لماذا يزداد قلق العالم من المتحورة “دلتا”؟


السلالة الجديدة من كورونا انتشرت في 132 دولة وأكثر قابلية للانتشار والعدوى وفاعلية اللقاحات لمواجهتها غير محسومة بعد

أحمد عبد الحكيم صحافي @a7medhakim

زيد التفشي المتسارع من نسخة فيروس كورونا “دلتا” من قلق الدول حول العالم، التي شرع عدد كبير منها في إعادة تشديد القيود الصحية، وذلك في وقت نبهت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التعامل مع هذه السلالة بصفتها “تحذيراً” يتطلب تكثيف الجهود للحؤول دون ظهور طفرات أكثر خطورة.

وفي غضون الأسابيع الأربعة الأخيرة، وبحسب منظمة الصحة العالمية، ارتفعت إصابات كورونا في خمس من إجمالي ست مناطق تابعة للمنظمة بنسبة 80 في المئة، حيث ظهرت المتحورة “دلتا” حتى الآن في 132 دولة، وهي أكثر قابلية للانتقال من النسخ السابقة للفيروس، بما في ذلك تلك المثيرة للقلق، ما صعد من وتيرة الخوف من الوباء الذي لا يزال العالم يجاهد لتقليل سرعة انتشاره.

وفي موازاة الانتشار المتسارع لـ”دلتا”، التي ظهرت لأول مرة في الهند، تتواصل الدراسات والبحوث العلمية لاكتشاف تفاصيل المتحورة الجديدة، التي فرضت إعادة التدابير الصحية وتمدد حالات الطوارئ في عدد من البلدان، فضلاً عن إعادة التوصية بإلزامية ارتداء الكمامات، وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي كأحد الحلول الناجعة حتى الآن لمواجهة سرعة تفشي الوباء. 

اختلاف “دلتا” عن باقي السلالات

بحسب دراسة حديثة نشرت نتائجها أمس السبت شبكة “سي أن أن” الأميركية، فإن متحورة “دلتا” تختلف كلياً عن باقي سلالات فيروس كورونا التي ظهرت طوال السنتين الماضيتين، لا سيما أنها تنتج كميات مماثلة من الفيروس التاجي لدى الأشخاص المطعمين، وغير الحاصلين على اللقاح على حد سواء، وهو ما يعني أن من تلقوا لقاحات كورونا يمكنهم نقل العدوى بسلالة “دلتا” مثل غير المطعمين.

وقالت مديرة المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، روشيل والينسكي إن “الأحمال الفيروسية العالية تشير إلى زيادة خطر انتقال العدوى (بسبب سلالة دلتا) ما يجعل الأشخاص الحاصلين على اللقاح قادرين على نقل تلك السلالة للآخرين”، مشيرة إلى أنه “جرى تحديث التوصيات بضرورة ارتداء الأقنعة للأشخاص المطعمين خوفاً من أن ينقلوا من دون قصد الفيروس إلى معارفهم وأحبائهم، لا سيما من المرضى وكبار السن الذين تكون مناعتهم ضعيفة”، وذلك بعكس ما أكده خبراء سابقاً في أن التطعيم يقلل بشكل كبير من احتمالية انتقال الفيروس التاجي من الأشخاص الحاصلين على اللقاح إلى نظرائهم الذين لم يتلقوه حتى الآن.

ووفق الدراسة التي أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض الأميركية على 469 من سكان ولاية ماساتشوستس الذين أصيبوا بالمرض في يوليو (تموز)، فإن حوالى 74 في المئة من المرضى (346 حالة) كانوا قد حصلوا على التقليح الكامل. ومن بين تلك الحالات، أبلغ 79 في المئة منهم عن أعراض نجمت من الحالات المتسلسلة وراثياً، أن متغير “دلتا” هو المتسبب الرئيس.

وشبهت والينسكي سلالة “دلتا” بفيروس جدري الماء الذي يعد أسرع الفيروسات انتشاراً بين البشر، وكان علماء صينيون قد ذكروا في وقت سابق أن الأحمال الفيروسية الناجمة من ذلك المتحور هي أعلى بألف مرة مقارنة مع السلالات التي سبقته.

