ملف الطاقة وتحديداً الربط الكهربائي يمثل أحد المرتكزات الرئيسة للتفاهمات مع مصر والأردن
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8
بعد تأجيلها لمرات عدة، انعقدت في بغداد القمة الثلاثية بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ويعقد العديد من العراقيين آمالهم على خطوات العراق الأخيرة الرامية إلى تعزيز علاقاته مع المحيط العربي، الأمر الذي ربما يمهد الطريق نحو بناء تحالفات اقتصادية وسياسية تمكن البلاد من التخلص ولو نسبياً من النفوذ الإيراني الذي تضخم كثيراً خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من كونها أول قمة بهذا المستوى مع زعماء كل من مصر والأردن، إلا أن التساؤلات لا تزال حاضرة بشأنها، وتحديداً في ما يتعلق باستعادة العراق لدوره في المحيط العربي، فضلاً عن مدى إمكانية أن توفر تلك التحركات مساحة حقيقية للتخلص من النفوذ الإيراني الذي بات يشغل حيزاً كبيراً داخل الدولة العراقية.
قفزة غير مسبوقة في علاقات العراق الخارجية
وتتباين آراء المحللين حول تلك القمة، فبينما يميل مراقبون إلى اعتبار حقبة الكاظمي بأنها مثلت قفزة غير مسبوقة في علاقات العراق الخارجية ربما تمكنه من دفع العراق نحو أدوار أكبر في المنطقة، يرى آخرون أن الاتجاه نحو مصر والأردن ليس كافياً لتحقيق التخلص من “الهيمنة الإيرانية”.
ويرى مراقبون أن مشروع “المشرق الجديد” يمثل محاولة جادة لكسر الهيمنة الإيرانية على العراق اقتصادياً وسياسياً، ودفعه نحو مزيد من الحياد في ما يتعلق بأزمات المنطقة.
في السياق، يقول رئيس “المجموعة المستقلة للأبحاث” منقذ داغر، إن ما جرى في قمة بغداد يمثل “امتداداً لجهود الكاظمي التي بدأت منذ اليوم الأول لاستلامه السلطة، والتي تمهد لاستعادة العراق لدوره في محيطه العربي، ومحاولة إحداث توازن مع الدور الإيراني في البلاد”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “العلاقات المتوازنة للعراق مع محيطه الإقليمي في الفترة الأخيرة مثلت مصدر قوة استراتيجية ورافعة بالإمكان استثمارها ضد القوى المعادية الخارجية والداخلية”.
ويلفت إلى أن ما يدعم فكرة “التحوّل الناجح” في سياسة العراق الخارجية، يتمثل بـ “محاولات إيران جعل العراق كوسيط لحل أزماتها في المنطقة، كما حصل في الفترة الماضية من خلال المباحثات التي أجريت في بغداد بين طهران والرياض”.
ويختم أن “العراق بات يتخذ موقفاً مستقلاً عن سياسة المحاور الدائرة في المنطقة، إلا أن استمرار تلك السياسة يعتمد على من سيخلف الكاظمي في المنصب في الفترة المقبلة”.
الطاقة مرتكز أساسي لتقليل النفوذ الإيراني
ويبدو أن ملف الطاقة وتحديداً الربط الكهربائي يمثل أحد المرتكزات الرئيسة للتفاهمات مع مصر والأردن، في محاولة لتقليل اعتماد العراق على استيراد الطاقة من إيران، حيث تستفيد طهران من عائدات بمليارات الدولارات سنوياً من هذا الملف.
وقال رئيس الوزراء العراقي في ختام اجتماعه مع الرئيس المصري والعاهل الأردني “ركزنا على الاستثمار والتعاون الاقتصادي، واتفقنا على رؤية مشتركة، ونجحنا في الوصول إلى تصورات محددة، ونحن الآن في مرحلة الوصول إلى تنفيذ هذه المشروعات، في مجالات الربط الكهربائي والزراعة والنقل، إضافة إلى مسألة الأمن الغذائي التي طرحها الملك عبدالله الثاني في لقاء القمة السابق”.
وفي 31 مارس (آذار) الماضي منحت واشنطن بغداد إعفاء جديداً مدته 120 يوماً لاستيراد الطاقة من إيران، شرط تقليص اعتماده على إمدادات الطاقة القادمة من طهران خلال تلك المدة.
ويرى الباحث في الشأن السياسي بسام القزويني أنه “على الرغم من تركيز قمة بغداد على الأمن القومي للدول المجتمعة، إلا أن الكاظمي لم يطرح فكرة المشرق الجديد لتقتصر على مشاركة الأردن ومصر، بل لتكون خطة إقليمية شاملة تمثّل آلية تعاون متكاملة تتلاءم مع متغيرات المنطقة”.
ويضيف أن “الكاظمي أول رئيس وزراء نجح في ترتيب أوراق العلاقات الدبلوماسية للعراق، وإعادة التوازن في العلاقات الإقليمية وتحديداً مع العواصم العربية”، مبيناً أن هذه الانتقالة “لا يمكن أن تكتمل من دون المزيد من الإصرار الحكومي ودعم القوى السياسية”.
ويشير القزويني إلى أن “تضخم الهيمنة الإيرانية وتنوعها جعلا من حراك الكاظمي مهمة شاقة، تحديداً في ما يتعلق بإعادة العراق لوضعه ودوره في المنطقة”، مردفاً “عمدت الدولة العميقة على أن تكون أكثر من 80 في المئة من محطات الكهرباء في البلاد معتمدة على الغاز، وعدم تفعيل مشاريع تطوير استخراج الغاز المصاحب للنفط، حتى يستمر العراق باستيراد الغاز الإيراني بمليارات الدولارات سنوياً”.
