هكذا سرقت إسرائيل الضفّة.. وثيقةٌ سريّةٌ 67: “نهجنا المُستمّر التهرّب من كُل حوارٍ عن المناطق المُحتلّة”…

الاستيطان بدأ بالخفاء وبتضليل المجتمع الدوليّ والهدف دولةٌ واحدةٌ ديكتاتوريّةٌ ومسيحانيّةٌ

 زهير أندراوس

أكّدت دراسةٍ جديدةٍ أعدّها ثلاثة باحثين كبار في جامعة (رايخمان) الإسرائيليّة أنّ حكومة (اليمين الكامل) برئاسة بنيامين نتنياهو، تستكمِل خلال هذه الأيام، مسار كشف السياسة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة، كما تمّ التعبير عنها في المشروع الاستيطانيّ، لافتةً إلى أنّ توماس فريدمان أحسن التعبير في مقالٍ كَتَبَهُ في (نيويورك تايمز)، وادّعى أنّ الحكومة الحالية لا تسمح باستمرار وهم حلّ الدولتين، والآن، لم يعد من الممكن إنكار السياسة التي تدفع بها إسرائيل، دولة واحدة غير ديمقراطية.

 وقال الثلاثة إنّ “هذه سياسة بدأت في الخفاء وبتضليل المجتمع الدولي والمجتمع الإسرائيليّ، ويبدو أنها على مشارف النهاية، عبر الانقلاب النظامي، عن طريق صوغ دولة إثنوقراطية رسمية كاملة”.

 علاوة على ذلك، أوضح الخبراء في دراستهم، التي نقلتها للعربيّة (مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة) أنّه “لم يبدأ اليمين المسار، ففي سنة 1967 كانت إسرائيل تعلم أنّ إقامة بلدات يهودية في الضفة المحتلة هو عمل غير قانوني بحسب اتفاقيات جنيف. وفي آذار (مارس) 1968 أرسلت وزارة الخارجية برقية كتب عليها (سرّية للغاية) إلى السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إسحاق رابين، وفيها التوجيه التالي: “نهجنا المستمر كان ولا يزال التهرّب من كُل حوار عن المناطق التي تمت السيطرة عليها استناداً إلى اتفاقيات جنيف… اعتراف واضح من طرفنا بأن تطبيق الاتفاقية سيبرز المشاكل الصعبة التي لها علاقة بتفجير المنازل، والتهجير، والاستيطان وغيرها.”

 “وفعلاً، بدأت إسرائيل مباشرة بعد حرب الأيام الستة بناء المستوطنات في الضفة، في الوقت الذي كانت فيه تستعمل أنواعاً متعددة من التضليل”.

 وشدّدّ الخبراء على أنّ “إسرائيل التي طبّقت على المناطق المحتلة (قوانين السيطرة القتالية)، وصلت إلى ذروة السخرية حين أرادت عبر تلك القوانين السيطرة على أراضٍ فلسطينية خاصة من أجل إقامة مستوطنات، بذريعة الحاجة الأمنية”.

 وكشفت الدراسة، التي تمّ نشرها بصحيفة (هآرتس) أنّ “وزير الأمن موشيه ديان قال في كانون الثاني (يناير) 1970 خلال جلسة حكومية بشأن إقامة كريات أربع: “أنا أقترح… أنّه في المرحلة الأولى، علينا أنْ نعمل ليبدو أنّنا نقوم بأمور لها علاقة بالأمن في الأساس إنْ كان الحديث يدور عن مصادرة أراضي، وبناء، وشق طرقات.”

 ومضت قائلةً: “في تشرين الثاني (نوفمبر) 1992، قررت حكومة رابين الثانية وقف بناء مستوطنات جديدة، هذا الواقع الجديد دفع الحكومة إلى إنشاء طرق التفافية، وهكذا، ولدت ظاهرة البؤر غير القانونية، ففي تشرين الأول (أكتوبر) 1998، وتحضيرًا لتوقيع اتفاق (واي)، دعا شارون، الذي كان وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، المستوطنين إلى السيطرة على كل تلّةٍ فارغةٍ، لأنّ (ما تسيطرون عليه سيكون لنا، وما لا تسيطرون عليه لن يكون لنا)”.

 وأشار الخبراء إلى أنّ مدير عام مجلس المستوطنات سابقًا، عادي مينتس، روى أنّه على مدار السنين اعتقد المستوى السياسي أنّه يجب، ويمكن، إنشاء تواصل جغرافي للمستوطنين. وبحسبه، فإنّ المستوطنات ليست مبادرة من جانب مجموعة هامشية تسمّى (شبيبة التلال)، إنّما هي نتاج تخطيط دقيق للسيطرة على المناطق الاستراتيجية، حدثت بالتنسيق مع المستوى السياسيّ.

 وتابعوا: “البؤر الاستيطانية ازدهرت، وفي سنة 2005، وصل عددها إلى 105 بؤرة، وسكن فيها نحو الـ 4000 نسمة. وعلى الرغم من عدم قانونيتها (بحسب القانون الإسرائيلي أيضًا) فقد تمتّعت بحماية كاملة من جانب الجيش، بتوجيه من المستشار القانوني للحكومة. دفعت الضغوط الأميركية، التي قامت بها إدارة بوش، شارون إلى تعيين المحامية تالية ساسون للبحث والتوصية باستمرار السياسة في مجال البؤر”.

و”عادت ساسون وأكّدت: (أرغب في أنْ أطرح أمامك موقف أغلبية ضبّاط الجيش وشرطة إسرائيل، الذين شرحوا… أنّ الصعوبة المركزية في كُل ما يخص فرض النظام في الضفة بشأن البؤر غير المسموح بها هو الرسائل المتضاربة التي قامت ببثها حكومات إسرائيل إلى جميع المستويات التنفيذية، الأمنية والمدنية.”

وتمّ بحث التقرير وتبنّيه في الحكومة، وتم اتخاذ قرارات لتطبيق استخلاصاته، لكن هذه القرارات لم تنفَّذ، ولم تتغيّر سياسة التضليل على الأرض.

وكردٍّ للدفاع عن التحدي الذي فرضته المحكمة العليا، وُلد (قانون التسوية) الذي صادق عليه الكنيست في 2017، والهدف منه مصادرة الأراضي من أصحابها الفلسطينيين، ومصادرة حقهم في استعمالها، إذ تمّ اليوم بناء آلاف الوحدات للمستوطنين، ضمن نحو 30 مستوطنة و29 بؤرة عليها.

وخلصت الدراسة إلى القول إنّ المسار الطويل للسيطرة والاستيطان في الضفة الغربية تحضيرًا لواقع الدولة الواحدة يمر تحت رادار المجتمع الإسرائيليّ، وعلى عكس موقف أغلبية الجمهور، واستطلاعات الرأي التي قمنا بها مؤخرًا تشير إلى أنّ 21 بالمائة فقط من مجمل الجمهور اليهوديّ يعلم واقع الدولة الواحدة، على حدّ تعبيرهم.

راي اليوم