هناك تعثر في تأسيس الدولة الوطنية والنجاح اقتصر على دول محددة أبرزها السعودية ومصر
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
كيف حال العرب بعد عقد ونيف على بدء ما سميت “ثورات الربيع العربي”؟ المشهد صار أكثر وضوحاً، سواء بالنسبة إلى صور البلدان التي شهدت الثورات أو بالنسبة إلى صور البلدان التي بقيت في منأى عنها، وحرب غزة أضافت إلى المشهد الخطر صورة متفجرة بالغة التعقيد والتأثير في الأحداث، لكن موسم الأسئلة لم ينته بعد، و”الربيع العربي” لم يكن واحداً، لا في الموجة الأولى من الثورات التي شملت تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، ولا في الموجة الثانية التي شهدها لبنان والعراق والسودان، والقوى التي حركت الثورات من الكواليس لم تكن واحدة أيضاً ولا أهدافها واحدة، بصرف النظر عن القوى الشعبية التي تحركت في الشارع رافعة شعار “خبز، حرية، كرامة”.
وما كان تحويل الثورات إلى حروب سوى لعبة أنظمة استفادت منها قوى الإسلام السياسي المتشددة والمنظمات الإرهابية، كما استفادت بعض الأنظمة عبر وضع العالم أمام خيار محدد، نحن أو “داعش” و”القاعدة” و”الإخوان”.
وليس أمراً قليل الدلالات أن تقتصر الثورات على البلدان المحكومة باسم ثورات سابقة، باستثناء تونس ولبنان، ولا أن تعم الحروب في بلدان الثورات الشعبية السلمية باستثناء لبنان وتونس والعراق، أما الأدوار والتدخلات الخارجية فإنها في كل البلدان، وأما الحصاد الأخير للثورات فإنه ليس واحداً.
ذلك أن الجيش المصري بدعم الشعب في ثورة ثانية استعاد السلطة التي تسلط عليها “الإخوان” بعد ثورة يناير وحاولوا من خلالها “أسلمة الدولة والمجتمع”، والنظام السوري صمد بدعم روسي وإيراني مع بقاء الأرض موزعة على خمسة جيوش وحكومات عدة.
ليبيا في فوضى عسكرية وسياسية وحكومتين وأكثر من جيشين، واليمن في حرب يراد لها حالياً أن تنتهي، والسودان في حرب بين الجنرالات هرباً من تسليم السلطة إلى المدنيين الذين قاموا بالثورة الشعبية السلمية وأسقطوا نظام “الإخوان” والرئيس عمر البشير ثم عادوا للخلافات.
العراق قمع “ثورة تشرين” وأكمل سلطة المحاصصة بين المكونات الطائفية والأمنية برعاية الهيمنة الإيرانية والنفوذ الأميركي، ولبنان بعد استنزاف “ثورة تشرين” على شفير الانهيار الكامل مالياً واقتصادياً واجتماعياً تحت أنظار حكومة تصريف أعمال وبرلمان معطل، وفي شغور رئاسي إلى جانبه “مقاومة إسلامية” جعلت لبنان جبهة أمامية في “محور المقاومة” بقيادة إيران.
أما تونس التي كانت رائدة “الربيع العربي” وموقع تجربة ديمقراطية مهمة بعد نجاح الثورة الشعبية من دون عنف، فإنها تشهد حالياً أفول الديمقراطية والعودة للسلطوية أو حكم الرجل الواحد.
وأخطر ما يحدث اليوم ليس فقط أفول الديمقراطية بل أيضاً تعثر الدولة الوطنية، فالبلدان العربية التي خسرت بدايات الديمقراطية بعد الاستقلال بقوة الانقلابات العسكرية تحت عنوان “العمل على تحرير فلسطين ومكافحة الفساد”، شهدت أنظمة سلطوية لم تحرر فلسطين ولا كافحت الفساد بمقدار ما زادته، وفشلت في التنمية المستدامة وتحسين نوعية التعليم، وهي اصطدمت بفشل الأحلام الوحدوية الكبيرة تحت عنوان “الدولة – الأمة”.
من دولة الأمة السورية إلى دولة الأمة العربية وصولاً إلى دولة الأمة الإسلامية، وبقي الأمل في تقوية عناصر الدولة الوطنية، لكن النجاح اقتصر على دول محددة أبرزها السعودية ومصر.
والقاعدة الثابتة هي أنه لا ثورة من دون نظرية ثورية وتنظيم ثوري وقيادة، ولا قيمة للتنظيم الثوري، ولو نجح، من دون كتلة شعبية تاريخية وراءه، وإذا كان لينين يقول إن “ما يحتاج إليه المرء لإسقاط نظام ليس منظمة ثورية بل منظمة ثوريين”، فإن منظمة الثوريين وحدها تفشل في إدارة السلطة، والبرهان هو سقوط الاتحاد السوفياتي.
هناك بالطبع وجهة نظر أخرى لدى نخب ثقافية تنظر إلى البعيد، وأبسط تعبير عنها جاء كتاب آصف بيات تحت عنوان “حياة ثورية: أيام الربيع العربي”، فالمؤلف يعترف بأن “الانتفاضات فشلت في أن تكون ثورات”، لكنه يرى أنها أنتجت “تجربة في الليبرالية مهما تكن قصيرة غيرت التصور الذاتي”، وأظهرت فاعلية النساء والشباب ومن سماهم “فقراء الطبقة الوسطى”.
رهان على الأمل؟ ربما، فنحن بحاجة إلى “تربية الأمل” على حد التعبير الذي صاغه الشاعر محمود درويش، و “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل” كما قال الطغرائي في قصيدة، فهل تكون الفصول المقبلة بعد العام الجديد فصول “تربية الأمل”؟
المقالة تعبر عن راي كاتبها
اندبندنت عربية