اعرف نفسك من أحلامك!

 

غادة السمان

بعيداً عن همومنا اليومية العربية، لم أستطع مقاومة غواية هذا الكتاب بالفرنسية، وعنوانه الفرعي «المزايا العلاجية لتفسير الأحلام» من تأليف الطبيب النفساني الفرنسي ترسيتان فريديريك موار ـ منشورات ماري كلير ـ باريس.

الحلم هو وحده الحرية المطلقة

اعتقدت دائماً أن أجمل ما في القدرة على الحلم هو أنه الحرية المطلقة. يستطيع الديكتاتور أن يحكم على الثوار بالسجن المؤبد، لكنه لا يستطيع الحكم على أحلامهم بالإعدام. تستطيع الزوجة (الغيورة) منع زوجها من المبالغة في اللطف مع الجارات الجميلات مثلاً، لكنها لا تستطيع منعه من لقائهن في الأحلام. والحلم هو السر الوحيد المصون وهو الحرية المطلقة.. وبعض البرامج الإذاعية تم تكريسها لتفسير الأحلام، وتتلقى أحلام المستمع ويأتي من يحاول تفسيرها. وفي نظري، لا يستطيع أحد تفسير أحلام الآخر حقاً، لأن الحلم مسكون بالرموز التي تتعلق بالشخص ذاته وحده. البومة مثلاً إذا حلم بها البعض تشاءم، وإذا حلمت بها اعتبرت حلمي جميلاً؛ فأنا أحب طائر البوم.. والحلم وشاية بأعماقنا!

كانوا يصبرون على أحلامي!

لسبب ما، كنت وأنا دون العاشرة من عمري، مثلاً، أرى الكثير من الأحلام، وربما لأتخلص منها كنت في حاجة إلى أن أرويها إلى شخص ما.. إلى جدتي حين تنجز صلاة الصبح أو أبي أو أخي، وبعد زواجي صرت أرويها لزوجي..

نصيحة الشاعر أدونيس اللامنسية

ومرة كنت برفقة زوجي في جلسة مع الصديق الشاعر أدونيس في حانة «ديو ولينغتون» في بيروت ما قبل الحرب، وكنا نتسامر حين قلت لأدونيس إنني أحلم كثيراً وزوجي وحده يتحمل أن أرويها له بكثير من الصبر. قال لي أدونيس: لا تروي أحلامك لأحد، سجليها على دفتر خاص، اكتبيها. وأحببت النصيحة وصرت أسجل أحلامي على دفتر ومازلت.

حلم الطيران من زمان

حين صرت أسجل أحلامي، لاحظت أن بعضها يتكرر باستمرار على نحو ما.. وحين كنت طالبة في «الجامعة الأمريكية» في بيروت، كان حلمي الذي يتكرر هو الطيران.. كنت أحلم أنني أطير كأي عصفور فوق كورنيش المنارة والبحر ثم أستيقظ منتعشة كأنني طرت حقاً..
بل إن بعض أحلامي يوحي لي أحياناً بأحداث بعض رواياتي أو بخاتمة لها، كما في روايتي: «يا دمشق وداعاً»؟

ليس بين القراء من لا يحلم!

أعتقد أن كل من يقرأ هذه السطور عاقَر الأحلام، سواء تذكرها (أو بعضها) حين يستيقظ أو لم يفعل. والطبيب الفرنسي «ترسيتان فريديريك موار» مؤلف الكتاب، يقدم بعض النصائح لكي لا ينسى المرء أحلامه، ومنها أن يروي المرء حلمه لشخص آخر، ولا يبدو المؤلف مهتماً بالإزعاج الذي نسببه للبعض حين نروي لهم أحلامنا. وأعتقد أن نصيحة الشاعر أدونيس العفوية لي بتدوين الأحلام هي الأمر المثالي، ومؤلف الكتاب يذكرنا بأننا لا نحلم بالرتيلاء أو الأخطبوط لأننا شاهدناه قبل النوم، بل لأنه رمز لمعنى ما.. أي أن للأحلام مفردات رمزية لا واقعية بالضرورة.

