“فيسبوك” وليز تشيني و”الجمهوري” يدفعون نحو هدم الديمقراطية في عام 2024


أحد الخبراء قال لي هذا الأسبوع: “إذا عاد “الجمهوريون” إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2024، فإننا سنواجه حتماً نوعاً من الاستبداد الانتخابي”

أندرو فاينبيرغ صحافي

اسمحوا لي، إذا خانتكم الذاكرة المتعلقة بالتطورات في الولايات المتحدة، التي أفضت إلى قرار مبدئي من جانب محركي “فيسبوك” و”إنستغرام” بمنع دونالد ترمب الرئيس الأميركي السابق الذي كان لا يزال في السلطة من استخدام حسابيه الشخصيين، اسمحوا لي بأن أنعش ذاكرتكم.

فمنذ اليوم الذي تم الإعلان فيه عن فوز منافسه جو بايدن في انتخابات عام 2020، واليوم الذي انعقد فيه الكونغرس الأميركي للمصادقة رسمياً على فوزه بأصوات المجمع الانتخابي، قدم ترمب وطاقم عشوائي من حلفائه على مدى شهرين كاملين، قرابة 70 دعوى قضائية مختلفة، لتسجيل اعتراضهم على نتائج الانتخابات، وذلك في كل ولاية تقريباً جاءت نتائجها متأرجحة. إلا أنهم خسروها كلها. حتى المدعي العام الذي كان قد سماه ترمب، أكد أنه لم يحدث أي شكل من أشكال التزوير الانتخابي “بحيث كان يمكن أن يؤدي إلى صدور نتيجة مغايرة لتلك التي خرجت بها الانتخابات”.

وعلى الرغم من كل ذلك، لم يكف ترمب عن تلفيق الأكاذيب. ومضى قدماً في تنظيم تجمعات لمؤيديه، ساق خلالها مزاعم مغايرةً للحقيقة في ما يتعلق بسلامة الانتخابات، قائلاً إنها سلبت منه بطريقة ما. وواصل تقديم وعود لمناصريه بأن في إمكانه البقاء في منصبه من خلال إطلاق سلسلة من السيناريوهات غير المتوقعة، كأن يقوم نائب الرئيس آنذاك مايك بنس بممارسة سلطته غير القائمة لرفض أصوات ناخبي الولايات المتأرجحة الممنوحة لبايدن، والسماح للجهات التشريعية التي يسيطر عليها الحزب “الجمهوري” في تلك الولايات، باعتماد أصوات ناخبين مؤيدين لترمب بدلاً منهم. 

الرئيس الأميركي السابق لم يكتفِ بذلك، ففي اليوم الذي كان سيترأس فيه نائبه بنس جلسةً مشتركةً للكونغرس لفرز تلك الأصوات الانتخابية، استدعى ترمب – كما جاء حرفياً على لسان ليز تشيني العضو في الكونغرس عن الحزب “الجمهوري” التي تمثل ولاية وايومينغ – مجموعةً من الفوضويين الذين احتشدوا وأشعلوا فتيل سلسلة من “أعمال الشغب” التي تمخضت عن رفع رايات الأعداء فوق مبنى الكابيتول، لأول مرة منذ عام 1814.

وعمد ترمب أيضاً إلى تبرير ما حصل عندما قال على حسابه على “فيسبوك”، إن أعمال الشغب التي وقعت في ذلك اليوم، والاعتداءات التي حصلت على أعضاء في الكونغرس وعلى عناصر الشرطة وصحافيين وغيرهم الأفراد المتجمعين، إنما هي نتيجة لسلسلة “الأفعال والأحداث التي تحصل عندما يخطف فوز ساحق في الانتخابات بطريقة وحشية من وطنيين عظماء تمت معاملتهم معاملةً غير عادلة لفترة طويلة”، إلا أن إدارة “فيسبوك” قامت بتعطيل حسابه لتقرر في ما بعد تعليقه بشكل دائم.

وعلى الرغم من أن المجلس الذي يشرف على شركة التواصل الاجتماعي، اعتبر الأسبوع الماضي أن قرار تعليق حساب ترمب كان قراراً سليماً، فقد أوصى المجلس “فيسبوك” أيضاً بوضع قواعد أكثر وضوحاً تحدد الحالات التي يتعين فيها معاقبة المستخدمين بسبب انتهاكهم القواعد الموضوعة. وأضاف أنه يتوجب على منصة التواصل الاجتماعي اتخاذ قرار نهائي في شأن ما إذا كان الرئيس الأميركي السابق يمكنه أن يعود إلى استخدام حسابه في غضون ستة أشهر.

