البريكس على الأبواب… هل هناك تحول جديد في توازنات القوى العالمية؟ هل سيُعد هذا الحدث تحدًا للنظام العالمي الحالي؟ ما هي توقعات القمة؟ وهل ستُبنى جسور أم تزيد الانقسامات؟

 “راي اليوم” ـ اسراء عبيدات:

في 22 آب أغسطس  عندما يلتئم العالم على ضفاف جوهانسبرج في جنوب إفريقيا، وتتجه الأنظار بكل ترقب نحو مركز الأحداث، تكون القمة الـ15 لمنظمة البريكس قد انطلقت وستعقد بين الفترة 22 ـ 24 اب (أغسطس) ، منذ تأسيس هذه المنظمة التي تجمع بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، لطالما كانت هذه القمم نقطة تلاقٍ للتحديات والفرص، تُشكّل علامة فارقة في مسار التوازنات العالمية.

في هذا السياق المهم، يبرز التساؤل: هل ستحمل قمة البريكس الـ15 تحولًا جديدًا في الديناميات العالمية؟ هل ستتجاوز المنظمة حدودها ككيان دبلوماسي واقتصادي لتصبح قوةً جيوسياسية فاعلة تُسهم في تشكيل مستقبل الساحة الدولية؟ أم ستظل الانقسامات والاختلافات الداخلية تشكل عقبة أمام تحقيق تلك الطموحات؟

لابد أن القمة ستعيد إلى الأذهان تلك التساؤلات الدائمة: هل يمكن للدول الأعضاء تحقيق توازن بين مصالحها المشتركة وتطلعاتها الفردية؟ وما هي مخاطر وفرص التعاون الوثيق بين هذه الاقتصادات الكبيرة والمتنوعة؟ هل ستتجاوز التوجهات الاقتصادية القمة لتشمل قضايا الأمن والبيئة والتنمية؟

قمة البريكس الـ15 تأتي في زمن تنامي التحديات العالمية، سواء في مجالات الاقتصاد والتجارة أو التغيرات المناخية والصراعات الجيوسياسية. هل ستكون هذه القمة منبرًا لتقديم حلاً جديدًا وشاملًا لهذه التحديات؟ وكيف ستتعاطى المنظمة مع التوترات الدولية الراهنة، سواء كان ذلك في إدارة الأزمات الإقليمية أو الصراعات الدبلوماسية؟

إجابات هذه التساؤلات قد تكون محور جدل عالمي مشتعل، حيث يتقاطع الآراء والتوقعات والآمال، فيما يبقى الجميع على أهبة الاستعداد لما قد يجلبه هذا الحدث الدولي البارز من تأثيرات وتحولات على الساحة العالمية.

مع اقتراب انطلاق القمة  تتزايد التكهنات حول محاورها المحورية والتحولات المحتملة التي قد تُشكِّلها. من أبرز المواضيع المتوقعة للبحث في هذه القمة، تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء، وقد يتضمن ذلك إنشاء نظام مدفوعات مشترك يعزز التعاون المالي والتجاري بينها. ومن الملفت للنظر أنه من المحتمل أن تقوم القمة بتشكيل لجنة فنية لاستكشاف إصدار عملة مشتركة، مما يعزز من تقارب الدول الأعضاء.

بجانب هذه الخطوات الاقتصادية المهمة، تأتي القمة في سياق استثنائي، حيث تُعد القمة الأولى التي تُعقد حضورياً منذ تفشي جائحة “كورونا”. وهذا يزيد من أهمية الأجندة التي ستتناولها، فقد تكون منصة لبحث كيفية تعزيز التعاون الدولي في مجالات متعددة بما في ذلك الصحة العامة والتعافي الاقتصادي.

من المقرر أن يكون مركز ساندتون للمؤتمرات في جوهانسبرج هو المضيف لهذه القمة البارزة. حيث تعتبر جنوب أفريقيا حاليًا الرئيس الحالي لمنظمة البريكس، وهذا يزيد من أهمية القمة ودور البلاد في تسهيل التواصل والتنسيق بين الدول الأعضاء.

