الأكثرية من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترمب وبشكل عام من معارضي أوباما ومشاريعه السياسية في المنطقة
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
مع تسلم الأكثرية الجديدة للكونغرس، وهي أكثرية جمهورية، يركز مراقبو السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط على احتمال أن يقوم مجلس النواب على الأقل، بإجراء تعديلات في السياسة الأميركية الخاصة بالمنطقة، ولا سيما حيال ملفاتها الكبرى، وأهمها الاتفاق النووي الإيراني، والمواجهات في اليمن والعراق وسوريا، إضافة إلى سياسات متعلقة بمواجهة الإرهاب. وبالطبع السياسات الأميركية حيال العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، ومنها إسرائيل والسعودية ومصر والإمارات وتركيا، وباقي الدول التي تعد حليفة أو شريكة لواشنطن. فلنحاول قبل بضعة أسابيع من تسلم الجمهوريين مقاليد قيادة مجلس النواب أن نستشرف إمكانات التغيير التي قد تطرأ على هذه السياسة في الكونغرس عامة، وبخاصة في مجلس النواب.
قدرة المجلس على التغيير
من المعلوم أن السياسة الخارجية الأميركية يديرها رئيس البلاد وأجهزة إدارته من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع ووكالات المساعدات الخارجية، لذا فإن أي تغيير شامل ومفصل للسياسة الخارجية سيكون بين يدي إدارة الرئيس جو بايدن. إلا أن هذه الأخيرة تحتاج إلى الميزانيات المالية من أجل تنفيذ سياساتها، وحيث إن مجلس النواب هو الذي يسيطر على الميزانيات ويقرر تمويل الأجهزة والسياسات فإن له قدرة كبيرة على التأثير في هذه الإدارة، مما يعني عملياً أن المجلس النيابي الجديد سيرى برامج تغيير السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام، وحيال السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بشكل خاص. فالسؤال إذاً، كيف يمكن للأكثرية الجديدة في مجلس النواب أن تؤثر بشكل حاسم في الإدارة لإلزامها التغيير من موقعها التنفيذي تقليدياً؟ عملياً، تجري هنالك مفاوضات بين رؤساء اللجان في مجلس النواب برئاسة زعيم الجمهوريين، وهو سيتحول إلى رئيس البرلمان، مع ممثلي الإدارة، ومن هذا النقاش يتم الاتفاق على سياسة معينة تكون نتيجة ميزان القوى بين ما تحتاج إليه الإدارة من ناحية، وماذا يوافق عليه الكونغرس من ناحية ثانية، لأنه عندما تنقسم الساحة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية بين الحزبين يبقى التفاوض هو القدرة الوحيدة للوصول إلى التغيير المطلوب. والسؤال الآخر، هل يؤدي التفاهم في بعض النقاط إلى تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ ليس بالضرورة، فالتغيير سيعكس قوة الضغط والتبدل في المصالح.
جلسات الاستماع
من أهم وسائل الضغط الأخرى التي بإمكان مجلس النواب أن يستعملها هي جلسات الاستماع (Hearing Sessions)، وهي مهمة جداً في الحياة السياسية الأميركية، وهي جلسات تنظمها اللجان من خارجية وأمن قومي واقتصاد، وغيرها. وخلال هذه الجلسات التي تذاع على وسائل الإعلام يسأل النواب الإدارة أمام الراي العام والصحافة، بينما يدافع مؤيدو الإدارة عن موقف البيت الأبيض. ويجري معظم هذه الجلسات أيضاً أمام الرأي العام، وفيها يجري طرح أفكار ووقائع، وأحياناً تطرح الملفات الدقيقة والخطرة، فإذا قبلت الإدارة تغيير السياسة يتم تخفيف جلسات الاستماع، وإذا رفضت تتكثف هذه الجلسات. من هنا، فإن هذا الضغط هو الذي يحسم الخيارات النهائية، وهذا أمر تقليدي جداً في الولايات المتحدة الأميركية. وإذا اعتبرنا أن الأكثرية الجمهورية ستتمكن من استعمال التفاوض من ناحية، وجلسات الاستماع من ناحية ثانية، قد يؤدي ذلك إلى مقايضات عبر تصويت على الميزانيات، حيث سيكون لمجلس النواب قدرة على التأثير أو تغيير السياسات تجاه الشرق الأوسط، ولكن بشكل محدود.
