“كوفيد- 19” يلحق الضرر بالجميع ويجب إيصال الطعوم إلى من يحتاج إليها
مايكل فالون
في عام 2008، تضافرت جهود الدول في سبيل حلّ الأزمة المالية العالمية: عملت الحكومات والبنوك المركزية على منع الانهيار، وعلى دعم الجهات المقرضة، وحماية المودعين فيها. ولكن في خضمّ أزمة “كوفيد- 19″، رأينا عكس ذلك تماماً: لم يُصر إلى الإبلاغ عن ظهور الفيروس في مرحلة مبكرة، وتدخَّلت حكومات في حركة استيراد وتصدير معدات الحماية الشخصية الطبية ذات الأهمية البالغة، حتى أنّ الاتحاد الأوروبي هدّد بمنع صادرات اللقاحات المضادّة. ببساطة، لم يكن العالم مهيئاً لمواجهة تحدٍّ على هذه الدرجة من الضخامة، على الرغم من أن الخبراء حذّروا طويلاً من خطر ظهور وباء ما.
اُرتكبت أخطاء فادحة. بوغتت بلدان من قبيل الهند بموجات تفشٍ جديدة. وببساطة، لم تدرك بلدان أخرى مثل البرازيل مدى خطورة وضعها. بعض الدول، التي تحتضن على الأغلب عدداً أقل من السكان وأكثر مرونة في التعامل مع الأزمة، أبلت بلاء حسناً- عبر حماية حدودها بشكل صائب، أو، كما هي الحال في المملكة المتحدة، من خلال الاستثمار سريعاً في برامج تطعيم فاعلة.
بيد أن الدرس الأهم الواجب استخلاصه هو الأكثر بداهةً: ما لم نعمل على تحصين الشعوب في كل البلدان- وليس داخل حدودنا فحسب- يتهدَّدنا جميعاً خطر المتحوِّرات الجديدة وعودة انتشار نظيرتها السابقة. إذا تُرك المرض يتفشَّى من دون رادع وعلاج، فإنّه لن يفضي فحسب إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في بعض بؤر الإصابات الأكثر اضطراباً في العالم، بل إنّه سيجد طريقه سريعاً لاختراق دفاعاتنا الوطنية المحدودة.
لذا، يكمن الخطر العالمي الآن في بطء يشوب وتيرة حملات التطعيم في العالم النامي. إذا تجاهلت الدول الغنية، حيث جهود التحصين تسير على خير ما يرام، النقص في الموارد وعدم القدرة على إنتاج اللقاحات وتوزيعها في البلدان النامية، سينال ذلك من جهودنا الخاصة المبذولة لاحتواء الفيروس. إننا إزاء قضية أخلاقية، وقضية مصلحة ذاتية أيضاً. إذا انهارت أنظمة الرعاية الصحية في البلدان الأفقر في أفريقيا، مثلاً، سوف نتحمَّل التبعات في أوروبا الغربية. وعلى المدى الطويل، سوف نتأثر سلباً في انعدام الأمن والعنف والهجرة التي قد تنجم عن برامج التطعيم شديدة البطء.
ولكن مما يبعث على الطمأنينة أن قادة مجموعة البلدان الصناعية السبع (جي 7) قد أدركوا الآن الحاجة الملحّة إلى تطعيم العالم النامي، وينبغي أن يشهد الاجتماع المزمع للمجموعة في الشهر المقبل تقدماً في هذه المسألة. مع ذلك، نحن بعيدون أشواطاً عن مستوى التطعيمات الذي يتوجّب الوصول إليه. تظهر البيانات الأحدث أن برنامج “كوفاكس” Covax الذي يقوده الغرب، وهو مبادرة حسنة النية ترمي إلى توزيع اللقاحات بشكل أكثر إنصافاً بين البلدان، قد وصل فقط إلى 22.7 في المئة من هدفه المحدد في هذه المرحلة.
من المهم أيضاً أن ندرك أن “كوفاكس” وحده والجهود الغربية الأخرى حتى الآن لن تكون كافية. “سبوتنيك” Sputnik الروسي و”سينوفارم” Sinopharm الصيني، علماً أنهما لقاحان رئيسان من خارج نطاق العالم الغربي، في مقدورهما أن يضطلعا بدور مهم أيضاً. تدرك الصين وروسيا الأهمية التي تكتسيها دبلوماسية اللقاحات، وتتعاونان مع عدد من البلدان حول العالم في توزيع وإنتاج جرعات لقاحيهما على سكان دول الجنوب العالمي. ولكن لا حاجة إلى أن يتحوَّل ذلك إلى منافسة بين الشرق والغرب: “كوفيد- 19” يضرّ بنا جميعاً. والمهم أن تصل اللقاحات إلى حيث تشتد الحاجة إليها.
الإعلان الأخير الذي أصدرته شركة “جي 42 للرعاية الصحية” G42 Healthcare عن إنشاء مصنع جديد لإنتاج اللقاحات في أبو ظبي يبدو مثالاً جيداً جداً، إذ يبيِّن السبيل إلى توفير برامج تطعيم أسرع للعالم النامي. “حياة فاكس” Hayat Vax، النسخة العربية من لقاح “سينوفارم” الصيني، ستُتاح لبعض أفقر دول العالم. ونظراً إلى الموقع الجغرافي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحقيقة أن كثيراً من سكانها قد سبق أن تلقوا لقاحاتهم، يعني ذلك أنه في المستطاع الآن تحويل الجرعات الجديدة إلى الجنوب. صحيح أننا ما زلنا نفتقر إلى البيانات الخاصة بتجارب فاعلية اللقاح الصيني مقارنةً باللقاحات الغربية، غير أن مراكز الإنتاج ذات المواقع الاستراتيجية على شاكلة المصنع الإماراتي تمثِّل تماماً نوع المشاريع التي نحتاج إلى إيجاد المزيد منها بغية حماية أفقر المواطنين في العالم.
على مدى العام الماضي، أدركنا أننا ببساطة نفتقر إلى البنية الأساسية الدولية التي تسمح لنا بأن نتصدّى على نحو عالمي شامل لهذه الجائحة. في الدول الغربية، سرعان ما تعاون الباحثون الأكاديميون بشكل جيد، لكنّ حكومات عدة انكفأت على ذاتها، من دون أن تعي أن مواجهة “كوفيد- 19” في شرق العالم وجنوبه لا تقل أهمية عن كبحه داخل الوطن. حريّ بنا أن نسعى الآن إلى وضع خطط طارئة أفضل ترمي إلى تطوير اللقاحات وإتاحتها في المناطق الأفقر من العالم، خلال وقت قصير. في النهاية، أمننا من أمنهم. واللقاحات المضادة هي القوات الجديدة لحفظ السلام.
مايكل فالون سياسي بريطاني شغل منصب وزير الخارجية للدفاع بين عامي 2014 و2017، ووزير الدولة للطاقة من 2013 إلى 2014
© The Independent