هل تجاوز لبنان أزمة الدعم والانفجار الاجتماعي؟


سد “الفجوة” في ميزان المدفوعات لإطالة أمد الدعم يرتكز على التحويلات الأممية للنازحين السوريين وقرض بقيمة 246 مليون دولار

طوني بولس


تتجه الأوضاع في لبنان إلى مزيد التأزم، خاصة مع توجّه السلطات إلى مراجعة سياسة الدعم المخصّصة للمواد الاستهلاكية والمحروقات والدواء، على وقع تفاقم الأزمة الاقتصادية واستمرار الانهيار المالي والاجتماعي. وكان حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أعلن نهاية العام الماضي أن “دعم بعض المواد الأساسية لا يمكن أن يستمر بعد الشهرين المقبلين أي فبراير (شباط) الحالي”، بسبب نفاذ احتياطات الأموال الأجنبية والاقتراب من الاحتياطي الإلزامي الذي يشكل 15 بالمئة من أموال المودعين أي 17.5 مليار دولار، والذي لا يستطيع المركزي استخدامه لتغطية نفقات الاستيراد أو الدعم بموجب قانون النقد والتسليف.

إلا أن توقف الدعم الذي كان متوقعاً خلال الشهر الجاري والذي تخوف اللبنانيون أن يترك خلفه كارثة اجتماعية هائلة وسبق أن حذرت منظمة العمل الدولية ومنظمة “اليونيسف” من نتائجه على الفقراء والمحتاجين، بددته مرحلياً ما سمي بـ “ترشيد الدعم” والذي يخفض معدل الدعم السنوي من 6.5 مليار دولار إلى ما يقارب 4 مليار بعد اعتماد سلسلة إجراءات منها تخفيف أصناف السلة الغذائية من 130 صنفاً إلى حوالى 40 واعتماد سعر صرف المنصة 3900 ليرة مقابل الدولار لبعض السلع.

ووفق معلومات مصدرها البنك المركزي فإن سد “الفجوة” في ميزان المدفوعات لإطالة أمد الدعم على السلع يرتكز على صرف التحويلات الأممية للنازحين السوريين في لبنان بالليرة اللبنانية والاحتفاظ بالعملات الأجنبية المقدرة بحوالى مليار دولار سنوياً في احتياطات البنك المركزي، كما وأنه تم التوصل لاتفاق بين البنك الدولي ولبنان على قرض بقيمة 246 مليون دولار سيحصل عليه خلال شهر مايو (أيار) المقبل، وسيتم صرفه للمستفيدين على سعر 6240 ليرة مقابل الدولار ما يعزز احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف، إلى جانب موافقة البنك الدولي في وقت سابق على تمويل برنامج اللقاحات لمواجهة فيروس كورونا ما يخفف من استنزاف عملاته الأجنبية. 

وتشير المعلومات إلى أن ضخ هذه الأموال في الاقتصاد اللبناني عبر مصرف لبنان، ستمدد أجل استمرار الدعم “الرشيد” لحوالى ستة أشهر إضافية، وقد تكون فرصة حاسمة أمام السلطة السياسية لإجراء إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم المساعدات.

تمويل الأحزاب

إلا أن الاختبار الذي يمر به لبنان يعتبر شاقاً لا سيما لناحية تذليل العقبات الأخيرة أمام الحصول على قرض البنك الدولي، حيث كشف المستشار السابق لرئيس الجمهورية الإعلامي جان عزيز، عن فضيحة كبرى تطال هذا القرض لناحية الآلية المعتمدة لتوزيعها، حيث أشار إلى أن إحصاء الدولة اللبنانية للعائلات الأكثر فقراً والتي يحق لها الاستفادة من هذا القرض لا تتجاوز الـ 50 ألف عائلة، في حين أن القرض سيشمل 150 ألف عائلة ما يطرح أسئلة كبيرة حول المعايير التي سيتم على أساسها دعم 100 ألف عائلة إضافية.