إسرائيل
المجلس الجديد سيعود ويعزز العلاقة الأميركية – الإسرائيلية لأن أكثرية هذا المجلس هي أيضاً محافظة، وعدد كبير من الأعضاء الذين انتخبوا هم من الطائفة البروتستانتية المؤيدة لإسرائيل لأسباب عقائدية وتاريخية، وحتى الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب، وقد رأوا النتائج في الانتخابات، هم على علم أنه لا يمكن تجاهل مطالب الحكومه الإسرائيلية، ولا سيما على الصعيد الأمني ويدعمون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. من هنا، سنرى خطاً تصاعدياً في الأشهر المقبلة لعامين لصالح تعزيز قدرات إسرائيل على صعيد التسلح وتبادل المعلومات والتنسيق المشترك لردع إيران وميليشياتها. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية المجلس الجديد سيخفف ضغط الإدارة سياسياً ودبلوماسياً على الإسرائيليين، لا سيما بوجود رئيس حكومة جديد هو بنيامين نتنياهو، مما يعني أنه سيتم إعطاء أفضلية للتسلح لوزارة الدفاع الإسرائيلية، مما يعزز قدراتها في مواجهة الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وقد يصل هذا التعزيز إلى تمكينها من تسديد ضربات ضد منشآت داخل إيران إذا حصل استهداف إيراني للأراضي الإسرائيلية نفسها، ولكن قد يكون التأثير الآخر لتحسين العلاقة مع إسرائيل هو ضغط إسرائيلي على الإدارة من أجل الاستمرار في تعزيز قدرات بعض الدول العربية ومنهم السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
السعودية والتحالف العربي
سيحاول هذا الكونغرس الجديد في عام 2023 أن يدعم علاقات أفضل بين واشنطن والرياض من ناحية، وبين الولايات المتحدة الأميركية والتحالف العربي من ناحية أكبر، وسيكون لذلك نتائج عملية على صعيد العلاقات بين أميركا والشركاء العرب، وهي علاقات قد ضعفت في العامين الماضيين منذ إدارة الرئيس باراك أوباما. لا أحد يعرف إلى أي حد سيصل هذا التغيير، ولكن بالخلاصة فالموقف الأميركي العام بسبب الأكثرية الجمهورية الجديدة وتعزيزها للعلاقات الثنائية الأميركية – الإسرائيلية سيخفف من ضغط اللوبي الإيراني على التحالف العربي، وهذا الأمر يتعلق أيضاً بقدره هذا المجلس الجديد أن يعدل السياسة الأميركية تجاه اللاعب السلبي الأكبر في المنطقة، وهو النظام الإيراني.
المجلس الجديد وإيران
ما هو معروف أن الأكثرية الجديدة هي من مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترمب، وبشكل عام من معارضي أوباما ومشاريعه السياسية في المنطقة. وأهم تلك المشاريع الاتفاق النووي الإيراني، لذا فقد تتم الدعوة لجلسات استماع للتحقيق في كامل أبعاد سياسة بايدن تجاه إيران، بدءاً بالمفاوضات والطاقم الذي يقوم بها الذي قد يستدعى إلى الكونغرس، إضافة إلى ذلك تحقيقات في أسباب عودة إدارة بايدن إلى المفاوضات ومحاولة التوقيع على الاتفاق.
وفي ظل ذلك، فالاحتجاجات العارمة داخل إيران والصدامات بين السلطة والمتظاهرين، لا سيما أن الصور والفيديوهات حول العنف ضد النساء والشباب والأقليات داخل إيران، أحدثت وقعاً كبيراً لدى الراي العام الأميركي والأوروبي أولاً عند المحافظين، ولكن حتى عند الليبراليين. هذا الواقع الجديد سيعطي الأكثرية الجمهورية، ومعها بعض الديمقراطيين مجالاً لشن حملة مضادة للاتفاق النووي الإيراني والضغط على إدارة بايدن لكي تكف عن المفاوضات. وقد يدعو بعض أعضاء الكونغرس الجديد إلى إقامة شراكة مع المعارضة الإيرانية، وقد نرى نشاطات لجان المجلس لاستقبال زعماء هذه المعارضة ومساءلة الإدارة حول عدم دعمهم. الكونغرس الجديد سيكون أكثر معارضة للاتفاق النووي وأكثر دعماً للمعارضة الإيرانية، ولكن ما هو غير معروف هو قدرته على معاكسة “السياسة الأوبامية” التي تعود إلى توقيع الاتفاق في عام 2015 والانتقال إلى مراجعة شاملة لعملية دعم المعارضة لإجراء تغيير النظام داخل إيران.
