الأردن: كيف تفكر اللجان المختصة بغطاء ملكي في الوصول إلى الهدف المعلن المتمثل في برلمان حزبي؟

يبدو السؤال الأصعب والأكثر احتياجاً للغرق في التفاصيل عندما يتعلق الأمر بالعصف الذهني الذي يسعى إلى تحقيق رؤيا ملكية في الاتجاه المشار إليه، الأمر الذي يقول ضمناً بتحقيق حلم سياسي قديم قوامه تشكيل حكومات أغلبية برلمانية.
بالنسبة لرئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، فإن تشكيل حكومات أغلبية ليس حكماً بأن يتولى نواب في البرلمان تشكيل تلك الحكومة، لكن يمكن الوصول إلى صيغة عبر البرامج الحزبية توصي بها الأغلبية البرلمانية باسم الوزارة وطاقمها لاحقاً.
ذلك حتى الآن يبقى في إطار الاجتهاد الشخصي لرئيس اللجنة، لكن المنشغلين في حفر التفاصيل يعالجون مسائل تبدو معقدة؛ لأن هدف العملية الجراحية التشريعية التي تجري الآن بغطاء من الديوان الملكي هو توفير آليات متدرجة تسمح بالتشبيك بين قانوني الأحزاب والانتخابات، وعلى أساس رؤية عميقة سياسياً تجعل كلاً منهما في حالة انسجام مع الآخر.
تلك مهمة صعبة ومعقدة، لكن التوصل للتوافقات بشأنها هي مسألة في غاية الأهمية، لأنها برأي رئيس لجنة الانتخاب الفرعية، خالد البكار، محور منطوق ومضمون الإصلاح السياسي، ولأنها برأي عضو اللجنة جميل النمري، المساحة الأساسية في الاشتباك نحو تطوير مفهوم التنمية السياسية.
ثمة عناصر في مساحة الاشتباك بين القانونين أضاء عليها الرفاعي نفسه في عدة حوارات ومجالسات حضرت بعضها “القدس العربي”.
المقصود هنا أن النص المقترح في قانون الأحزاب ينبغي أن ينسجم في التفصيل القانوني مع شقيقه المقترح لقانون الانتخاب، وتلك المهمة التي يتردد أنها تحتاج إلى خبراء تشريعيين محترفين في التفصيل والتشبيك بعد انتهاء اللجنة الأم وتفرغها من وضع وثيقة التصور الأساسية.
يبدو أن النقاشات حسمت بعض المسائل، فيما لم يحسم البعض الآخر بعدُ. ويبدو أن التحدي السياسي الأعمق عند الحفر بالتفاصيل له علاقة بضرورة إقناع المؤسسات البيروقراطية بعد عقود من الممارسات في الاتجاه المعاكس بضرورة تغيير العقيدة الموسمية في مجالي الانتخاب والأحزاب تحديداً، وتلك مسألة يفترض أن خطاب التكليف الملكي حسمها عندما التزم بتكليف الحكومة بالتعديلات المقترحة وبدون تغيير أو تأثير عليها.
لكن ما لم يحسم بعد هو مقدار المرونة التي يمكن أن تتميز بها مؤسسات القرار أثناء عملية بناء عقيدة جديدة وبديلة فكرتها الانتخابات الحرة حقاً والأحزاب التي تدعم ترخيصها وحضورها الدولة والقانون. الاستجابة هنا حتى الآن مترددة ومتشككة. ولإنجاز المطلوب، يعتقد بعض الخبراء بأن الحاجة ملحة داخل مؤسسات الدولة العميقة لتغيير قانونين مسكوت عنهما وغير مكتوبين سبق أن حكما كل المسار في الماضي، وهما حصرياً: الخوف من عقدة الإخوان المسلمين وتسليم زمام الأمور لهم بانتخابات حزبية نزيهة، على اعتبار أنهم الأكثر حضوراً وتنظيماً منذ ستة عقود.
والقانون الثاني المسكوت عنه أيضاً مرتبط بتلك القناعة الراسخة، التي تعمل اللجنة الملكية على تفكيكها الآن، بأن كلفة الإصلاح على النظام والدولة أكبر من كلفة عكسه، ومع هذه القناعة مستلزمات ديكورية طالما استخدمت بعنوان جدل الهوية والمكونات والقضية الفلسطينية ومخاوف التوطين؟
قد تكفي ضمانات بعد تحديد الاحتياجات لعملية إصلاحية متدرجة لتبديد المخاوف البيروقراطية في هذا الاتجاه، لكن أركان لجنة تحديث المنظومة السياسية مقتنعون اليوم بأن تلبية كل تلك الاحتياجات وتبديد كل المخاوف مهمة صعبة ومعقدة، والمطلوب التوصل مع البيروقراطيين الخائفين إلى صيغة متوسطة ومعقولة ضمّن الملك علناً الالتزام بها مسبقاً.
عملياً، دون تبديد مخاوف بعبع الإخوان المسلمين والقضية الفلسطينية، التقدم صعب نحو إصلاح حقيقي منتج. وعملياً في المقابل، تجاهل تلك المخاوف وتجاوزها حتى من لجنة ملكية هو أمر لن ينطوي على حكمة، وقد ينتهي بسليلة إشكالات يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي حوار الضمانات والاحتياجات أساسي ومفصلي، لكن الهدف بات واضحاً في اتجاه تطوير الحياة السياسية فعلاً وعلى أساس مصلحة الجميع دون أي تفريط في ثوابت الدولة الأردنية ضمن معطيات حوار تؤسسه المؤسسة الملكية ويفترض أن ينتهي بمقربات وتوافقات وطنية، وفقاً لما ألمح إليه على هامش نقاش مع “القدس العربي” رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.
لذلك، إن مثل هذه الحوارات وقبل المضي قدماً بعملية تغيير للعقيدة والبيروقراطية في مجالي الانتخابات والأحزاب، تبدو ضرورة وملحة، وإن كان التشبيك بين قانوني الأحزاب والانتخاب مهماً جداً بالمقابل، وقد بدأت ملامحه في التصورات التي حسم بعضها حتى الآن تبرز، فالاتجاه يسير نحو توفير مظلة قانونية ترعى وتغذي تشكيل تيارات حزبية قابلة للتحالف على أساس المقاعد الانتخابية.