اللافت أن القرار صدر في اليوم نفسه الذي أوضح فيه قادة الحزب “الجمهوري” في مجلس النواب الأميركي أنهم سيقومون بإزاحة النائبة “الجمهورية” في مجلس النواب الأميركي ليز تشيني، التي لطالما كان لديها سجل محافظ في أعمال التصويت في الكونغرس، هو الأعلى، لكنها ظلت مع ذلك موضع غضب ترمب بسبب إصرارها على القول إن بايدن فاز في الانتخابات وإن ترمب قد حرض على التمرد وعلى السلوك غير المشروع الذي حصل. وكانت ردة الفعل على كلا الحدثين مماثلةً من جانب زعيم “الجمهوريين” في مجلس النواب كيفين ماكارثي – الذي قال يوم الاثنين لشبكة “فوكس نيوز” إنه “سئم” رفض تشيني تقبل ترمب كواقع بديل – وقطع تعهداً على “تويتر” بأنه “في حال تحقيق أغلبية “جمهورية” في مجلس النواب، فإن تلك الأكثرية ستعمل على لجم القوة الهائلة التي تمارسها شركات التكنولوجيا الضخمة على محتوى خطابنا”.

لكن على الرغم من انتزاع الرئاسة من دونالد ترمب، فإنه يظل القوة المحركة الوحيدة في الحزب “الجمهوري”، كما أن الضغط الذي مارسه قادة الحزب “الجمهوري” في مجلس النواب الأميركي لإبعاد ليز تشيني، أتى بإيعاز منه كما يقول أشخاص مطلعون على النقاشات الداخلية للحزب.

ويرى أحد الممثلين السابقين للحزب “الجمهوري” دنفر ريغلمان، أن مواصلة الاحتضان السابق من الحزب لترمب – ولأكاذيبه – لا تبشر بالخير بالنسبة إلى الديمقراطية في الولايات المتحدة.

ريغلمان الذي كان عضواً سابقاً في الكونغرس عن ولاية فيرجينيا والذي أطيح في مؤتمر حزبي بعد أن ترأس حفل زفاف مثلي، لاحظ أن المنطلق “الجمهوري” هذه الأيام يستند فيما يبدو إلى ركيزتين رئيستين: استخدام السلطة الحكومية لحمل ما تعرف بالمنصات الاجتماعية التابعة لشركات “التكنولوجيا الضخمة” على تناقل الخطابات الأشد إيذاء عندما يقوم بإلقائها أفراد يعرفون نفسهم بأنهم من المحافظين، واستخدام ما يطلق عليه القوانين المراعية لـ”نزاهة الانتخابات” التي من المفترض أن تعمل على قلب الموازين ضد “الديمقراطيين” إلى الأبد.

ويضيف ريغلمان قائلاً إن “مصطلح (نزاهة الانتخابات) يستخدم غطاءً لانتخابات تم سلبها – من الطرف الآخر. إن (ترمب) هو الذي يسيطر على الحزب في الوقت الراهن، ويتعين تالياً استخدام المصطلح كغطاء للسيطرة على الأوضاع في كل ولاية، من هنا توجد ميزة تصب في مصلحة الحزب (الجمهوري)”.

وما يدل أيضاً على الهوس السابق للحزب بـ”عملاق التكنولوجيا”، التصريحات الصادرة عن شخصيات بارزة في الحزب “الجمهوري”، كالمرشح المحتمل لمجلس الشيوخ في أوهايو، ج. د. فانس، الذي أشار إلى أن “الجمهوريين” الذين من المفترض أن يركزوا على مسائل كبرى مثل المحافظة المالية والأسواق الحرة، نجدهم يسعون إلى السيطرة على عمالقة التكنولوجيا، بحيث يسمحون بما ترى الحكومة أنه مقبول لأن يمر عبر هذه الغربلة”.

“إن ما تقلقني هي الأكاذيب ومحاولات التضليل والدعاية، التي تدفع بـ”الجمهوريين” إلى السعي نحو مزيد من السيطرة، من أجل الحصول على مزايا فريدة في كل دورة انتخابية. أعتقد أن هذا الأمر خطير للغاية”.

أما جيسون ستانلي أستاذ الفلسفة في “جامعة ييل” ومؤلف كتاب “كيف تعمل الفاشية: سياسة “نحن وهم” How Fascism Works: The Politics of Us and Them، فرأى أن إطاحة “جمهوريين” مثل ليز تشيني الوشيكة من قيادة الحزب، والمضي في تبني ما تسمى مقترحات “نزاهة الانتخابات”، تظهران أن الحزب “الجمهوري” قد تخلى عن أي التزام بالديمقراطية”.