وأوضح أن بداية المفاوضات بين لبنان والبنك الدولي توصلت إلى قرض بقيمة 500 مليون دولار لدعم العائلات الأكثر فقراً في لبنان، لكن تأخر الجانب اللبناني في الالتزام بجانب كبير من البنود دفع البنك الدولي لتحويل نصف المبلغ إلى دول أخرى قبل أن يتم الاتفاق على مبلغ الـ 246 مليون دولار.

وكشف عزيز أن سبب التأخر حينها في توقيع العقد مع البنك الدولي يعود إلى الصراعات السياسية حول الجهة التي ستتسلم آلية وضع المعايير، وقال “سعى رئيس الحكومة حسان دياب لأن تكوم تحت إشراف دوائر القصر الحكومي، في حين توصلت الأحزاب الحاكمة لوضعها تحت إدارة وزارة الشؤون الاجتماعية لاعتبار أن الوزارة تملك إحصائيات العائلات الأكثر فقراً”، مضيفاً أن الاتفاق بين القوى السياسية يعني أن مئة ألف عائلة ستكون من حصة تلك الأحزاب وبالتالي يصبح ثلثي القرض تمويلاً سياسياً لأحزاب تستخدم القرض لاستنهاض بيئتها مستغلة الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها اللبنانيون. 

ورأى أنه وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق إطار لهذا القرض، إلا أن عقبات أساسية لا تزال تواجه التوقيع النهائي على الاتفاق ولا سيما أن الاتفاقات الدولية تحتاج إلى تشريع قوانين، مضيفاً أنه في ظل استقالة الحكومة لا تستطيع تحويل مشاريع القوانين إلى المجلس النيابي لتشريعه، مستغرباً التوجه للقفز فوق الدستور من خلال استنساب توقيع المراسيم تحت شعار “الحالة الطارئة” لتمرير هكذا مشروع قانون إلى المجلس النيابي، في الوقت الذي اعترض سابقاً رئيس المجلس نبيه بري على استلام أكثر من مئة مرسوم في حكومة الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة تحت ذريعة أنها “غير مكتملة المواصفات الدستورية”، علماً أن حكومة السنيورة حينها لم تكن مستقيلة بل استقال وزراء من الطائفة الشيعية ما اعتبر فقدان لميثاقيتها الوطنية.

الفقر المدقع

في المقابل أكد مصدر في البنك الدولي، أن لبنان والبنك الدولي وقعا اتفاق قرض لبرنامج الفقر ودعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار أميركي، يسدده لبنان على مدى 13 عاماً مع فترة سماح لمدة عامين، ومقسم على 5 مكونات، وسداد أصل القرض على أقساط متساوية بتاريخ 15 مايو و15 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل سنة.

ولفت إلى أن القرض يوفر الاحتياجات الغذائية الأساسية وغير الغذائية لنحو 197 ألف عائلة، إضافة إلى خدمات اجتماعية وتربوية للبنانيين الفقراء، مؤكداً أن الجانب اللبناني تعهد توزيعه بكل شفافية وعدالة على الأسر الأكثر فقراً، وذلك من دون انتقائية ولا استنسابية، وأن البنك الدولي سيتابع مع الحكومة شفافية وعدالة التوزيع.

وحول دفع التعويضات للعائلات بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 6240 ليرة مقابل الدولار الأميركي، أعلن أن هذا الأمر مرتبط بالقوانين اللبنانية ولا يتعارض مع قوانين البنك الدولي كون المبلغ يوازي القيمة بالدولار الأميركي. مضيفاً بأن تقديرات الأمم المتحدة، أن نسبة الفقر في لبنان ارتفعت في العام 2020 إلى 55 في المئة، بعدما كانت 28 في المئة في العام 2019، فيما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع من 8 إلى 23 في المئة، وبالتالي الفارق بين سعر الصرف المعتمد وسعر السوق السوداء والذي يوازي 25 بالمئة، سيستخدم لتوسيع مروحة العائلات التي سيطالها البرنامج.