نبذة عن مجموعة البريكس

في عالم تتجاوز فيه تطورات الاقتصاد والسياسة الحدود الوطنية، تبرز مجموعة “بريكس” كإحدى اللاعبين الرئيسيين في ساحة القوى الناشئة. انتشر مصطلح “بريك” بشكل لافت عام 2001، وقد صاغه الاقتصادي في مصرف “غولدمان ساكس” جيم أونيل، ليُشير إلى البرازيل وروسيا والهند والصين، أربع اقتصادات بارزة تتمتع بنمو ملحوظ وتأثير عالمي.

لكن لم تكتفِ هذه الرباعية بالوقوف عند هذا الحد، بل في عام 2010، دُعيت جنوب أفريقيا للانضمام لهذا الجموع، لتصبح “بريكس” بالكامل. ومنذ ذلك الحين، بدأت تتعقد مؤتمراتهم السنوية لاستكشاف مجموعة متنوعة من الموضوعات الاقتصادية والسياسية.

تضم مجموعة “بريكس” نحو 42% من سكان العالم، وتمثل أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشكل حوالي 16% من حجم التجارة العالمية. هذه الأرقام الضخمة تنمّ عن قوة هذه الدول ودورها المتنامي في تشكيل مسارات الاقتصاد والسياسة الدولية.

الاستثمار الأجنبي المباشر كان له دور جوهري في دعم اقتصادات دول “بريكس”، حيث شهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي تضاعفها بأكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2001، وذلك بفضل مشاريع تنمية وتحسين بنية الاقتصادات. هذا يلقي الضوء على دور هذه المجموعة في تحقيق استقرار اقتصادي وتطوير مستدام.

تأتي مجموعة “بريكس” في قمة اهتمام مع مجموعة السبع (G7)، حيث تمثل هذه المجموعتان معًا 11 من أكبر 12 اقتصادًا في العالم. إن التأثير المتنامي لـ”بريكس” يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي وتشكيل التوجهات العالمية.

تحمل مجموعة “بريكس” مسؤولية كبيرة في صياغة المستقبل، وقد تظهر السنوات المقبلة إلى أي مدى ستتمكن هذه القوى الناشئة من تحقيق تحولات إيجابية في الاقتصاد والسياسة العالمية، وما إذا كانت ستبني جسورًا للتعاون أم ستواجه تحديات جديدة تعكر مساراتها.

“تنافس وتحولات: “بريكس” ومجموعة السبع في المنظومة الاقتصادية العالمية

خلال العقد الماضي، شهدت دول “بريكس” تقدمًا اقتصاديًا لافتًا، حتى أصبحت منافسة قوية لمجموعة السبع الصناعية الكبيرة. وقد تجلى هذا التنافس في سلسلة من المبادرات الجريئة، بدءًا من مشروع إنشاء مصرف عالمي بديل، إلى الحوارات المتواصلة بشأن نظام الدفع العالمي ومستقبل العملات الاحتياطية.

لنلقِ نظرة على مساهمتهما في الاقتصاد العالمي من خلال مؤشر تعادل القوة الشرائية، استنادًا إلى إحصائيات صندوق النقد الدولي:

  • في عام 1992: كانت حصة “بريكس” تبلغ 16.45% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقابل 45.80% لمجموعة السبع.
  • وفي عام 2002: ارتفعت حصة “بريكس” إلى 19.34%، فيما تراجعت حصة مجموعة السبع إلى 42.34%.
  • وفي عام 2012: شهدنا تزايد تأثير “بريكس” لتصل حصتها إلى 28.28%، مقابل 32.82% لمجموعة السبع.
  • وفي عام 2022: استمرت النموية لصالح “بريكس”، حيث وصلت حصتها إلى 30.67%، وكانت حصة مجموعة السبع 30.31%.
  • وبحلول عام 2028، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح دول “بريكس” ثالث أكبر اقتصاد في العالم، حيث ستمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

تجسيدًا للتحولات الجارية، يصبح النقاش حول مستقبل الاقتصاد العالمي أكثر تعقيدًا وتنوعًا. تتطلع دول “بريكس” إلى بناء تحالفات أقوى وصياغة ملامح مستقبل متجدد، بينما تسعى مجموعة السبع إلى المحافظة على دورها القيادي والتكيف مع التغيرات المتسارعة في البيئة الاقتصادية العالمية.

