورة خط بارليف، حطمت المقاومة الفلسطينية أسطورة السور الحديدي، وفي الحالتين يبدو أن إسرائيل صدقت كذبتها التي اخترعتها فتجرّعت الهزيمة!

أم الأكاذيب”.. واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط!

ما أطول قائمة الأكاذيب والأساطير التي اخترعها ذلك الكيان الاستعماري الذي زرعه الغرب في فلسطين، وربما تكون “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط” الأسطورة الأطول عمراً، فما قصتها؟

منذ بداية تأسيس الكيان عام 1948، كانت هناك رغبة متبادلة واتفاق ضمني بين زعماء إسرائيل من جهة والغرب من جهة أخرى، في الترويج عالمياً لأسطورة أن إسرائيل دولة ديمقراطية مدنية حديثة، على عكس الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة التي يعجّ بها الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن سن “قانون العودة” منذ عام 1950 يقوّض أحد أهم أعمدة الديمقراطية، وهي المساواة، فهذا القانون حدّد منذ البداية إطاراً تتميز داخله مجموعة عرقية بعينها عن باقي سكان الدولة، إلا أن تسويق ذلك في إطار المظلومية والشتات والهولوكست وغيرها من المبررات التي لا علاقة للفلسطينيين ولا للعرب بها من الأساس، مكن الادعاء بأن إسرائيل دولة ديمقراطية من أن يستمر ويجد آذاناً مصغية في الغرب على مدى عقود.

وظلت مؤسسات غربية متخصصة في ترتيب الدول حول العالم، فيما يُعرف بمؤشر الديمقراطية، تضع دولة الاحتلال في مراتب متقدمة للغاية، إذ جاءت إسرائيل، في أحد مؤشرات الديمقراطية التي تصدر عن وحدة الاستخبارات بالإيكونوميست، في المرتبة الثالثة والعشرين عالمياً، متقدمة على دول مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، بعد أن منحتها الوحدة 7.97 درجة من إجمالي 10!

صدر ذلك التقرير عن عام 2021 وفي أعقاب تقرير منظمة العفو الدولية، الذي حكم بأن إسرائيل تطبّق نظام “الفصل العنصري” ضد الفلسطينيين، مَن هم تحت الاحتلال، وحتى مَن يحملون الهوية الإسرائيلية من عرب فلسطين 1948.

وسقط القناع!

عندما تشكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية أواخر عام 2022، وصفها كاتب أمريكي شهير هو توماس فريدمان بأنها “الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل”، لكن ربما يكون ما سطره كاتب إسرائيلي هو الأكثر تعبيراً عما “حققته” تلك الحكومة برئاسة نتنياهو، أطول من شغل منصب رئيس الوزراء في تاريخ دولة الاحتلال.

“حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تنزِع القناع الذي ساعد في تسهيل التواطؤ الغربي”، هذه الكلمات اختارها جدعون ليفي، كاتب العمود والمؤلف الصحفي وعضو مجلس تحرير صحيفة هآرتس، عنواناً لمقال نشره في موقع Middle East Eye البريطاني، ألقى من خلاله الضوءَ على ما تعنيه تلك الحكومة بالنسبة لصورة الدولة العبرية في عيون داعميها ورُعاتها الغربيين، الذين لطالما تغنَّوا بواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.

يقول كاتب المقال إن إسرائيل تتغير بصورة واضحة، حيث يرى العالم “ديمقراطية ليبرالية غربية تتحرك بسرعة خطيرة نحو القومية المتطرفة والأصولية والعنصرية والفاشية، أي تحطيم الأسس الديمقراطية”، نتيجة لما آلت إليه الانتخابات الأخيرة.

“وعلى الرغم من أن هذه الصورة هي توصيف صحيح، فإنها ليست الوصف الدقيق لما يحدث، فهذا الرأي يفترض ضمنياً أن إسرائيل كانت، حتى حدوث ذلك التغيير، ديمقراطية غربية فعلاً، وهي الآن تتحول بشكل واضح إلى شيء آخر، لكن الحقيقة هي أن إسرائيل لا تتغير، بل تتخلص من أقنعتها، وتُمزّق صورتها الزائفة تمزيقاً”.

