إن كان العالم جاداً في استراحة محارب فلا بد من إطفاء حريق الشرق الأوسط
أحمد الفيتوري كاتب
الفلسطينيون يعلنون مرة أخرى توافقهم على إجراء انتخابات، بينما الليبيون يتوافقون على إعلان أسماء لمجلس رئاسي من أربعة أشخاص، منهم رئيس وزراء، لتكوين حكومة وطنية موحدة. وفي الخليج العربي، جرى التوافق مع دولة قطر وقلب صفحة من الخلافات. وهناك مفاوضات جارية، منها المعلن ومنها الخفي، لفك الارتباط في أزمة شرق المتوسط. طبعاً جرت مفاوضات حول أفغانستان بين أميركا وطالبان، حتى أعلن توصل الطرفين إلى فك الاشتباك في الحرب الأفغانية التي لا تنتهي.
كل المقاربات تقريباً في هذه اللحظة بالشرق الأوسط تتخذ سمة الوفاق، حتى المسائل العويصة منها تذهب في هذا الاتجاه، وهذا مؤشر في هذه الساعة إلى أن مسائل الشرق الأوسط تخرج من بوتقة الحرب إلى حرب السلام.
لكن، الناظر إلى الوراء يرى أن عقب الحرب الكبرى الثانية عششت الحرب في الشرق الأوسط ومحيطه، إذ لا تنطفئ حرب صغيرة حتى تشتعل أخرى كبيرة أو صغيرة، فإذا كانت الحرب الكبرى الثانية توقفت في 1946، وفي الشمال الأفريقي بمعركة العلمين، فقد بدأت حرب فلسطين 1948، التي لم تنته بعد، كما الحرب الأفغانية، التي بدأت عقب قيام الثورة الإيرانية 1979، ولم تنته أيضاً.
المعضلة ليست الحرب فحسب، لكنها حرب متسلسلة، فهي بمعنى ما نتاج الحرب الكبرى الثانية، تلك الحرب التي يحتفل الغرب والشرق بالذكرى الخامسة والسبعين لتوقفها، فيما مثلاً الحرب الأفغانية تتفاقم وتتجاوز الأربعين حولاً.
ومن جهة أخرى، فإن الحرب الساخنة إذا جرى نوع من الوفاق تتحول إلى حرب باردة، فحرب فلسطين يمكن التأكيد أنها منذ 1973 اتخذت مسار الحرب الباردة. التي تصنع الحروب الساخنة وتسهم في تدهور الوضع الأمني في محيطها، كما هو جار في لبنان منذ 1975 الذي يتقلب على سطح صفيح ساخن، حيث يسخن، مؤخراً، في فرن غزة “دولة السنة”، وفي الشطر اللبناني “دولة الشيعة”، وما بينهما الأخت الكبرى “دولة اليهود”.
هذه الأزمة الكبرى، أن الشرق الأوسط مصاب بداء عضال، فقد بات الوريث غير الشرعي منذ 1946 للحروب الأوروبية، التي تعد القوى العظمى، لوسط الأرض وخصر الأوسط. وهكذا الشرق الأوسط مركز الكرة وعالمها القديم، بات كما ملعب للحروب، الحروب بالوكالة أو بما يشبهها، أو أرض تجارب للمستجد، مثلما الحرب السيبرانية الناشئة. وهذا نتاج الجغرافيا ما أعتقد أن السرعة كما اللاسلكي تتخطاها، فما بالك بالسيبرانية، التي أكدت أن الحديقة الخلفية لأوروبا ما زالت كذلك، وأن العالم القديم ما زال قديماً يغوص في أسطورته.
إذا ما قفزنا عن المعضلات البنيوية، فإننا سنجد على طاولة اللحظة الآنية دعوات لاستقرار المنطقة، ما قلبها الجغرافي العربي مضطرب، فمتوتر خلال هذه الألفية أكثر من أي مجال آخر، وما يُسهم في ذلك اضطراب جواره، كأفغانستان والصومال بؤرة بركان العالم، رغم ضآلة حجمهما عظم أمرهما.
وليس ممكناً البتة استقرار مجال وما حوله غير مستقر، ولعل استذكار الحال خلال المرحلة الماضية القريبة يبين أن ما جرى في بؤرة البركان كان مغذياً لتصعيد عدم تفاقم الأوضاع المتفاقمة. وكل محاولة جادة لا بد أن تعمل على إطفاء نيران الجيران قبل وبعد. ومن هذا توسعت الحروب الصغيرة، كحروب أهلية لم تهدد البلاد المندلعة فيها فحسب، فالحرب الأهلية السورية كانت من خوارزميات غزوة الكابيتول، كما كانت قاعدة غزوة نيويورك الحرب الأفغانية، فالعالم الواسع خرم إبرة، وإن زاد ثقب مفتاح باب.
الوفاق الفلسطيني ليس من الضرورة دعمه فحسب، بل لا بد مما ليس منه بد، فمن فلسطين الشرر، ومنها يمكن تحقيق حد أدنى من الاستقرار في الزمان والمكان المعنيين. وإن كان العالم جاداً في استراحة محارب فلا بد من إطفاء الحريق الأكبر حريق الشرق الأوسط. وإذا كان ذلك كذلك فالخطوة، في خريطة طريق الاستقرار، البدء من صغار الشرر، وليبيا قد تكون أسهل طريقة لخريطة طريق الاستقرار، فلم تكن حربها عالية التكاليف، ولا يكون سلمها بالحرب الصعبة، بل تكون ليبيا أساً لنجاح سهل، لكنه الخطوة في خريطة الطريق.