“إن ما نشهده هو أشبه بانتزاع للسلطة واستيلاء من جانب القوى المناهضة للديمقراطية على الحزب “الجمهوري” – فإننا نرى في ولاية تلو الأخرى، تلك القوانين التي يتم تمريرها… والتي يتم سنها بشكل واضح بقصد تحويل الولايات الأميركية الفردية إلى أنظمة استبدادية، على شاكلة دول الحزب الواحد كما في المجر أو بولندا. سنجد أن بعض الولايات التي – على الرغم من أن غالبية الناس فيها تقترع لمصلحة “الديمقراطيين” – فلن تكون لحزب”الديمقراطيين” فرصة لتولي المجالس التشريعية فيها. وإذا ما اختار الناخبون حاكماً “ديمقراطياً”، فسيكررون ما قاموا به مع غريتشن ويتمير (محامية وسياسية تتولى منصب حاكمة ولاية ميتشيغان منذ عام 2019) التي جردوها من سلطاتها”.

وأكد البروفسور ستانلي أنه يتفق مع قرار المجلس الإداري لمحرك “فيسبوك” الذي يطالب الشركة بوضع قواعد وعقوبات محددة تكون أكثر وضوحاً، بدلاً من تعليق حساب ترمب إلى أجل غير مسمى، لكنه حذر في المقابل من أن أي إطار نظامي تتوصل إليه الشركة استجابةً لتوجيهات مجلس إدارتها، يجب أن يتضمن “إطاراً عاماً يضمن سلامة الديمقراطية وعدم تعرضها للانتهاك بسهولة”. واعتبر أن “أي إطار من هذا القبيل سيؤدي إلى حظر دائم لترمب”.

لكن دونالد ترمب وحلفاءه في الحزب “الجمهوري” يعولون على “فيسبوك” في استعادة إطار العمل الذي كان قائماً على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، الذي كان يتيح بشكل روتيني لكل من ترمب وغيره من المحافظين البارزين الآخرين فرصة ارتكاب انتهاكات، وذلك تجنباً لأي اتهامات لـ”فيسبوك” بأنها تقوم بـ”فرض حظر أو رقابة” عليهم.

وترى البروفسورة في “جامعة نيويورك” روث بن غيات، أن احتمال إلغاء الحظر المفروض على حساب ترمب يظهر أن شركة “فيسبوك” ما زالت لا تعي الضرر الذي سمحت له بإحداثه. وقالت: “إما أنهم لا يرون الحقائق كما هي ويتخذون قرارات متسرعة تضر بالديمقراطية، أو أنهم يقومون بما كانوا يقومون به من قبل… لكونهم شركاء في جعل الديمقراطية تتآكل”.

البروفسورة بن غيات التي ألفت كتاب “رجال أقوياء: منذ موسوليني إلى اليوم Strongmen: Mussolini to the Present، اعتبرت أن منح دونالد ترمب فرصةً أخرى، سيكون أشبه بتقوية ساعد الرئيس السابق، وإطلاق العنان لحزبه المتحول أكثر فأكثر نحو الاستبداد.

ونبهت إلى أن “قراراً من هذا النوع سيكون خطيراً نظراً إلى أهمية موقع “فيسبوك” بالنسبة إلى الحملة الأبدية لترمب، لأن هذا الرجل لم يتوقف أبداً عن حملاته الانتخابية، تماماً مثل (سيلفيو) برلسكوني (رئيس الوزراء السابق) في إيطاليا، وإذا لم يكن موجوداً على منصتي “فيسبوك” أو “تويتر”، على طريقة ديمقراطيتنا الإعلامية الآن، سيكون من الصعب عليه أن يطرح نفسه مرشحاً يصلح لخوض انتخابات عام 2024. وأضافت أنه إذا أزالت “فيسبوك” الحظر عنه، فإن الشرعية التي تمنحه إياها، ستساعده في إحكام قبضته أكثر فأكثر على الحزب “الجمهوري”.

وفي هذه الحال، تحذر البروفسورة روث بن غيات، من أن العائق الوحيد الذي يمكن أن يحول بين معظم الأميركيين والهاوية الاستبدادية، سيكون حفنة من المدعين العامين على مستوى الولاية، في كل من نيويورك وجورجيا.

وختمت بالتنبيه إلى أنه “إذا عاد “الجمهوريون” إلى البيت الأبيض في عام 2024، فليس لديّ أدنى شك في أننا سنعيش في ظل نوع من الاستبداد الانتخابي الفردي. ولم يكن لدينا أبداً المزيد من الأمثلة عن أهمية سيادة القانون، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه أدوار المدعين العامين… إن ما يحدث لدونالد ترمب الآن في نيويورك وفي قضايا أخرى سيكون عاملاً حاسماً في شأن ما إذا كان سيتمكن من مواصلة مسيرته السياسية”.

© The Independent