بروكسل/لندن ـ د ب أ: كشف الاتحاد الأوروبي الجمعة عن تفاصيل جزء من خطته بشأن المناخ والتي تهدف إلى امتصاص المزيد من الغازات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) من الغلاف الجوي، وتعزيز التنوع البيولوجي عبر استخدام الغابات.
ويقترح التكتل الأوروبي في خطته استخدام السياسة الزراعية المشتركة لوضع خطط مدفوعات لأصحاب الأراضي المزروعة بالأشجار، مع تعزيز مراقبة الغابات الموجودة، والتي تغطي حوالي 40٪ من أراضي القارة.
وتعتزم المفوضية الأوروبية،الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، زراعة ثلاثة مليارات شجرة في محاولة لامتصاص المزيد من غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وكما هو متوقع تقاوم جماعات الضغط في صناعة الأخشاب هذه الخطط بالفعل، وقد أعرب ممثلوها عن قلقهم من فرض قيود صارمة على هذه الصناعة التي تدر نحو 640 مليار يورو (756 مليار دولار) وتوظف حوالي 3.6 مليون شخص.
وتصاعدت التوترات بالفعل بعد أن حذر علماء في مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية من أن الطلب المتزايد على منتجات الأخشاب يهدد بتعطيل أهداف حماية المناخ في أوروبا من خلال الإضرار بالغابات والتي هي مصرف مهم لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون.
وقال يانوش فويتشوفسكي، مفوض الاتحاد الأوروبي للزراعة «الطموح البيئي يمكن أن يسير جنباَ إلى جنب مع الازدهار الاقتصادي… الغابات هي أيضاً رئة مجتمعنا واقتصادنا: فهي تؤمن سبل العيش في المناطق الريفية، وتوفر المنتجات الأساسية لمواطنينا، وتحمل قيمة اجتماعية عميقة من خلال طبيعتها».
وكان مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي قد كشف الخميس أنه ستتم زراعة ثلاثة مليارات شجرة داخل مدن الاتحاد الأوروبي وفي الحقول الزراعية. وتشكل هذه المقترحات جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لخفض التلوث بنسبة 55 في المئة، على الأقل، مقارنة بمستويات عام 1990 بحلول عام 2030، وأن تكون محايدة مناخياً بحلول منتصف القرن.
من جهته يتساءل كريس براينت، السياسي البريطاني ووكيل مجلس العموم (البرلمان) سابقا، عما إذا كانت الدول الصناعية الأخرى في العالم مستعدة للتحرك بنفس قوة الاتحاد الأوروبي لمواجهة خطر التغير المناخي.
ويقول براينت، الذي شغل منصب وزير شؤون أوروبا وآسيا في الحكومة البريطانية عامي 2009 و2010، أن الإجراءات الأوروبية المقترحة، إضافة إلى موضوع حماية وتوسيع الغابات، تشمل عدة مجالات حيوية منها التخلص التدريجي من المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، بالإضافة إلى فرض ضريبة على وقود الطائرات وإدراج قطاع النقل البحري ضمن نظام تداول حصص الانبعاثات الغازية، بهدف دفع الشركات العاملة في هذه القطاعات إلى اتخاذ إجراءات قوية لخفض الانبعاثات الغازية من الطائرات والسفن.
ورغم أن كل هذه الإجراءات جذرية ومهمة، فإن فرض ضريبة جديدة على الواردات الأوروبية من الصناعات الثقيلة التي تلبي المعايير الأوروبية الأشد صرامة لحماية المناخ، مازال يثير الجدل وهو أمر متوقع.
ويرى الاتحاد الأوروبي أنه إذا قرر إلزام الشركات بخفض انبعاثاتها الغازية بسرعة، فسيكون عليه حمايتها من منافسة الشركات الأخرى الموجودة خارجه وغير الملتزمة بخفض الانبعاثات.
لذلك فالاتحاد الأوروبي يبللور حاليا طريقة تسمى «آلية تعديل حدود الكربون» لضمان عدم تضرر القدرة التنافسية للشركات الأوروبية نتيجة التزامها بالمعايير المناخية الصارمة، حسب ما ذكره براينت في تحليل نشرته أمس وكالة بلومبرغ للأنباء.
ووفقا للخطة الأوروبية، سيكون على المستوردين دفع رسم إضافي يتحدد على أساس كمية الكربون المستخدمة في إنتاج وارداتهم، وهو ما يعكس تكاليف تداول حصص الانبعاثات الكربونية، التي ستتحملها أي شركة أوروبية إذا أنتجت الكمية نفسها من الملوثات. وسيتم تطبيق هذه الآلية في البداية على عدد محدود من القطاعات مثل خام الحديد والصلب والأسمنت والألومنيوم والأسمدة وواردات الكهرباء. ومن المنتظر أن تثير مثل هذه الضريبة غضب الكثيرين. وسينظر الشركاء التجاريون للاتحاد الأوروبي إلى هذه الضريبة على أنها إجراء حمائي يعاقب صادراتهم بشكل غير عادل.
وستكون روسيا والصين وتركيا من بين أكثر الدول تضرراً من مثل هذه الضريبة، مما يفاقم التوترات التجاريةـ وقد تلحق الضرر بشكل غير عادل بالدول الفقيرة.
في الوقت نفسه تطالب الشركات الأوروبية المحلية بحقها في الاحتفاظ بإعفاءات التلوث الممنوحة وفقا للنظام الحالي.
ولكن مع سياسة المناخ، فإن الاتحاد الأوروبي يبدو كمن لديه كعكة ثم يأكلها. وفي حين تؤيد صناعة الصلب بشكل عام هذه الخطوة، فإن صناعة الألومنيوم تعارضها.
ورغم كل التعقيدات، فإن فرض ضريبة كربون على واردات الاتحاد الأوروبي خطوة ضرورية، لأن مثل هذه الضريبة ستسمح لأوروبا باتخاذ خطوة أشد حسما بشأن حماية المناخ، مع المحافظة على القدرة التنافسية للشركات الأوروبية.
فلا يمكن أن تتحمل أوروبا تداعيات مثل هذه الضريبة، إذا ما قررت المضي قدما نحو الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050. ويرى براينت، الذي عمل كرجل دين مسيحي في البداية، أن اتفاق دول العالم على حد أدنى لضريبة تفرض على استهلاك الوقود الكربوني والتحرك نحو تقليل الانبعاثات الكربونية سيكون أمراً جيداً للجميع.
لكن هذا لم يحدث كما يرى براينت، الذي يقول «ورغم أنها خطوة أحادية الجانب، فإن الضرائب التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي يمكن أن تشجع الدول الأخرى على القيام بخطوات مماثلة وهو ما سيحمي الشركات الأوروبية من منافسة «الواردات غير النظيفة. ولكن الخوف فيما بعد، يتمثل في تأثيرات تكلفة هذه الضريبة وارتفاع أسعار حصص الانبعاثات الغازية في الاتحاد الأوروبي، كما يمكن أن ترتفع التكلفة أكثر إذا ما اتخذت الحكومات إجراءات أشد ضد الشركات الملوثة للبيئة».
وأخيرا يقول براينت أن العالم يحتاج إلى تسريع وتيرة العمل من أجل خفض الانبعاثات الكربونية. ويشير إلى أنه مقارنة بقطاع الطاقة، فإن الصناعات الثقيلة حققت تقدماً أبطأ نسبياً نحو تقليل الانبعاثات، مما يخلق حاجة لتسريع وتيرة التخفيضات.