نشرت مجلة “بسيكلوخيا اي منتي” الإسبانية تحدثت فيه عن بعض الأسرار التي تتعلق بذاكرة الإنسان.
وقالت المجلة في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إن الكثير من الناس يعتقدون أن الذاكرة هي مساحة نستطيع بفضلها تخزين ذكرياتنا. في حين يرى أصدقاء التكنولوجيا أن الذاكرة أشبه بجهاز كمبيوتر نقوم بأرشفة ما تعلمناه من خبرات وتجارب حياتية على القرص الصلب الخاص بها، حتى نتمكن من الوصول إليها عند الحاجة.
ولكن في الحقيقة فإن هذين المفهومين خاطئان.
إذن.. كيف تعمل الذاكرة البشرية؟
في الواقع، لا يملك الإنسان أي ذكرى مخزنة في دماغه. من وجهة نظر جسدية وبيولوجية، فإن هذا الأمر مستحيل حرفيا. ما يعزّزه الدماغ في الذاكرة يُسمّى “أنماط عمل” أي الطريقة التي يتم بها تنشيط مجموعات معينة من الخلايا العصبية في كل مرة نتعلم فيها شيئا جديدا. باختصار، يقع تحويل كل المعلومات التي تدخل الدماغ إلى محفز كهربائي كيميائي.
علم أعصاب الذكريات
ما يخزنه الدماغ هو التردد والسعة وتسلسل معين للدوائر العصبية المشاركة في عمليّة التعلم. لا يقع تخزين فعل معيّن، ولكن الطريقة التي يعمل بها النظام عند مواجهة هذا الفعل المحدد. أيضا، حين نتذكر أمرا ما بوعي أو دون قصد القيام بذلك، تتبادر صورة إلى الذهن، ما يفعله دماغنا هو إعادة صياغة نمط العمل المحدد مرة أخرى. لهذه المسألة تداعيات خطيرة ولعل الأهم هو أن ذاكرتنا تخدعنا. نحن لا نسترجع الذكرى كما كانت مخزنة لكننا نعيدها في كل مرة نحتاج إليها من خلال إعادة تنشيط أنماط العمل المناسبة.
“عيوب أو أوجه قصور” الذاكرة
المشكلة هي أن آلية الاستحضار هذه تحدث بشكل شامل. يمكن أن يؤدي تشغيل النظام إلى إخفاء الذكريات الأخرى، التي تسربت والتي تنتمي إلى وقت أو مكان آخر.
العلم والتداخل
في هذا الصدد، نسلط الضوء على تجربة تُظهر مدى تعرضنا للتداخل في الذاكرة، وكيف يمكن دفعنا بمهارة إلى تذكر شيء ما بطريقة خاطئة أو لم يحدث أبدا من قبل. وقع عرض مقطع فيديو على مجموعة من الأشخاص يصور حادثا مروريا وتحديدا تصادما بين مركبتين.
بعد ذلك، وقع تقسيم المجموعة إلى فريقين صغيرين سُئل أفرادهما بشكل منفصل عما شاهدوه. طُلب من أعضاء المجموعة الأولى تقدير مدى السرعة التي كانت تسير بها السيارتين عند “الاصطدام”. كما طُلب من أعضاء المجموعة الثانية نفس الشيء ولكن مع اختلاف بسيط على ما يبدو، فقد سُئلوا عن مدى سرعة السيارتين عندما “اصطدمت” السيارة الأولى بالثانية.
احتسب أعضاء المجموعة الثانية، في المتوسط، معدلات سرعة أعلى بكثير من تلك الخاصة بالمجموعة الأولى حين “اصطدمت” السيارات ببساطة.
في وقت لاحق، تم جمعهم مرة أخرى في المختبر وسُئلوا عن تفاصيل الحادث في الفيديو. أكد أعضاء هذه المجموعة أنهم رأوا زجاج الزجاج الأمامي محطما ومتناثرا على الرصيف علما وأنه في الفيديو المعني لم يُكسر أي زجاج أمامي.
نحن بالكاد نتذكر
عادة ما نعتقد أنه يمكننا تذكر الماضي بدقة لكننا في الحقيقة لا نستطيع ذلك. يُجبر الدماغ على إعادة بناء الذكرى، في كل مرة نقرر استعادتها؛ يجب أن يتم تجميعها كما لو كانت أحجية الصور المقطعة أو البيزل والتي لا تحتوي على جميع القطع، نظرا لأن الكثير من المعلومات غير متاحة لأنه لم يتم تخزينها أو تصفيتها من قبل أنظمة الرعاية.
حين نتذكر حلقة معينة من حياتنا مثل يوم التخرج من الجامعة أو يوم الحصول على أول وظيفة في حياتنا المهنية، فإن استعادة الذكرى لا تحدث بطريقة سليمة كما هو الحال عندما مثلا نفتح ملف نصي في جهاز الكمبيوتر الخاص بنا.
ولكن ينبغي على الدماغ بذل جهد نشط لتتبع المعلومات المبعثرة، ثم تجميع كل تلك العناصر المتنوعة والمجزأة لتقديم نسخة متماسكة ومقبولة قدر الإمكان لما حدث.
الدماغ مسؤول عن “سد” فجوات الذاكرة
تمتلئ الحفر والمساحات الفارغة في الدماغ بقصاصات من الذكريات الأخرى والتخمينات الشخصية والمعتقدات الوفيرة الراسخة مسبقا بهدف الحصول على وحدة متماسكة إلى حد ما تلبي توقعاتنا. ويحدث هذا الأمر لثلاثة أسباب، فعندما نعيش حدثا معينا، فإن ما يخزنه الدماغ يسمى نمط العمل. في هذه العملية، لا يتم تخزين الكثير من المعلومات الأصلية أبدا في الذاكرة وحتى إذا حدث ذلك فلن يتم دمجها في الذاكرة بشكل فعال.
أيضا هناك مشكلة الذكريات الكاذبة وغير المترابطة التي تختلط بالذاكرة الحقيقية.
تحدث هذه الظاهرة لأن الدماغ يتلقى باستمرار معلومات جديدة، مما يعزز التعلم، والذي غالبا ما يلجأ إلى نفس الدوائر العصبية التي يتم استخدامها لتعلم أشياء أخرى، والتي يمكن أن تسبب بعض التداخل.
شافية محمدي