سلط بيتر بينارت، وهو خبير في السياسة الأمريكية الخارجية، الضوء على الترسانة النووية الإسرائيلية في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” مشيراً بلغة ساخرة إلى أن الساسة في واشنطن يتحدثون عن رغبة طهران في الحصول على سلاح نووي وكأن منطقة الشرق الأوسط خالية منه في تجاهل تام ومتعمد للترسانة الإسرائيلية النووية.
وأوضح بينارت أن السياسيين الأمريكيين يحذرون بشكل متكرر من أن حصول إيران على السلاح النووي سيؤدي إلى تدافع نووي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث حذر السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز في عام 2020 على سبيل المثال من سباق تسلح خطير في المنطقة كما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة في ديسمبر إن السعودية وتركيا ومصر قد تتدافع لسباق تسلح نووي إذا حصلت إيران على القنبلة الذرية، مشيراً إلى أن العالم ليس بحاجة إلى “شيء جديد ملعون” من الشرق الأوسط.
وأضاف أن مثل هذه التصريحات أصبحت مألوفة لدرجة أنه من السهل التغاضي عن حيلتها، حيث تركز التحذيرات على أن إيران يمكن أن تجعل الشرق الأوسط نووياً، كما يشير الساسة إلى أن المنطقة خالية من الأسلحة النووية الآن، ولكنها كما يؤكد الكاتب، ليست كذلك في الواقع، حيث تمتلك إسرائيل بالفعل أسلحة نووية، ولكنك لن تعرف ذلك أبداً من قادة أمريكا، الذين يتظاهرون بالجهل من نصف قرن.
وأكد بينارت أن هذا الخداع يقوض التزام أمريكا المفترض بمنع انتشار الأسلحة النووية، ويشوه النقاش الأمريكي حول إيران، وقال ” لقد حان الوقت لقول الحقيقة”.
وبدأ المسؤولون الأمريكيون يخفون الحقيقة بشأن الأسلحة النووية الإسرائيلية بعد أن أخفت إسرائيل الحقيقة عنهم في البداية في أوائل الستينات، حيث زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون مراراً أمام الرئيس جون إف كينيدي أن المفاعل الذري الذي تبنيه إسرائيل في ديمونة الصحرواية كان للأغراض السلمية فقط.
وعندما أرسلت الولايات المتحدة مفتشين إلى الموقع، ابتكر الإسرائيليون حيلة مبتكرة، تضمنت بناء جدران وهمية لإخفاء المصاعد التي تؤدي إلى مصنع إعادة معالجة تحت الأرض، وبحلول نهاية العقد، خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أن إسرائيل تمتلك بالفعل رؤوساً نووية.
وعلى مدى أكثر من 50 عاماً، بحسب ما ورد في مقال “نيويورك تايمز”، لم تقر إسرائيل ولا الولايات المتحدة بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، ولم تضغط واشنطن على إسرائيل لإخضاعها للرقابة الدولية، وكان الأمر يشبه “الصفقة”، كما تسترت إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر على قيام إسرائيل باختبار سلاح نووي في المحيط الهندي عام 1997، وعندما سأل أحد الصحافيين باراك أوباما عما إذا كان يعرف “أي دولة في الشرق الأوسط لديها أسلحة نووية؟”، أجاب أوباما “لا أريد التكهن”.التظاهر بالجهل بالأسلحة النووية الإسرائيلية يستهزئ بجهود أمريكا في منع انتشار الأسلحة النووية، كما أشار الكاتب إلى أن أوباما قد تعهد بالسعي إلى عالم خال من الأسلحة النووية، ولكنه منع النقاش العام ترسانة إسرائيل، حيث ساعدت إدارته على “إخماد” مؤتمر للأمم المتحدة بشأن منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وتواصل إدارة بايدن بدورها فرض عقوبات على إيران في محاولة لإجبار حكومتها على قبول عمليات تفتيش أكثر صرامة من تلك التي تتطلبها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي غضون ذلك، فإن إسرائيل التي لم توقع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لا تسمح بأي عمليات تفتيش على الإطلاق.
وهذا النفاق يدفع الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم إلى الابتسام، خاصة عندما يزعم العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين بأنهم يدافعون عن “النظام القائم على القواعد”.
وأضاف الكاتب أن صمت الحكومة الأمريكية المخادع يمنع إجراء نقاش لأكثر صدقاً حول المخاطر التي قد يشكلها سلاح نووي إيراني، إذ يقول بعض الساسة في واشنطن أحياناً إن القنبلة الإيرانية قد تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وهو إدعاء مشكوك فيه لأن إسرائيل تمتلك رادعاً نووياً، ولكن الغالبية من الأمريكيين لا يعرفون أصلاً أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية لذلك فهم يعتقدون أن التحذيرات معقولة.
واستنتج بينارت أن الولايات المتحدة لن تجبر إسرائيل على التخلي عن إسلحتها النووية، ولكن هذا لا يعني أن عليها تقويض مصداقية أمريكا العالمية وخداع شعبها بإنكار الواقع، وربما ستؤدي مناقشة أمريكية أكثر صدقاً حول الترسانة النووية الإسرائيلية إلى بث حياة جديدة في حلم بعيد المنال يتمثل في شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، ولكن حتى لو لم يحدث ذلك، فإنه من دواعي السرور أن يتوقف قادة أمريكا عن الكذب.