في السياق ذاته، نشرت مجلة “نيتشر” العلمية، قبل يومين، تقريراً حول أسباب خطورة “دلتا”، قائلة إنها باتت أكثر قدرة قياساً بالفيروس الأصلي والمتحورات الأخرى، على خداع جهاز المناعة لدى البشر مما يقلل من القدرة على مواجهتها.

وأوضحت المجلة، أن “دلتا” تحتوي على أشواك (تلتصق بخلايا الرئة) تزيد بمقدار 75 في المئة عن متحورة “ألفا” التي اكتشفت لأول مرة في جنوب أفريقيا، وهو ما يجعلها أكثر خطورة وسرعة على الانتشار. وكانت “ألفا” تحتوي على أشواك أكثر بنحو 50 في المئة من نسخة كورونا الأصلية التي ظهرت في ووهان الصينية.

ويتفق الخبراء والمختصون على أن معظم المتحورات المكتشفة من فيروس كورونا تختلف من ناحية مدى فعالية الانتشار، وليس بمدى قدرتها على التسبب بأعراض شديدة، إلا أن مجلة “نيتشر” ذكرت في تقريرها أن “متغير دلتا نما بسرعة أكبر، وبمستويات أعلى داخل رئتي المصابين، ومنطقة الحلق مقارنة مع المتغيرات السابقة من الفيروس”.

وأظهرت دراسة نشرتها أخيراً مجلة “فايرولوجيكال” أن الحمل الفيروسي الذي بينته الفحوص الأولى للمصابين بالمتحورة “دلتا”، “أعلى ألف مرة” مقارنة مع الفحوص الأولى التي أجريت إبان الموجة الأولى عام 2020. وهذا يعني أن “دلتا” تتكاثر سريعاً داخل جسم المصاب، والمصابون بها ينشرون كميات أكبر بكثير من الفيروس مما يزيد احتمالات انتقال العدوى.

ونتيجة لذلك، عمدت كثير من الدول، بينها الولايات المتحدة، إلى التوصية مرة أخرى باستخدام الكمامات والتباعد الاجتماعي وغيرها من التدابير الرامية للحد من انتشار الفيروس.

اللقاحات و”دلتا”

لا تزال الدراسات والبحوث العلمية تختلف بشأن مدى فاعلية اللقاحات المكتشفة حتى الآن لمواجهة فيروس كورونا في التعاطي مع “دلتا”، لا سيما مع زيادة الفرضيات حول انتقاله بين الأشخاص الملقحين وغير الملقحين.

وبحسب تقرير نشره موقع “هيلث دايجست” الأميركي، فإن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركي توصل إلى أن حوالى 83 في المئة من حالات الإصابة الجديدة بفيروس “كوفيد-19” خلال الأسبوع الثالث من يوليو الماضي، كانت جراء الإصابة بعدوى “دلتا”. ووفقاً لهيئة الصحة العامة في إنجلترا، تمثل “دلتا” حوالى 99 في المئة من حالات الإصابة الجديدة في المملكة المتحدة، مشيرة إلى أنها أكثر قابلية للعدوى بنسبة 60 في المئة مقارنة مع “ألفا”، وهي بالتأكيد أكثر قابلية للعدوى من فيروس “كوفيد-19” الأصلي.

وحول مدى فاعلية اللقاحات المكتشفة حتى الآن لمكافحة “دلتا”، قال موقع “هيلث لاين” إنه يبدو أن لقاح “فايزر” فعال بنسبة 64 إلى 96 في المئة “ضد أعراض المرض” التي تسببها المتحورة بعد تلقي جرعتين من اللقاح، في حين أظهرت دراسة أخرى أن لقاح “موديرنا” فعال بنسبة 72 في المئة بعد تلقي جرعة واحدة منه، ولكن الأمر لم يُحسم بعد بالنسبة إلى لقاح “جونسون أند جونسون”.

وكان مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركي قد توصل أخيراً إلى أنه “في شبكة متعددة من مستشفيات الولايات المتحدة خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) من العام الحالي، كان تلقي لقاحات فايزر أو موديرنا فعالاً بنسبة 94 في المئة في الوقاية من كورونا بين صفوف البالغين الذين تلقوا جرعتين من اللقاح”، وأن لقاح “جونسون أند جونسون”، الذي يستوجب جرعة واحدة، كان فعالاً بنسبة 66.3 في المئة في الحماية من الفيروس لدى الأشخاص الملقحين بالكامل.