باعتبارهما لاعبين رئيسيين في الساحة الاقتصادية العالمية، تظل العلاقة بين “بريكس” ومجموعة السبع مصدرًا للتوقعات والتحليلات المستمرة، حيث يعكف العالم على دراسة تأثيرها المتزايد والمتغير في سياق العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي.”

دول تريد الانضمام إلى بريكس

في تاريخ 7 أغسطس الحالي، ألقت وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا، ناليدي باندور، بيانًا ذا وقعٍ كبير، حينما أعلنت أن طلبات رسمية تلقتها من 23 قائد دولة تعبّر عن اهتمامهم بالانضمام إلى “بريكس”. ولا تقتصر الأمور على ذلك فحسب، بل تمتد أيضًا إلى طلبات غير رسمية تعكس طموحات متعددة حول إمكانية الانضمام.

من بين الدول التي أعربت رسميًا عن رغبتها في الانضمام: مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.

هذه التوسعة الرئيسية لـ “بريكس” تشهد تعزيز دورها كتحالف اقتصادي قوي ومؤثر، وتمهّد الطريق أمامها لمنافسة دولية جديدة. يتوازن هذا النمو مع الأهداف الأصلية لتأسيس “بريكس”، الذي أنشئ ليصبح كيانًا يشجع على التوازن في الاقتصاد العالمي.

المغرب ينفي طلبه الانضمام إلى مجموعة “بريكس”

أعلنت المملكة المغربية، السبت، نفيها بشدة للأنباء التي تناولتها بعض وسائل الإعلام حول تقديمها طلب انضمام إلى مجموعة “بريكس”، والتي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وأكدت المملكة أن أي مشاركة في اجتماع “بريكس/أفريقيا” لم تكن محل نقاش أو تفاوض في أي مستوى.

وأشار مصدر مأذون من وزارة الخارجية المغربية، وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية، إلى أن المملكة لم تقدم أي طلب رسمي للانضمام إلى مجموعة “بريكس”. وأوضح المصدر أنه حتى الآن لم تتوفر أية إطارات أو إجراءات محددة لتوسيع هذا التحالف الدولي

وفي سياق متصل، أشار المصدر إلى أن “جنوب أفريقيا ظهرت بوضوح دائمًا باستفزازاتها المستمرة تجاه المملكة المغربية، حيث اعتمدت سلوكًا عدائيًا لا مجال للشك فيه وتبنت مواقف معادية بشكل متعمد واستخدامًا لأسلوب الدعمجية في قضية الصحراء المغربية”. وأكد المصدر أن بريتوريا، على مختلف الأصعدة الداخلية وفي إطار الاتحاد الأفريقي، تعمل جاهدة لتصعيد الأوضاع والتأثير سلبًا على المصالح الكبيرة للمملكة المغربية.

وأضاف المصدر أن سياسة الدبلوماسية الجنوب أفريقية تتميز بأسلوبها التدبيري الغير مبالٍ والاستفزازي في تنظيم هذا النوع من الأحداث. وأوضح ذلك بتصريحاتها اللاعتباطية والتجاوزات البروتوكولية المتعمدة التي انتهجتها خلال دعوتها لهذا الاجتماع.

في النهاية، تبقى قمة بريكس فرصة لتعزيز التعاون بين هذه الدول الناشئة والعمل على تحقيق استدامة اقتصاداتها وتعزيز دورها في المشهد الدولي. إن الخطوات المتخذة خلال هذه القمة قد تصبح معيارًا للتعاون الدولي الفعّال والمستدام في هذا العصر المليء بالتحديات والفرص.