بوتيرة متسارعة ومكثفة، تشهد تونس موجة إقالات لمسؤولين في مؤسسات حكومية ومناصب قضائية، أنهت مهام 25 مسؤولا حتى مساء 28 يوليو/ تموز الجاري.
وبدأت هذه الموجة مع “تدابير استثنائية” اتخذها الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو، إثر احتجاجات شعبية في محافظات عديدة طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
فعقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، أعلن سعيّد إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة.
سلسلة الإقالات التي بدأتها الرئاسة لم ترافقها تفاصيل حول أسبابها، ويتوقع مراقبون أن تتواصل في الأيام المقبلة لتشمل هياكل محلية، مثل إقالة ولاة المحافظات، وتجميد المجالس البلدية.
المشيشي ووزيران
غداة “التدابير الاستثنائية”، أصدر سعيّد، في 26 يوليو، أمرا رئاسيا بإقالة كل من هشام المشيشي، رئيس الحكومة، والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية بالنيابة، وإبراهيم البرتاجي وزير الدفاع، وحسناء بن سليمان الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.
وقالت الرئاسة إن هذه الإعفاءات سارية منذ 25 يوليو.
ولملء الفراغ الحكومي، قررت الرئاسة أن يتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية لحين تسمية رئيس حكومة وأعضاء جدد فيها.
وإلى اليوم، لم تعين الرئاسة التونسية وزراء لهذه الوزرات ولا رئيسا للحكومة.
رضوخ للإقالة
بعد ساعات من إعلان إعفائه، خرج المشيشي عن صمته ليعلن مساء 26 يوليو، أنه غير متمسك بأي منصب في الدولة، وأنه سيسلم المسؤولية إلى رئيس الحكومة الذي سيكلفه الرئيس بالمهمة.
وقال المشيشي عبر فيسبوك: “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصرا معطلا أو جزءا من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدا”.
وتابع: “محافظة على سلامة كل التونسيين، أُعلن اصطفافي كما كنت دائما إلى جانب الشعب واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة”.
فيما لم تصدر ردود فعل من وزيري الدفاع والوظيفة العمومية والعدل بالنيابة بشأن إقالتهما.
وتم تعيين البرتاجي وزيرا للدفاع في حكومة المشيشي، التي نالت ثقة البرلمان في أغسطس/ آب 2020، بالتوافق مع سعيّد، وفق ما يقتضيه الدستور، لأن مجال الدفاع من اختصاصات الرئيس.
مناصب عليا
ومساء 27 يوليو، أعلنت الرئاسة التونسية سلسلة إقالات جديدة استهدفت مسؤولين في مناصب عليا بالدولة، بحسب مجلة “الرائد” الرسمية.
فبمقتضى أمر رئاسي، أقال سعيّد المكلف بمهام وكيل الدولة العام، مدير القضاء العسكري، العميد القاضي توفيق العيوني، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية، عبد الرزاق الكيلاني.
كما أقال كلا من المعز لدين الله المقدم، مدير ديوان رئيس الحكومة المُقال، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي.
وكذلك كل مستشاري رئيس الحكومة المُقال الثمانية، وهم رشاد بن رمضان، لحسن بن عمر، إلياس الغرياني، أسامة الخريجي، عبد السلام العباسي، سليم التيساوي، زكريا بلخوجة، مفدي مسدي.
وشملت الإقالات أيضا 9 مكلفين آخرين بمهام في ديوان الحكومة، وهم: فتحي بيار، محمد علي العروي، حسام الدين بن محمود، بسمة الداودي، ابتهال العطاوي، منجي الخضراوين، نبيل بن حديد، بسام الكشو، روضة بن صالح.
مدير التلفزيون
ومساء 28 يوليو، أصدر سعيّد أمرا بإعفاء محمد لسعد الداهش، المدير العام للتلفزيون الرسمي في البلاد من منصبه، وتكليف عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزة مؤقتا.
وقال سعيّد، مساء 25 يوليو، إنه اتخذ “التدابير الاستثنائية” من أجل “إنقاذ الدولة التونسية”. لكن غالبية الأحزاب رفضتها، واعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما أيدتها أخرى، معتبرة إياها “تصحيحا للمسار”.
ويُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضا ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولا عربية، لا سيما خليجية، بقيادة “ثورة مضادة” لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفا على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.