نصف الشعب فقير

من ناحيته انتقد الباحث في مركز “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، أن يتسلم المصرف المركزي القرض بالدولار ليعزز احتياطه النقدي على أن يسلّم بدوره المساعدات على أساس سعر صرف الدولار 6240 ليرة لبنانية، “بمعنى أن كل أسرة مكوّنة من 4 أشخاص تستفيد بمبلغ 600 ألف ليرة”، موضحاً أن تسليم المساعدات بالدولار من دون تدخل مصرف لبنان، سيعزز السيولة في الأسواق وبالتالي ينخفض سعر صرف السوق السوداء.

وأشار إلى أنه في العام 2011 أحصى برنامج الأسر الأكثر فقراً 43 ألف أسرة، 15 ألف أسرة تستفيد من المساعدات و28 ألف أسرة تستفيد فقط من مساعدات التسجيل في المدارس والمستشفيات الحكومية. فبعد القرض من البنك الدولي المطلوب إحصاء جديد لمليونين و200 ألف نسمة يتواجدون في بؤر أساسية في عكار والمنية والهرمل وطرابلس وحي السلم وغيرها من المناطق اللبنانية، وقال إن “وزارة الشؤون الاجتماعية أحصت 250 ألف أسرة فقيرة، في حين أن عدد هذه الأسر اليوم هو 460 ألف أسرة وكلما زاد الانهيار زادت البطالة وارتفع عدد هذه الأسر”.

تمويل التهريب

بالمقابل لفت النائب ريشار قيومجيان، إلى أن “الدولة تتوسل مساعدات وقروض وتهدر مليارات الدولارات، حيث أن حصيلة التهريب 246 مليون دولار، وهي قيمة القرض من البنك الدولي لتغطية شبكة الأمان الاجتماعي وبرنامج الفقر، 200 مليون دولار وأكثر يخسرها اللبنانيون شهرياً من ودائعهم نتيجة التهريب المدعوم إلى سوريا، لا سيما المحروقات، أوقفوا هذه الجريمة”.

وقال إن ما تقوم به الدولة هو الاستدانة من أجل تمويل مافيا التهريب، “هذه الأموال هي بالنتيجة ديون وأعباء إضافية على الاقتصاد”، معتبراً لو أن هذه القروض تستخدم لمشاريع إنتاجية تؤمن فرص عمل وتطوير للبنى التحتية لكان الأمر استثماراً ناجحاً، إنما “الاستدانة لتمويل دعم السلع فيما تلك السلع تهرب إلى سوريا وهي مفقودة في الأسواق اللبنانية فهو أمر مثير للاستغراب”.

أموال السوريين

من جانبها، أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة زيادة المساعدة النقدية الشهرية المقدمة للاجئين السورية في لبنان، تعويضاً لهم عن التضخم المفرط الحاصل في لبنان، وقالت المتحدثة باسم المفوضية ليزا أبي خالد، إن المفوضية زادت المساعدة النقدية الشهرية للاجئين السوريين من 260 ألفاً إلى 400 ألف ليرة لبنانية للأسرة الواحدة في الشهر، في حين تمت زيادة المساعدة الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي من 40 ألف ليرة إلى 100 ليرة لبنانية للفرد الواحد شهرياً.

وأكدت أن تلك الأموال تدفع للمستفيدين بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، موضحة أن الأنظمة المالية تُطبق على جميع السكان في لبنان، بما في ذلك اللاجئون الذين لم يعد بإمكانهم سحب مساعداتهم إلا بالليرة اللبنانية منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.

ولفتت إلى أنه وفقاً لعمليات التقييم التي أجرتها المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف نهاية العام 2020، فإن أكثر من 90 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، في حين بلغت هذه النسبة 55 في المئة العام الماضي.