تجدد اليقظة العربية واستعادة الدور والمسرح


لا أحد يعرف إلى أي حد تبدو التطورات الجديدة نقلة استراتيجية على رقعة الشطرنج

رفيق خوري كاتب مقالات رأي 

اليقظة العربية تتجدد. المتفائلون يرون ذلك على طريقة هيغل القائل: “الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر مرتين”. والمتشائمون يتبنون رأي ماركس الذي قال: “هيغل نسي أن يضيف: مرة كمأساة ومرة كملهاة”. والواقعيون يميلون إلى قول مارك كوين: “التاريخ لا يتكرر لكنه يطابق”. بداية اليقظة العربية كانت في السنوات الأخيرة للسلطنة العثمانية، إذ ظهرت الجمعيات والأحزاب الداعية إلى استعادة الهوية العربية والاستقلال عن السلطنة ودعاة “التتريك”. وتجسد  ذلك في “الثورة العربية الكبرى” ضد السلطنة، ثم في الثورات ضد الإمبراطوريات الأوروبية المنتدبة على البلدان العربية. لكن الوحدة العربية التي تأسست باسمها أحزاب بعضها وصل إلى السلطة مثل حزب البعث إلى جانب التيار الواسع الذي قاده الرئيس جمال عبد الناصر، بقيت حلماً. ولا تبدل في الأمر، تجارب لم تعش طويلاً مثل الوحدة السورية-المصرية والوحدات الثلاثية. حتى الجامعة العربية كمؤسسة واقعية، فإنها شهدت طلعات ونزلات. أما تجدد اليقظة اليوم، فإنه للعودة إلى سلاح التضامن واستعادة الدور الذي ضعف واستقوت عليه ثلاث قوى إقليمية هي إسرائيل وإيران وتركيا، ثم واحدة رابعة هي إثيوبيا.

ثلاثة أحداث جعلت المسرح العربي مفتوحاً أمام طموحات القوى الإقليمية: معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني. وتسلم حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي بقيادة رجب طيب أردوغان السلطة في تركيا ذات النظام العلماني منذ جمهورية أتاتورك. ثم حصلت ثلاثة أحداث أخرى: انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة. حرب “عاصفة الصحراء” التي أنهت الغزو العراقي للكويت، ثم تفجيرات نيويورك والاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق. وثورات ما سمي “الربيع العربي” التي جعلت العالم العربي “أربع عواصم” حسب عنوان كتاب جديد لديفيد ومارينا أوتاواي: اللادول، الدول السلطوية، الخليج الصاعد، وبلدان المغرب العربي المتوجهة نحو أوروبا.

كان اللعب فوق المسرح العربي سهلاً على القوى الإقليمية. إيران تقول علناً إنها “تحكم أربع عواصم عربية” هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. تركيا تحتل أجزاء من سوريا وتشن حملات عسكرية في شمال العراق وترسل قوات ومرتزقة للقتال في ليبيا. إسرائيل تتمسك بالجولان والقدس وترفض التسوية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وإثيوبيا تبني “سد النهضة” وتتنمر على مصر والسودان في موضوع حيوي جداً هو مياه النيل. لكنه كان من الصعب أن يبقى العرب في حال “استقالة” من الدور على المسرح العربي. ومن الوهم أن تتصور جمهورية الملالي في إيران أنها تستطيع الانتصار على المنطقة وأهلها والقوى الدولية صاحبة المصالح فيها، وهي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين. ومن الوهم أيضاً أن تراهن تركيا على زعامة المنطقة والإسلام السياسي، وأن تحافظ إسرائيل على السلام والأرض معاً في مهمة مستحيلة هي “أكل الكعكة والاحتفاظ بها” بحسب المثل الإنكليزي، وأن تتمكن إثيوبيا من حبس نسبة من حصص مصر والسودان في مياه النيل.

وهكذا تجددت اليقظة العربية. العراق يستعيد توازنه ودوره بالانفتاح على العمق العربي. وهو، كما يقول الرئيس برهم صالح “في موقع جغرافي متميز يجعله مع تعزيز أمنه وسيادته عاملاً محورياً ونقطة إنطلاق في مواجهة القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتعزيز سلام المنطقة ومواجهة التحديات البيئية”. الخليج في موقف موحد بقيادة السعودية والتحالف مع مصر والأردن والمغرب. والمحاولات جادة لاستعادة التضامن العربي وسوريا. أردوغان نزل من فوق الشجرة العالية لتطبيع العلاقات مع مصر والسعودية. ملالي إيران يفاوضون أميركا ويحاورون السعودية. إسرائيل لا تستطيع الاستمرار في الهرب من التسوية مع السلطة الفلسطينية، وهي تتمتع بالتطبيع مع بلدان عربية عدة. وإثيوبيا لا تزال تراوغ.

ولا أحد يعرف إلى أي حد تبدو التطورات الجديدة نقلة استراتيجية على رقعة الشطرنج. ولا براهين عملية حتى الآن على تخلي الملالي عن “الحلم الفارسي”، وأردوغان عن “حلم العثمانية الجديدة” وإسرائيل عن الحد الأقصى من “الحلم الصهيوني”، وإثيوبيا عن “حلم العظمة” لدى أبيي أحمد. لكن المؤكد هو تجدد اليقظة واستعادة الدور العربي، بحيث يبدو “الحلم العربي” قريباً من الواقع وليس من أحلام اليقظة.