باقي الملفات
هذه الأكثرية الجديدة ستراجع سياسة واشنطن إزاء تركيا حول موقفها من الأكراد في سوريا والعراق وإقناع أنقرة بأن لا تتدخل عسكرياً في تلك المناطق. ومن ناحية أخرى، سيفعل المجلس النيابي العلاقات مع اليونان ومصر في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومن الممكن أن يقوم هذا المجلس الجديد بإعادة النظر في السياسة الأميركية تجاه ليبيا عبر مطالبته لمواجهة الميليشيات المتطرفة داخل تلك البلاد.
على صعيد لبنان فإن للمجلس الجديد مشروع يطالب بإقامة منطقة حرة تنفيذاً للقرار 1559، وسيسعى إلى دعم المجتمع المدني اللبناني والفئات المعارضة لـ”حزب الله”. على صعيد سوريا، قد يسعى المشرف الجديد إلى تعزيز دعم الحسكة وقوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى تعزيز قدرات دعم شمال العراق في مواجهة “داعش” والميليشيات الإيرانية وأي طرف إقليمي يسعى إلى إضعاف الأكراد في المنطقة.
الظروف
كل هذه المواقف عبرت عنها الأكثرية الجديدة عندما كانت في موقع الأقليه منذ 2018. إذاً، ليس هنالك أي مفاجأة في ما يتعلق بالسياسات التي ستعتمدها مبدئياً في بداية 2023، ولكن السياسات الأميركية الداخلية، وما يمكن لسياسات الكونغرس أن تتصادم حوله خلال جلسات الاستماع الصاخبة وعدد الملفات العامة الاقتصادية والسياسية والأمنية وملفات الفضائح الكبرى قد تحد من قدرة المجلس النيابي في أن يحقق كل أهدافه على صعيد السياسة الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط، مما يعني أنه على الصعيد النظري سيسعى المجلس الجديد إلى تحسين العلاقة بين واشنطن وحلفائها التاريخيين في المنطقة، ولكن خلال الحياة السياسية في 2023 ستشهد واشنطن صراعاً حاداً بين المعسكرين، وقد تؤثر في الملفات الأخرى على مناقشة الملفات الخارجية بما فيها الشرق الأوسط، ولكن ما قد يساعد مجلس النواب الجديد على إنجاز خطوات متقدمة في تغيير السياسة الأميركية هو قدرة هؤلاء الشركاء على أن يطرحوا ملفاتهم أمام الرأي العام الأميركي بشكل مباشر لإقناع الرأي العام بها وبضرورة التغيير. وقد تلعب الجاليات الشرق أوسطية، من عربية ويهودية وأقليات مسيحية، إضافة إلى المعارضة الإيرانية والقوى الليبرالية، دوراً عبر مد الجسور مع الأكثرية الجديدة لمساندتها في موضوع التغيير. ونتوقع أن تلعب الجالية الإيرانية – الأميركية دوراً بارزاً في هذه المساندة، لا سيما أن الاحتجاجات قد تحولت في نهاية هذا العام إلى شبه ثورة، مما سيسمح للأكثرية في مجلس النواب بأن تنظم جلسات استماع كبيرة في ما يتعلق بسياسة الإدارة تجاه إيران.
مجلس الشيوخ
هو الذي سيحدد المواقع التي ستتحمل مسؤولية السياسة الخارجية من سفراء، والاتجاهات العامة. والمعروف الآن أن هذا المجلس سيكون منقسماً في الوسط، ولكن ما هو غير معروف حتى الآن هو من سيسيطر فعلاً على اللجان، والقضية ليست الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين فقط، بل حتى عند الديمقراطيين هناك من يؤيد تغيير هذه السياسة لصالح مواجهة النظام الإيراني، ومنهم السيناتور بوب مينينديز الذي ترأس في العامين الماضيين لجنة العلاقات الخارجية، مما يعني أن الأوراق الآن مخلوطة في عملية الضغط لإجراء هذا التغيير. وسنرى في الأسابيع الأولى من 2023 إذا كان بمقدور مجلس النواب بأكثريته الجديدة وأعضاء مجلس الشيوخ المتضامنين معهم أن يدفع فعلاً إلى هذا التغيير.