ويلفت إلى أن المشروع الجديد “بدأ بالعمل على الربط الكهربائي مع الأردن، إضافة إلى إمكانية أن يستفيد العراق من الأردن ومصر، وهما عضوان في منتدى غاز المتوسط، ليؤسس منتدى يشمل دولاً خليجية أيضاً لغرض الانسحاب التدريجي من استيراد الغاز الإيراني، الأمر الذي سيمثل ضربة لنفوذ طهران”.
وكان الكاظمي قد أشار في وقت سابق إلى أن “المشرق الجديد هو مشروع استراتيجي، اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات”.
عدم تحديد مواعيد تنفيذ الاتفاقات
ولم تتضمن البيانات الختامية للقمة الثلاثية وضع جداول زمنية محددة لبدء تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية، وتحديداً ما يتعلق بالتفاهمات حول الطاقة، الأمر الذي يراه مراقبون يقلل من منسوب التفاؤل بجدوى ما جرى.
ويعتقد الصحافي العراقي أحمد حسين أن “كل ما جرى في سياق القمة الثلاثية لم يأتِ بجديد، إذ كان من المرتقب حسم الملفات ذات الطابع الاقتصادي، وتحديداً مشروع الأنبوب النفطي ومشروع ربط الطاقة الكهربائية”، مبيناً أن عدم تحديد مواعيد لتلك المشاريع يعني أن ما جرى لا يتعدى مستوى “البروتوكول”.
ويضيف أن أبرز ما تحقق يتمثل “بتأسيس السكرتارية الدائمة بين العراق والأردن ومصر”.
ويشير إلى أن “حكومة الكاظمي مستمرة بالفشل في التأسيس لاستثمارات حقيقية بعيدة من الجانب الإيراني، الأمر الذي يبدو مريحاً بالنسبة لصانعي القرار في طهران، خصوصاً كونه يجنبها الاستعانة بأذرعها لتعطيل هذه المشاريع”.
ويختم حسين “في حال تحرك تلك المشاريع على أرض الواقع وتحديداً مشروع أنبوب النفط ومشروع الربط الكهربائي، فمن المتوقع أن يكون مصيرها كمصير مشاريع الاستثمار السعودية التي تمت عرقلتها”.
“المشرق الجديد” وتحفيز طهران للتفاوض
ويعتقد متابعون أن حراك رئيس الحكومة العراقية في ما يتعلق بمشروع “المشرق الجديد” لا يمكن فصله عن محاولات الانفتاح على دول الخليج، والذي يشهد تقدماً غير مسبوق خلال السنة الأخيرة، الأمر الذي يدفع طهران إلى محاولة التعجيل في خوض مفاوضات حول مشروعها النووي لتلافي أي خسائر محتملة لنفوذها في البلاد.
وعلى الرغم من عدم اكتمال الرؤية بما يتعلق بمشروع “المشرق الجديد” وتركيزه على القضايا الاقتصادية إلا أن طهران تنظر له بعين الريبة، بحسب الصحافي العراقي محمد حبيب.
ويقول حبيب إن صانعي القرار في طهران ينظرون إلى أي انفتاح عراقي نحو محيطه العربي بوصفه “موجه ضدها ومستفز لنفوذها”، مبيناً أن هذا التوجه العراقي ربما يدفع إيران إلى “تعجيل خطواتها في ما يتعلق بإعادة إحياء الاتفاق النووي مع واشنطن لتلافي أي خسائر مهما كانت صغيرة”.
ويشير إلى أن “النفوذ الإيراني في العراق لا يرتبط فقط بالأذرع المسلحة أو الحراك البرلماني الداعم لها، بل إن القوة الكامنة لهذا النفوذ تتعلق باستثمارات بمليارات الدولارات وإحكام سيطرة أذرعها على الكثير من الأنشطة الاقتصادية في البلاد، فضلاً عن حجم التبادل التجاري الهائل أحادي الجانب”.
مصالح محدودة
وعلى الرغم من التعويل على التفاهمات التي يجريها العراق مع مصر والأردن، يرى باحثون أن تمكين العراق من استعادة سيطرته على الدولة يمثل السبيل الرئيس لانعتاقه من النفوذ الإيراني وبداية حقبة العودة إلى الحضن العربي مرة أخرى، وليس محاولة إدخاله ضمن سياسة المحاور الدائرة في المنطقة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن “هناك محاولات متعددة وتجارب لإخراج العراق من النفوذ الإيراني من بينها محاولة ربطه بالأردن ومصر، إلا أنها لا تمثل حلولاً حقيقية للإشكالية لأن المصالح الاقتصادية للعراق مع تلك البلدان محدودة ولن تمثل بديلاً ناجعاً”.
ويوضح أن “محاولة استبدال الغاز الإيراني بالغاز المصري لن يؤدي إلى تطوير الاقتصاد العراقي، هي مجرد عملية مداورة لن يجني منها العراق أي مصلحة اقتصادية”، مبيناً أن الحل يتمثل بـ”تمكين العراق من استعادة السيطرة على الدولة ومؤسساتها وإنتاج اقتصاد ناجح”.
ويشير إلى أن “البحث عن بدلاء في المنطقة ليحلوا محل إيران لن يمثل حراكاً ناجحاً والأجدى هو توفير الدعم للعراق من قبل الدول العربية لإحياء واقعه السياسي والاقتصادي، وتمكينه من بناء علاقات متوازنة في المنطقة”.
وكانت القمة الثلاثية قد تأجلت نهاية مارس الماضي، بعد حادثة تصادم قطارين في مدينة سوهاج بمصر، فيما يستمر الجدل بشأن جدواها في إحداث متغيرات في ما يتعلق بالنفوذ الإيراني في العراق.