هذه شهادة من كاتب إسرائيلي، لكن حقيقة الأمر هنا هي أن إسرائيل لم تكن يوماً كياناً ديمقراطياً من الأساس، فالديمقراطية أساسها المساواة وسيادة القانون، فأي مساواة، وأي قانون في كيان بُني أساساً على الاستيطان وتهجير أصحاب الأرض وترويعهم؟ فما يُعرف اليوم بجيش “الدفاع”، أي جيش الاحتلال الإسرائيلي، هو التطور من العصابات اليهودية التي عاثت في فلسطين فساداً وترويعاً، مثل عصابات الهاجانة والشتيرن وغيرهما!

فما الغريب إذاً في أن يتولى زعيم حزب “القوة اليهودية” اليميني إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن الداخلي في هذا الكيان؟ السياسي اليميني المتطرف بدأ نشاطه السياسي عضواً في حزب كاخ الفاشي، الذي جرى تصنيفه منظمةً إرهابية وحظره داخل دولة الاحتلال نفسها عام 1994. وامتنع جيش الاحتلال عن تجنيد بن غفير بسبب عضويته السابقة في المنظمة.

وكرّس بن غفير، المحامي، مسيرته القانونية للدفاع عن نشطاء العنف اليمينيين، وقال بنفسه إن الاتهامات وُجِّهَت إليه في 53 قضية، ولم تجرِ إدانته سوى في ثمانٍ منها فقط. وكان بن غفير يُعلّق في غرفة معيشته صورةً لباروخ غولدشتاين، الذي قتل 29 فلسطينياً في الخليل عام 1994، وبعد أن أصبح عضواً في الكنيست عام 2021، افتتح بن غفير مكتبه البرلماني في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، في خطوة استفزازٍ واضحة أثناء شهر رمضان المبارك. كما سبق له اجتياح باحات المسجد الأقصى المقدس في أكثر من مناسبة، وجرى تصويره من قبل وهو يهدد الفلسطينيين بمسدسه. وهو الآن مسؤولاً عن الأمن الداخلي في تلك الدولة التي وصفوها طويلاً بأنها “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”!

تمييز بين السكان!

أما عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الإسرائيلية، أو عرب 1948، فتلك قصة لطالما غضّ الجميع الطرْفَ عنها، حتى سقطت الأقنعة خلال السنوات القليلة الماضية.

إذ يبلغ عدد سكان إسرائيل ما يزيد قليلاً على 9 ملايين نسمة، وحوالي خُمس هؤلاء، أي نحو 1.9 مليون شخص تقريباً هم من العرب، وهم الفلسطينيون الذين بقوا في ديارهم التي أصبحت داخل حدود دولة إسرائيل بعد إنشائها في عام 1948، بينما فرّ ما يصل إلى 750 ألفاً منهم، أو تعرّضوا للطرد من منازلهم خلال الحرب التي تلت ذلك.

يُطلِق السكان الذين بقوا داخل إسرائيل على أنفسهم اسمَ عرب إسرائيليين، أو فلسطينيين إسرائيليين، أو فلسطينيين فقط. وغالبية الفلسطينيين داخل إسرائيل مسلمون، ولكن كما هو الحال في باقي المجتمع الفلسطيني يشكل المسيحيون ثاني أكبر مجموعة بشرية بينهم.

ومنذ اليوم الأول لإعلان إسرائيل كدولة، يتعرض الفلسطينيون، حَمَلةُ الجنسية الإسرائيلية، إلى تمييز منهجي في بلادهم، وهو ما أكدته العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، إذ تقول منظمة العفو الدولية إن إسرائيل تفرض تمييزاً منهجياً ضد الفلسطينيين الذين يعيشون فيها.

ووفقاً لتقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، في أبريل/نيسان 2021، تمارس السلطات الإسرائيلية الفصل العنصري، وهو جريمة ضد الإنسانية، سواء تجاه الفلسطينيين داخل إسرائيل أو الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة.

وللحكومة الإسرائيلية تاريخ طويل من مصادرة الأراضي المملوكة لعرب فلسطين من حمَلة الجنسية الإسرائيلية، والذين يتهمون تل أبيب بالتمييز المنهجي ضدهم في الميزانية الوطنية.

إنها إسرائيل، التي تعيش اليوم أزمة العقد الثامن! فقد توالى سقوط الأساطير التي تم نسجها والترويج لها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فهل يكون “طوفان الأقصى” بداية النهاية لهذه الأكاذيب والأساطير، بعد أن فشلت إسرائيل في إقناع العالم هذه المرة بأيٍّ من أكاذيبها، وبعد أن فشلت الروايات المكذوبة في الانتصار على الحقائق التي يشاهدها العالم على مدار الساعة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول؟!

عربي بوست

المقالة يعبر عن راي الموقع