ووفق مذكرة رسمية أميركية كشفت عنها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، السبت، قالت إنه يتم تداولها حالياً داخل مراكز الوقاية من الأمراض ومكافحتها، وهي الوكالة الصحية الرئيسة في الولايات المتحدة، فإن فاعلية اللقاحات تجاه “دلتا” متفاوتة. وقدرت المذكرة الداخلية أن خطر الموت أو الإصابة بمرض خطير يتراجع بوجود لقاح، بمقدار عشر مرات وخطر الإصابة بثلاث على الأقل. وهذا يعني أن اللقاحات فعالة بنسبة 90 في المئة ضد الأشكال الشديدة و67 في المئة ضد الالتهابات. ويرى الخبراء أن اللقاحات تبقى هي الحل للأزمة الصحية.

في الأثناء، اعتبرت المذكرة الأميركية ذاتها، وفق “واشنطن بوست”، أن “دلتا” معدية بالدرجة نفسها لجدري الماء، وآثارها أخطر على الأرجح من الفيروس السابق بينما يبدو الأشخاص الذين يصابون بها ينقلونها سواء كانوا أو لم يكونوا تلقوا لقاحاً. وقالت الصحيفة الأميركية، إن المذكرة أرفقت بتحذير لمسؤولين مفاده أن “الحرب تغيرت”. واعتمدت توصياتها على تحليل أجري في بروفينستاون بولاية ماساتشوستس، حيث رصدت نحو 900 إصابة بفيروس كورونا بعد احتفالات العيد الوطني في الرابع من يوليو، على الرغم من أن ثلاثة أرباع المشاركين في الحدث كانوا مطعمين. وتوصلت إلى أنه “لم يكن هناك فرق” في قوة الفيروس بين الذين تم تطعيمهم وغير الملقحين، حسب النص نفسه، ما يشير إلى درجة عدوى واحدة أياً كان وضع التطعيم.

وتشير وثائق وكالة الصحة الأميركية إلى أنه ليس من النادر أن يصاب أشخاص تلقوا تطعيماً ضد الفيروس كما كان يعتقد سابقاً، إذ سجلت “35 ألف إصابة أسبوعياً رافقتها عوارض من بين 162 مليون أميركي تم تطعيمهم”. وبناء على دراسات دولية، كان مركز الوقاية من الأمراض رأى أولاً أن كورونا معد مثل الإنفلونزا، لكنه أصبح مشابهاً لمرض جدري الماء، شخص مصاب بمتحورة “دلتا” ينقلها إلى ثمانية آخرين في المتوسط، ولا يزال أقل من الحصبة. فيما تشير بيانات من كندا وسنغافورة واسكتلندا إلى أنها قد تكون أخطر وتسبب مزيداً من الإصابات التي تتطلب علاجاً في المستشفى أو تؤدي إلى الوفاة.

والجمعة، نبهت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة التعامل مع “دلتا” بصفتها “تحذيراً” يتطلب تكثيف الجهود للحؤول دون ظهور طفرات أكثر خطورة بعد أن تسببت بظهور موجات جديدة في دول عدة حول العالم.

وقال المسؤول عن حالات الطوارئ لدى المنظمة الدكتور مايك راين خلال مؤتمر صحافي في جنيف إن “دلتا هي بمثابة تحذير يخبرنا أن الفيروس يتطور، لكنها أيضاً بمثابة نداء للتحرك، للقيام بشيء ما قبل ظهور أشكال أكثر خطورة من المتحورات”، وعمد راين في الوقت ذاته إلى التقليل من عواقب تفشي المتحورة الجديدة من الفيروس الذي أودى منذ بدء انتشاره في آواخر عام 2019، بحياة أكثر من أربعة ملايين شخص حول العالم.

وأوضح أن “الإجراءات ذاتها التي سبق أن طبقناها ستوقف هذا الفيروس. ستوقف المتحورة دلتا، خصوصاً إذا أضفنا التطعيم” إليها، منبهاً إلى ضرورة أن “نعمل بجد لأن الفيروس بات أكثر ضراوة وأشد سرعة”.