تصوّر وسائل الإعلام زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، لفرنسا بأنّها تأتي في أعقاب فضيحة التجسس على الهاتف الشخصي للرئيس عمانوئيل ماكرون عبر تقنية «بيغاسوس» الإسرائيلية، وما من شك بأنّ هذا الموضوع سيكون على الطاولة وسيقدّم غانتس توضيحات وسيعد بمنع مثل هذ التنصّت مستقبلا. إلّا أنه جرى تعيين هذه الزيارة قبل شهر لبحث الأوضاع في لبنان وقضية الاتفاق النووي الإيراني وما بينهما، في إطار المحاولات الإسرائيلية الحثيثة للتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن اللبناني لضمان ما تسمّيه «مصالحها وأمنها».
لا تتابع إسرائيل ما يجري في لبنان بقلق وريبة فحسب، بل هي تقوم بتحرّكات سياسية وعسكرية وترسل التهديدات وتسرّب المعلومات لمنع الإخلال بمعادلة الردع القائمة. إسرائيل تتحرّك وحدها في مجالات معيّنة، لكنّها تعمل أيضا في إطار تحالفاتها الإقليمية، التي تشمل دول التطبيع العلني والسرّي وأطراف عالمية في مركزها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وذلك لمحاصرة حزب الله وقطع الطريق على زيادة «النفوذ» الإيراني في لبنان.
لقد توالت في الأسابيع الأخيرة تصريحات لقيادات إسرائيلية تعبّر عن قلق من جهة وترسل التهديدات من جهة أخرى، وصرّح نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن «لبنان على حافة الهاوية، ونحن لن نقبل تسرب ودلف الأوضاع من لبنان إلى إسرائيل»، وتلاه بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي: «لن نسمح بتحوّل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان إلى تهديد لأمن إسرائيل»، داعيا المجتمع الدولي إلى «إعادة الاستقرار إلى لبنان»، وفق المواصفات الإسرائيلية طبعا، فإسرائيل تريد أن يحمي العالم ما تعتبره «مصالحها في لبنان»، وهذا ما يسعى إليه غانتس خلال زيارته لفرنسا وما تطرحه إسرائيل في كل اللقاءات مع الأطراف الدولية في الأشهر الأخيرة.
تبدو إسرائيل قلقة مما يحدث في لبنان وتخشى أن تسير السفن بالحالة اللبنانية إلى حيث لا تشتهي الرياح الإسرائيلية. وهاكم بعض ما يقلق القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل:
إسرائيل قلقة من أن يؤدّي انهيار لبنان إلى زيادة نفوذ وهيمنة حزب الله وإلى ارتفاع في منسوب التهديدات العسكرية والأمنية، وحتى إلى اندلاع حرب أو سيطرة حزب الله على لبنان بالكامل.
النفوذ الإيراني
هي قلقة من احتمال زيادة النفوذ الإيراني ومن إمكانية تواجد إيراني فعلي على الأراضي اللبنانية. هي تخشى أن تكون إيران هي من تقوم بإنقاذ الاقتصاد اللبناني وهي من تزوّد لبنان بالنفط. وفي مقال نشره مؤخّرا كتب المعلّق العسكري واسع الاطلاع، رون بن يشاي، أن إسرائيل لن تسمح بخرق العقوبات المفروضة على إيران عبر تهريب النفط إلى لبنان وسوف تعترض السفن التي تنقل هذا النفط، وأضاف متحايلا على الرقابة العسكرية أن إسرائيل «ربّما فعلت ذلك في الماضي»، وطرح التسريب كإمكانية واحتمال هو أسلوب معروف في الصحافة الإسرائيلية. وفي محاولة للتحضير لما قد يأتي، حذّرت مصادر إسرائيلية من أن ناقلات النفط الإيرانية، إذا وصلت الشواطئ اللبنانية فستحمل معها «أسلحة مهرّبة».