بقلم: د. زيد احمد المحيسن
يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ” كرم الله وجهه”: ( إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل: بئس الملوك وبئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل: نِعم الملوك ونِعم العلماء). لا ينبغي للعلماء والدعاه الى الله ان يكونوا في طرف مخالف لنبض جماهير امتهم في طروحاتهم الفكرية والثقافية والتوعوية والتوجيهية، وان تكون الامة جمعاء في طرف وعلماء الامة في الجانب الاخر النقيض لرؤى الامة وتوجهاتها وامالها في الحرية والانعتاق .. هنا تصبح الامة في نزاع مع ذاتها وينطبق عليها قول الحسن البصري رحمه الله حين قال : لا تكن ممن يجمع علم العلماء وحكم الحكماء ويجري في مجرى السفهاء.
هذه حال دعاتنا هذه الايام الا من رحم ربي، من هنا فان بعض الناس من عامة الامة يدهشك استقامته على الحق وبعض العلماء مع الاسف الشديد يكابر في اعوجاج منطقه، من هنا فان وعي الشعوب لم يعد يقبل او ان يكونوا دوما اسرى للعناوين والازياء الخارجية للجبة والعمامة وعبادا للألقاب.
يبدو لي ان عصر القيم والمبادئ انهى بغير رجعة، وبدأ عصر الدراهم والدينار والدولار .. وأصبح علماء اليوم حائرين بين سلطة الدولار وغضب الرحمن، ونسيو او تناسوا عن علم بأن الدنيا هي دار ممر وأن الآخرة هي دار مقر. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه اخرى، وليس للدينار والكرسي تأثير او شفاعة عند خالق الكون سبحانه وتعالى.
لقد رفع الله شأن العلماء الذين يصدعون بكلمة الحق والذين يسعون إلى توحيد صفوف الأمة وجمع الكلمة ضد العدو الخارجي والداخلي ويعملون على كشف مخططات الأعداء وتحذير الأمة من الإرتماء في أحضانهم، هؤلاء العلماء الذين لا يخشون في الله لومة لائم بغض النظر عن مكانة الشخص الذي أمامهم سواء أكان من الحكام أو من أصحاب النفوذ أو من السوقة، فالتصدي للباطل وقول كلمة الحق هو ديدنهم، والتاريخ العربي والإسلامي يذكر لنا العديد ممن اشتهروا بمواقفهم الصلبة ضد الباطل، ولا زالت هذه المواقف خالدة في وجدان الأمة والذاكرة الإنسانية ومنهم، أبو حنيفة النعمان، وابن جبير، وابن حنبل وغيرهم كُثُر.
وللأسف الشديد نجد اليوم في المقابل أشباه علماء وإن كانوا يلبسون الجبة والعمامة، ولكن ما تحت العمامة – جهل مطبق وخوف من قول كلمة الحق، يسيرون في ركب السلطان ويتملقون أتباعه وينافقون لأصحاب النفوذ الذين ساموا الأمة أشرس صنوف العذاب واستغلوا موارد البلاد لتكديس الثروات وتهربيها إلى بنوك الغرب.
لقد ركب علماؤنا في هذا الزمان الردي – زمن القِلة والذلة والكحل الأسود- في سفن الحكام، يزينون لهم الباطل حقاً ويدافعون عن سياستهم الظالمة، أصبحوا أبواق شر وتضليل على الوطن والمواطن – يخشون من المخلوق ولا يخشون من الخالق ، فضاعت الأمة من جراء أعمالهم المنافية للحق والعدل والأخلاق، فلم تعد لهؤلاء هيبة ولا قيمة عند الناس ولا عند أسيادهم.
إن المرحلة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية تستدعي أن يكون العلماء والمثقفون في خندق واحد ومع المقاومة وفي طليعة الرَّكب في الدفاع عن الأمة ومقدساتها وحقوقها الشرعية ويضحون بالغالي والنفيس من اجل قيم الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، وأن يكونوا أكثر التصاقاً بقضايا الأمة والإهتداء بسيرة السلف الصالح من القامات العالية الذين نشروا ضياء الحق والعدل والرحمة في العالم، واشتروا رضا الله وخلودهم في الدارين.
فيا علماء الأمة .. يا ملح البلد .. من يُصلح البلد إذا الملح فسد ؟
الأمة بأمس الحاجة إلى مواقفكم الراشدة، تلك المواقف التي تشبه مواقف الرعيل الاول من أصحاب الرسالات الخالدة، حيث صارعوا الباطل والإستبداد والظلم والجهل، وأصبحوا قناديل هدى ومشاعل ضياء للأمة وتاريخها المجيد.