أحلام العقل الباطن الغامضة

ثمة أحلام لا يستطيع حتى صاحبها أن يفهم مبعثها.
وهنا يتدخل الطبيب النفساني كمؤلف الكتاب، ليعرفنا على أنفسنا على نحو أفضل..
في المقابل، ثمة أحلام تدهشنا برمزيتها ونستطيع تفسيرها.. منها مثلاً أحلامي بعد رحيل زوجي في المستشفى أبيض الجدران، إذ صرت أرى حلماً يتكرر وهو أن زوجي نائم في البيت لا أعرفه، وأذهب لإيقاظه وأدخل إلى ذلك البيت فأجد الغرف البيضاء كلها فارغة، وفي كل غرفة سرير لا يحتله أحد.. وأذهب إلى مبنى مجاور أبيض اللون كالبيت السابق، لكنه أكثر أتساعاً، وأفتح أبواب الغرف وأجد الأسرة فارغة ولا أجد زوجي، ثم يصير حلمي محزناً؛ إذ أجد دهليزاً طويلاً في ذلك البيت الحلم، وكلما فتحت باباً وجدت خلفه باباً آخر فآخر، وأخيراً أجد جداراً خلف تلك الأبواب كلها.. وتفسير الحلم واضح: إنني أعي فيه استحالة الالتقاء مع أحباء رحلوا.

الشوارع التي تصير فجأة خاوية!

يكتب الطبيب النفساني (ترسيتان فريديريك موار) مؤلف الكتاب، الذي انطلقت منه في حديثي عن الأحلام محاولاً تفسير سبب مشاهدتك في الحلم لشخص لم تره منذ أعوام طويلة، مذكراً بأن الحلم رمزي يعري حقيقتك الداخلية.. وربما لذلك أنفر من البرامج الإذاعية التي يدعي فيها أحدهم أنه يفسر أحلامك..
حين كان زوجي (الراحل منذ 13 سنة) في المستشفى في حالة خطرة، حلمت مرات بأنني أغادر بيتاً من المفترض أنه بيتنا، للمشي والتسكع والشارع مزدحم بالناس، وشيئاً فشيئاً يصير الشارع خاوياً وأبقى وحدي في الطريق، وأضيّع طريق العودة إلى بيتي وزوجي، وأمشي في شوارع خاوية.. ولا أعتقد أن هذا الحلم بحاجة إلى طبيب نفساني لتفسيره، بل العكس هو الصحيح، وأتفق مع مؤلف الكتاب الذي أحدثكم عنه أن الأحلام هي المفتاح لمعرفة المرض النفساني والعلاج.
لكن، هل الحزن على فراق زوج بعد أربعة عقود من الحياة المشتركة في حاجة إلى العلاج بالعقاقير أم إلى إطلاق سراح الأحزان في صورة حلم، فقد يكون الحلم من بعض العلاج الداخلي السري للإنسان.

حلمك ارم به للنسيان… كالكوابيس!

أعرف أنني أيقظت في معظم قراء هذه السطور نزوة استعادة تأمل أحلامهم رغم قسوة الحياة أو بسبب ذلك، ولكن الخالق وهبنا الحلم ربما كقدرة على الحرية المطلقة.. إذ ما من محكمة رجعية أو ثورية تستطيع أن تفرض عليك وعليّ الحلم الذي سنراه الليلة.. ألم أقل لكم إن الحلم هو الحرية المطلقة، وذلك رائع.
أما عن كوابيسي، فأتركها لوقفة أخرى معكم، فكلنا يرى الكوابيس أيضاً! وسأبدأ بكابوس أراه باستمرار، وهو عن «ليلتي الأولى في قبري»!