شغب الملاعب في لبنان رياضي أم سياسي؟


مراقبون يحملون الأندية مسؤولية عنف النهائي بين العهد والأنصار ومتخصصون على الدولة أن تواجه التمييز الطائفي بالمجتمع

فدى مكداشي صحافية @FidaMikdashi

على رغم أن الرياضة من أهم المجالات التي تستطيع أن تجمع الشعب وتوحده بمختلف طبقاته وانتماءاته. فإنه في بعض الأحيان تحدث بعض الأمور المؤسفة التي تؤدي إلى انقسامات وصراعات بين الجماهير والفرق المتنافسة. هذا ما حدث في ملعب فؤاد شهاب بمدينة جونية اللبنانية خلال المباراة النهائية لبطولة لبنان لكرة القدم بين فريقي العهد والأنصار، حيث تحول الملعب إلى ساحة معركة بين الجماهير واللاعبين وتم توقيف المباراة الحاسمة على لقب البطولة.

الرياضة في لبنان

يشير الصحافي المتخصص في الرياضة محمد فواز لـ”اندبدنت عربية”، إلى أن “تاريخ الرياضة في لبنان عرف فترات عديدة من التنافس الحاد والسياسة المتداخلة بالملاعب بدأ بين جمهور ناديي النجمة والأنصار في كرة القدم، الذين ينتمون إلى منطقة واحدة هي الطريق الجديدة”.

يضيف “أخذت كرة القدم المنحى الطائفي والمذهبي بعدما حصل فريق النجمة على (كأس المقاومة) وأهداها إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو من الطائفة الشيعية. في المقابل كان فريق الأنصار يهديها لرئيس مجلس الوزراء آنذاك رفيق الحريري وهو من الطائفة السنية، مما جعل الأول يمثل الشيعة فيما الأخير بات لجمهور السنة”.

يشير فواز إلى أن الأمر لم يختلف كثيراً في كرة السلة، إذ “يعد النادي الرياضي تاريخياً ملك البطولات وهو يسيطر على اللعبة منذ الخمسينيات، ولم يكن هناك أي فريق ينافسه. وبعد تأسيس فريق الحكمة لكرة السلة من قبل عملاق الإعلانات أنطوان الشويري القريب من القوات اللبنانية، صار الفريق مدعوماً بشكل طبيعي من جمهور القوات المسيحي، بينما كان الرياضي يقدم الكأس لرئيس الوزراء السني آنذاك رفيق الحريري”.

الأندية تتحمل المسؤولية

وعن المسؤول حول الشغب الواقع أخبرنا رئيس بلدية جونية جوان حبيش في حديث خاص، أن “المشكلة الرئيسة تكمن في إدارة النوادي التي لم تستعد بشكل كاف للمشكلة، التي يجب أن تتحمل المسؤولية بشكل مباشر ويجب أن تتخذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يثير الشغب في الملاعب. كما يتوجب على اتحاد كرة القدم اتخاذ إجراءات تأديبية مناسبة”، متأسفاً على “استخدام الشعارات السياسية والطائفية”، وأشار إلى قرارات اتحاد كرة القدم اللبناني التي تنص على إبعاد مدرب الفريق عن الملاعب لمدة شهرين وجماهير الفريق لمدة 10 أشهر، “ولكن لا يمكن التأكد ما إذا كانت هذه الإجراءات كافية لردع الجمهور والإدارة عن القيام بأفعال مشابهة في المستقبل”.

يوضح حبيش أن “الحادثة التي وقعت في المباراة ليست الأولى من نوعها، فقد أصبحت الاعتداءات على أرض الملعب متكررة. وللأسف فإن هذا السلوك أصبح شائعاً بين الجماهير والخاسر في المباراة يفتعل المشكلات بأرض الملعب”.

التنافس السياسي – الرياضي

لم يشهد ملعب فؤاد شهاب حالاً من الفوضى والتكسير فقط، بل كان هناك هتافات سياسية وأخرى مذهبية استخدمت من قبل الجمهور لزيادة الاحتقان عندما لم يحتسب هدف لصالح فريق الأنصار.

