نور الدويري تكتب
قبل سنة ونصف تقريبا خلال تقديمي لبرنامج جدليون تواصلت مع معالي ابو الليث المرحوم عقل بلتاجي لترتيب موعد للقاء وأتفقت معه على المحاور رغم أنه رفض فكرة الظهور الإعلامي في البداية وطلب مني تأجيل الفكرة موضحا قلقه من فكرة الظهور مجددا، المهم بعد شهر بالضبط أعدت التواصل معه لإقناعه بالظهور وتحديد موعد.
صدقا كمية الغضب التي كانت لديه في حينه صعبة لدرجة أنني التزمت الصمت تماما مصغية لما يقوله دون أي تعليق .
كان يعاتب بقلب حزين جدا قائلا : ( ليش ليش الإعلام هيك بستخدموا وسائل التواصل الإجتماعي كما لو كانت وسائل للتطاول الإجتماعي، بشو غلطت لما أعامل سيدة محترمة حسب تقاليدها والإتيكيت المعروف لديهم ) قاصدا حادثة السفيرة الفرنسية.
وتابع : (ستي عمري ما قصرت اشتغلت زي زي هالناس وكنت امين على كل عهدة اوكلت الي … ذنبي اني كنت للناس أقرب … حاولت أقعد معهم وأفهمهم … والنتيجة جلدوني يا ستي لازم التزمت بالبدلة والطلة العامة الكلاسيكية عشان يفكوا عني…) .بصراحة لم أجد له جوابا شافي وتركته ينفس عن غضبه ويخرج ما بصدره ليهدأ، ثم أعتذر مني وقال: ( نحن نعيش مأساة في طرق التواصل وإحترام الآخرين نحلل ما نراه يناسب مزاجنا لا الحقيقة …) وأكد انه لن يخرج للإعلام قريبا وأعتذر جدا أنه صب غضبه علي وأعتذر مجددا عن الظهور في المقابلة ..
ابتسمت وتقبلت عذره وقلت له : ( وأنت كمان سامحني بالنيابة عن الإعلام المحترم لانو الأصل أن لا نجرد الشخوص العامة من الإحترام وأن يبقى النقد في السلوك الوظيفي فقط … يعطيك العافية معاليك واعذرني على إزعاجك). اليوم معاليه بين يدي الله تعالى … رجل خدم الوطن وقدم ما عليه …ليس ذنبه انه في وطن ينتقد حملة الشهادات العليا كما ينتقد من لا يحملون الشهادات .. ينتقدون الحراث كما ينتقدون خريج اوروبا تماما … الخبرة لم تعد تعني للكثيرين …محاولات العمل بجد لم تعد سببا كافيا لقول كلمة شكرا … الجلد والنقد صار عملة متداولة والدعم والإحترام صار فنا صعبا .
أتفقنا أم أختلفنا يبقى معالي المرحوم عقل بلتاجي قامة وطنية حاولت أن تخرج عن المألوف بطبع بسيط، متكتك، عفوي … فلامس قلوب البعض بدفء تصرفاته وأبتسامته الواسعة… ولامس قلوب بعض الناقدين التي لا تتقبل أصلا ولا أي نوع من التغير .فلو خرج عمدة لندن يرتدي زي عامل الوطن لشكروه لكن عمدة عمان تعرض للتنمر !!! قضى عمدة عمان الأسبق رحمه الله عمره يحاول أن يقنع الإعلام أن المهمة العامة عبارة عن وظيفة للتواصل الطيب مقيدة بصلاحيات معينة منوطة به وسط ظروف ومتطلبات ومعايير محددة .الله يرحمه كان رجلا ودودا، طيبا، عفويا، بسيطا … حاول أن يشكل فرقا … أخيرا أتمنى أن نعيد التفكير في نقد الشخصيات العامة ونكتفي بربط النقد بأداء الوظيفة نفسها فقط … فكلنا نحاول في هذه الحياة أن نمر فيها بطريقتنا الخاصة، كلنا لم تخدمنا الظروف كما نريد في زاوية ما لكن بعضنا لا يستسلم ويحاول أن يصنع فرقا بطريقته، وبعضنا يستسلم ويمر مرور الكرام … اتركونا نعيش بسلام، فنحن لا نعيش في حياة مثالية ولا نحن مثاليون لكننا كلنا نحاول أن نكون مثالين بطريقتنا الخاصة . الله يرحمك يا ابو الليث، وإن لله وان إليه راجعون… في مثل هذه الظروف نتفق ام نختلف اتركوا الخلق للخالق واكتفوا بطلب الرحمة للاحياء منا والأموات . …