الصدام مع الحشد الشعبي يقود إلى حرب أهلية مدمرة والتسليم ببقاء الفصائل يعني التعايش مع خطر دائم
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
المحاولة خطيرة جداً، ولو فشلت. خطيرة في الشكل عبر توجيه ثلاث مسيّرات لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بقصف منزله في المنطقة الخضراء المحمية في بغداد. خطيرة في التجرؤ على ارتكاب جريمة سياسية كبيرة حاملة توقيع المرسل في ما يشبه “قصة موت معلن”. خطيرة في التوقيت بعد الانتخابات النيابية التي خسر فيها وكلاء إيران المسلحون. وخطيرة في الأهداف والدلالات لجهة المرحلة التي وصل إليها الصراع على العراق.
هي أكثر من عملية إرهابية من النوع الذي يراد منه إحداث ضجة كبيرة على المسرح. وهي تتجاوز تنفيذ تهديدات بالاقتصاص من الكاظمي، أطلقها قادة “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” من الحشد الشعبي المرتبط بـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني وجرى تنفيذها فعلاً. ومن الصعب اعتبارها مجرد ضغوط وجمع أوراق ولعب أوراق كما هي العادة عشية ذهاب طهران إلى مفاوضات نووية وغير نووية مع واشنطن في فيينا. والأصعب هو تجاهل ما فعله وكلاء إيران بشباب “ثورة أكتوبر” (تشرين الأول) في كربلاء والنجف والناصرية وبغداد من قتل وخطف وقمع جراء الخوف من الوطنية العراقية والتي صار الكاظمي واحداً من رموزها المهمة.
ذلك أن من وزّع الصواريخ والمسيّرات على وكلائه معروف، ومن يملكها واستخدمها مراراً داخل بلاد الرافدين معروف. فصائل الحشد الشعبي التي احتجت على نتائج الانتخابات واتهمت الكاظمي بتزويرها فشلت في إثبات أي تزوير، فلجأت إلى الشارع والعنف لتطلب عملياً من دون اعتراف تزوير النتائج لمصلحتها. ومرحلة الصراع التي تخللها بعض التعاون بين المشروع الأميركي والمشروع الإيراني تقترب من نهايتها بانسحاب القوات الأميركية “المقاتلة” في نهاية هذا العام. أما المرحلة الحالية المفتوحة، فإنها الانتقال إلى الصراع بين المشروع الإيراني ومشروع الوطنية العراقية العائدة إلى دورها العربي. والكاظمي هو رأس الحربة في هذا الصراع. وهو الداعي إلى تحرير “العراق المخطوف” والسعي المرحلي للخروج من المحاصصة في السلطة، بعد فشلها الذريع في بناء دولة و”نجاحها” السريع في هدر المال العام والإثراء على حسابه وتكريس الفساد وإفقار بلد غني بالموارد والكفايات. وهذا ما يعرقل المشروع الإيراني الذي تخدمه المحاصصة مرحلياً، ويسهم في استعادة القرار الوطني. وما كان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين يتحدث عن خطر مقبل بل عن خطر قائم حين قال “خرق السيادة ليس حين تهاجم دولة معيّنة الأراضي العراقية فحسب. والخرق الخطير للسيادة هو خطف القرار العراقي”.
والساعة دقت للخيار في العراق، مهما يكُن صعباً. فلا مستقبل لدولة وطنية مع بقاء السلاح في أيدي الميليشيات التابعة للحرس الثوري وقرارها خارج الدولة الشرعية. وهو أمر ينطبق على لبنان واليمن وكل بلد من البلدان التي أقامت فيها إيران “ستة جيوش” للردع والدفاع عنها، كما اعترف اللواء علي غلام رشيد، قائد “مقر خاتم الأنبياء”.
ولا مهرب من طرح سؤال لم يكُن ممكناً طرحه أيام “الخلافة الداعشية” وخطرها على البلد: ما هي الحاجة إلى فصائل الحشد الشعبي بعدما اقترب عديد القوات المسلحة العراقية من رقم المليونين؟ وماذا فعلت هذه الفصائل بعدما خف خطر “داعش” سوى التسلط على الناس في الأنبار وصلاح الدين ونينوى ومصادرة الأرزاق والأموال وحماية التهريب؟
لا حاجة من الناحية الأمنية للحشد الذي تسلّحه طهران وتموّله بغداد وتشرّع وجوده كخاضع لقرار القائد الأعلى للقوات المسلحة، في حين أن قراره في يد الولي الفقيه. وعلى العكس، فإن ما تفعله فصائل عدة من الحشد هو تهديد الأمن القومي والأمن الفردي. ألم يقل أبو مهدي المهندس الذي اغتالته القوات الأميركية على طريق مطار بغداد مع قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني “الحشد مشروع أمة، مشروع ولاية”؟
المأزق عميق بالفعل: الصدام مع فصائل الحشد الشعبي يقود إلى حرب أهلية مدمرة. والتسليم ببقاء الفصائل يعني التعايش مع خطر دائم في عراق فقير لا هيبة للسلطة فيه على الطريق إلى مشروع الولاية. لكن محاولة الاغتيال دقت كل أجراس الخطر وأشعلت كل الأضواء الحمر. فالتأخير في الخيار يزيد من صعوبته. والتردد في مواجهة التحديات يجعلها أخطر. والخطوة الأولى هي الترابط بين شباب “ثورة أكتوبر” ومشروع الدولة الوطنية.
المقالة تعبر عن راي كاتبها
اندبندنت