يوضح فواز أن “خطأ الحكم في عدم احتساب هدف التعادل للأنصار أمام العهد أدى إلى توقف المباراة لحوالى ربع ساعة وتدخلت الهتافات المذهبية لتقحم السياسة في الرياضة”، معتبراً أن “سوء الفهم الذي حدث هو أن الحكم احتسب خطأ لمصلحة الأنصار ولم يترك الفرصة للاعبه الذي لم يسمع الصافرة وأحرز هدفاً ليعادل النتيجة 1-1 لكن الحكم لم يحتسب الهدف بل احتسب الخطأ، وتوقفت المباراة”.

يتابع “استؤنفت المباراة بعد ذلك، وعادل فريق الأنصار وتقدم العهد مرة ثانية ثم عادل الأنصار مرة ثانية قبل أن يسجل العهد هدف التقدم لتصبح النتيجة 3-2″، موضحاً أن “ذلك أدى إلى توقف المباراة نهائياً وجرى تكسير مدرج الأنصار وحاولت قوى الأمن الداخلي احتواء الأحداث من دون جدوى فخرج الحكام بمواكبة أمنية وكتب الحكم الرئيس تقريره محملاً مسؤولية ما حدث لجمهور الأنصار، بالتالي اعتمد النتيجة النهائية 3-2 للعهد. ولاحقاً ثبت الاتحاد اللبناني لكرة القدم النتيجة وأعلن فوز العهد بلقب البطولة وحمل الأنصار مسؤولية ما حدث”.

جذور المشكلة

مجتمعياً يرى الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع رائد محسن أن “منظماتنا الكشفية في لبنان طائفية، حيث يوجد ناد لكل طائفة وكشاف خاص بها. كما يذهب الأطفال إلى المدارس المذهبية والنوادي الطائفية للرياضة والترفيه والتعليم. وتزداد هذه المشكلة بتأييد النظام اللبناني للزعماء والحملات الطائفية، مما يؤدي إلى تعزيز الانتماء الطائفي وتفاقم المناصرة للهوية الذهبية، وتسبب جميع الطوائف في العداء ضد بعضها بعضاً”.

يؤكد أنه “يجب أن نبدأ بتغيير المفاهيم والعادات في النفوس قبل تغيير النظام الطائفي، بحيث تكون الأندية مختلطة بمعنى عدم وجود كشاف أو ناد من لون واحد، بل يكون لدينا نواد وطنية”.

يوضح أن “الخطوات التي يمكن أن تساعد في تغيير المناخ الطائفي في لبنان، يجب أن تبدأ أولاً بمعالجة قطاع التعليم والتربية من خلال تعزيز التعليم المنفتح والمتعدد الثقافات في المدارس والجامعات، مع التركيز على تعزيز القيم العالمية والتسامح والتفاعل الاجتماعي بين الأطفال من جميع الطوائف. ثانياً يجب تأسيس منظمات كشفية لا تتبع أية طائفة أو انتماء سياسي خاص، وتشجيع الأطفال على الانضمام إليها. ثالثاً يجب أن تتخذ الحكومة اللبنانية خطوات عملية لمواجهة الطائفية، بما في ذلك إصدار قوانين تحظر التمييز الطائفي في المؤسسات العامة والخاصة. كما يمكن لوسائل الإعلام أن تساعد في تغيير الوعي العام حول الطائفية، وتشجيع الحوار والتفاعل بين الأطراف المختلفة. إضافة إلى ذلك، يجب تشجيع الأفراد على التفاعل الاجتماعي بين الطوائف المختلفة والتعرف على بعضهم بعضاً بشكل أفضل”.

تجدر الإشارة إلى أن نادي “الأنصار” يستحوذ على نصيب الأسد في بطولات الكرة اللبنانية، إذ فاز بالبطولة 14 مرة، في حين فاز “العهد” بالبطولة ثماني مرات بالمنافسة مع نادي “النجمة”، واليوم مع تحقيق “العهد” فوزه للمرة التاسعة يحتل المرتبة الثانية، يليه “النجمة” في المرتبة الثالثة.