ثمة مؤشرات توحي بأن فوز رئيسي لن يؤثر على سير المفاوضات في فيينا
هدى رؤوف كاتبة
تسير مباحثات فيينا بين إيران ومجموعة الدول الكبرى بشكل لا يكشف عن مضمونها أو تفاصيلها، حتى أن ما يصدر من تصريحات عن الجانب الأوروبي أو الأميركي أو الإيراني بشأن وجود بعض العوائق، لا تتضح ماهيتها. الأمر المعلوم هو أن المباحثات هدفها عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي وعودة طهران إلى التزاماتها به، فضلاً عن رفض إيران تضمين ملفات نشاطها الإقليمي وتطوير الصواريخ الباليستية ضمن أي اتفاق مع واشنطن. كما تتزامن المباحثات الممتدة منذ عدة أسابيع مع حلول إبراهيم رئيسي خلفاً للرئيس حسن روحاني.
وفي خضم هذه التطورات، يُطرح تساؤلان، الأول، حول إذا ما كانت فترة إبراهيم رئيسي ستشهد إحياء الاتفاق النووي، والثاني، بشأن عدم ضغط واشنطن في سبيل تضمين الملفات الأخرى في الاتفاق المقبل؟
لن يؤثر
واقع الأمر، أن ثمة مؤشرات توحي بأن مجيء رئيسي لن يؤثر على سير المفاوضات، فإيران عازمة على إحياء الاتفاق النووي، وتُعد موافقة المرشد الإيراني علي خامنئي على خوض مباحثات فيينا أهم مؤشر على نية إيران التفاوض وإحياء الاتفاق أياً كان الرئيس فيها. كما أن إيران بدأت تزيد من إنتاجها النفطي في الأسابيع الماضية ليصل إلى نحو 4.2 مليون برميل يومياً، وذلك استعداداً لرفع العقوبات الأميركية والبدء بتصدير النفط، إذ سيحقق إتمام الاتفاق النووي مكاسب سياسية واقتصادية لإيران وللتيار المتشدد المسيطر حالياً على مقاليد السلطة فيها.
وكان رئيسي أعلن خلال المناظرة الثالثة نيته الالتزام بالاتفاق النووي، في حال تم التوصل إليه، ولكن تطبيقه يتم وفق شروط المرشد وليس بطريقة حكومة روحاني الخاطئة برأيه. واستبعد أن تجرى المناقشات حول دور إيران الإقليمي وصواريخها كجزء من المحادثات ووصفها بأنها “غير قابلة للتفاوض”.
قصر المسافة الزمنية
ويقودنا ذلك إلى فهم سبب عدم ضغط الولايات المتحدة على إيران من أجل التفاوض بشأن اتفاق أقوى وأطول يضم ملفات التدخل الإيراني في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وتطوير الصواريخ الباليستية. إذ يبدو أن انتهاك إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منه في عام 2018، أدى إلى قصر المسافة الزمنية التي يمكن لإيران خلالها الحصول على سلاح نووي لا سيما مع قيامها بتخصيب اليورانيوم حالياً بنسبة 60 في المئة، وهو ما يثير قلق إدارة الرئيس جو بايدن بشكل يجعل ما يهمه فقط هو تقييد قدرات إيران النووية، وإخضاع برنامجها النووي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال العودة إلى الاتفاق. ومع إدراك بايدن أن طهران ترفض التفاوض بشأن الصواريخ الباليستية لذا فقد اعتبر أن تضمين هذا الملف سيشكل عائقاً أمام جلب إيران إلى طاولة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.
القضايا العالقة
في ذات الوقت، يصرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأنه سيتم التفاوض بشأن الملفات العالقة في مرحلة لاحقة، ولكن حتى الآن لم تقدم إدارة بايدن أي تصور بشأن جل هذه القضايا العالقة مع إيران. ومع ذلك يمكن القول إنه ربما يكون أحد السيناريوهات للتعامل مع هذه الملفات هو ترك الإدارة الأميركية لإسرائيل هامش التحرك بحرية بشأن هذه القضايا العالقة والتي تعتبرها إسرئيل خطوطاً حمراء لأمنها، إضافة إلى سلوك إيران الإقليمي. ويعني ذلك استمرار نهج إسرائيل تجاه إيران لتقليص قدراتها النووية، الذي انطلق منذ عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وسيستمر في ظل رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، الذي قال، أخيراً، “لا تتوقعوا تغييراً في قلق إسرائيل بشأن صفقة إيرانية جديدة”، مشيراً إلى إبراهيم رئيسي بوصفه “جلاد طهران”. وبالتالي فإن هذا النهج الإسرائيلي تجاه إيران ربما يكون أحد أساليب التعامل الأميركي مع الملفات العالقة.
تأخير إيران
فمنذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، اتبعت إسرائيل نهجاً يستهدف تأخير قدرات إيران النووية وتعطيل منشآتها في ظل تخليها عن التزماتها في الاتفاق، ما قد يفسر سبب الانفجارات الغامضة التي شهدتها منشآت عسكرية واقتصادية ونووية داخل إيران، وجعلت كثيراً من المسؤولين الإيرانيين يتحدثون عن اختراق استخباراتي وأمني للداخل الإيراني. وتحدث رئيس “الموساد” يوسي كوهين في مقابلة أجراها، أخيراً، عن تفاصيل حول سرقة الأرشيف النووي الإيراني ونقل عشرات آلاف الوثائق إلى إسرائيل. كما لمح إلى تورط إسرائيل في تدمير المنشأة النووية في نطنز، واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده. ولم يتوقف التصعيد الإسرائيلي برحيل نتنياهو، بل ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، الأربعاء الماضي، أن غارة استهدفت منشأة تابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في مدينة كرج شمال غربي طهران، والمعروفة باسم “مركز كرج للأبحاث الزراعية والطبية”، لكن هناك معلومات حول أن المنشأة صنعت أجهزة طرد مركزي لتحل محل تلك التي دُمرت في الهجوم على نطنز، وأن تنفيذ الضربة تم بواسطة طائرة من دون طيار أُطلقت من داخل إيران. جدير بالذكر أن منشأة كرج، التي ادعت إيران أنها تُستخدم لأغراض مدنية، تعرضت لعقوبات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منذ عام 2007 لتورطها في برامج إيران النووية والصاروخية.
ويبدو أن هناك تفاهماً ضمنياً على أن تُترك لإسرائيل حرية الحركة حيال تطوير إيران قدراتها النووية والصاروخية وسلوك حلفائها الإقليميين، حيث تعارض إسرائيل خطة الرئيس الأميركي جو بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي.
ومن المرجح في ظل تولي إبراهيم رئيسي السلطة، وحتى مع إحياء الاتفاق النووي، فإن إيران ستستمر في تطوير الصواريخ، وستبرر ذلك بسعيها للوصول إلى الفضاء. كما سيزداد انخراطها في الصراعات الإقليمية فى سوريا واليمن والعراق ولبنان. وبات من المؤكد أن التصعيد بين إسرائيل وإيران لن يخفت فى الفترة المقبلة.