من المتوقع أن تمثل الإيرادات الرقمية أكثر من 60 في المئة من إجمالي تدفقات القطاع بحلول عام 2030
كفاية أولير صحافية
تنمو الإيرادات الرقمية عاماً بعد عام، لتمثل اليوم حصة أكبر في إجمالي إيرادات الصناعة. ومن المتوقع أن تصل إيرادات صناعة الترفيه والإعلام العالمية إلى ما يتراوح بين 2.1 و2.6 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030، وأن تمثل الإيرادات الرقمية أكثر من 60 في المئة من إجمالي الإيرادات في صناعة الترفيه والإعلام بحلول العام ذاته، وفقاً لـشركة “وايدر فيونيل” للاستشارات، التي أشارت إلى اجتياح اقتصاد الاشتراكات للصناعة، لكنها قالت، لا تزال هناك مساحة كبيرة للنمو، فلا تزال الشركات تجرب طرقاً عدة لاكتساب المشتركين والاحتفاظ بهم. وبحسب بحث لـ”برايس ووتر هاوس كوبرز”، ستشهد مقاطع الفيديو الخاصة بالواقع الافتراضي وفيديو “أو تي تي” (تلقي المحتوى عبر اتصال الإنترنت بدلاً من موفر البث أو الكيبل التقليدي) نمواً كبيراً خلال السنوات المقبلة. وقالت الشركة إن خدمات البث المباشر مثل “نتفليكس” و”أمازون” فيديو والإعلان عبر الإنترنت، سجلت أكبر نمو سنوي بين 2018 و2023، فيما سرعت جائحة كورونا والإغلاق الذي تسببت به في وتيرة النمو تلك. ووجدت “هاوس كوبرز” أن معدل النمو السنوي المركب العالمي المتوقع لإيرادات الترفيه والإعلام هو 4.3 في المئة، متوقعة أن يتجاوز النمو المطلق للصين في صناعة الترفيه والإعلام نظيره الأميركي للمرة الأولى على الإطلاق، وأن تحقق بكين أكبر عائدات في قطاعي الترفيه والإعلام لتصل إلى 83.9 مليار دولار بين 2018 و2023.
الترفيه الرقمي بزخم بعدما أصبح خياراً لملايين المشاهدين
وبحسب توقعات “هاوس كوبرز”، سيخصص المُسوقون في مجال الإعلام أكثر من نصف ميزانياتهم للإعلانات الرقمية بحلول عام 2023. وتحدثت عن تجاوز استهلاك بيانات الهواتف الذكية استهلاك النطاق العريض الثابت، قائلة إن الهاتف المحمول لا يزال ينمو بسرعة في البلدان التي لم يصل فيها بعد إلى مرحلة التشبع.
من جانبه أوضح ماركوس غولدر، الرئيس التنفيذي لشركة “إنتغرال”، المتخصصة في تطوير وابتكار منتجات الترفيه الرقمي في السعودية، أنه مع استمرار النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحولها إلى منصة حيوية للابتكار، يبرز قطاع الترفيه الرقمي بزخم بعدما أصبح خياراً لملايين المشاهدين، لا سيما مع تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” التي فرضت الترفيه الرقمي خياراً لا غنى عنه على أجندة الترفيه المجتمعي.
وتشكل المنطقة، بفضل تركيبتها السكانية التي تسيطر عليها الفئة الشبابية (أكثر من 28 في المئة من سكانها تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة)، حجر الأساس للابتكار والتوسع في مجال الترفيه الرقمي، مع توقع نمو سوق الفيديو حسب الطلب (VoD) الإقليمي إلى أكثر من 29.6 مليون مشترك، ومبيعات 2.97 مليار دولار، بحلول عام 2025، وفقاً لبحث نشره موقع “داتا ريبورتال”.
وتعد السوق السعودية، الأسرع نمواً في القطاع الرقمي في المنطقة، إذ شهدت تقدماً ملحوظاً في استخدام الإنترنت، حيث بلغت نسبة انتشاره 95.7 في المئة في عام 2021، ما سيقود إلى ازدهار منصات البث الترفيهي عبر الإنترنت (OTT)، وارتفاع إيرادات الاشتراك في خدمات الفيديو حسب الطلب(SVOD) ، ومن المتوقع وصولها إلى 563 مليون دولار خلال خمس سنوات، بالتالي تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الرقمي، في خلق اقتصاد متنوع ومزدهر، وتعزيز جودة الحياة للمواطن والمقيم.
وتحدث غولدر عن شركة “إنتغرال” قائلاً، إن الشركة موجودة في السعودية وست دول أخرى، وتقدم محتوىً غنياً ومتنوعاً، سواء من خلال عروض التلفزيون المباشر (live TV) الذي يقدم أكثر من 190 قناة، أو فيديو الاشتراك عند الطلب (SVOD) الذي لديه مكتبة لأكثر من 25000 محتوى. إضافة إلى ذلك، تستثمر “إنتغرال” في الإنتاج السعودي الأصلي، تماشياً مع رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تنويع مجالات الترفيه بالارتكاز إلى قاعدة رقمية، إضافة إلى توطين تقنيات إنتاج الأفلام وتعزيز المواهب المحلية المبدعة، خصوصاً على مستوى فئة الشباب، ويضيف أنه نظراً إلى شدة المنافسة بين مزودي الخدمات والمنتجات الترفيهية الرقمية، فإن التحدي الرئيس يكمن في الاستمرار بتقديم محتوى متنوع، ومنتجات مبتكرة وأصلية بمعايير عالمية. كما يحتاج مقدمو الخدمات، للحفاظ على مكانتهم، إلى اعتماد نموذج أعمال مرن يُحدّث باستمرار، لضمان مواكبة متطلبات المستهلكين المتغيرة.
اقتصاد الاشتراكات ومحتوى خلف جدران الحماية
ليس “نتفليكس” و”سبوتيفاي” فقط من يحكمان اقتصاد الاشتراكات. ويمكن رؤية هذا التحول على مستوى الصناعة، بما في ذلك الوسائط المكتوبة. إذ ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن إيراداتها الرقمية بلغت 709 ملايين دولار لعام 2018. وأسهم نموذج الاشتراك المزدهر لديها الذي نما بنسبة 18 في المئة إلى 400 مليون دولار، بشكل كبير في هذا الرقم المرتفع. كما زادت الإعلانات الرقمية ولكن بنسبة 8.6 في المئة فقط، لتصل إلى 259 مليون دولار. وفي الربع الرابع من عام 2018 وحده، أضافوا 265 ألف اشتراك رقمي جديد. وقد أدى هذا التعزيز إلى رفع إجمالي اشتراكاتهم إلى أكثر من أربعة ملايين، 3.3 مليون منها رقمية فقط. وتهدف الصحيفة إلى زيادة عدد الاشتراكات إلى عشرة ملايين بحلول عام 2025، بحسب “وايدر فيونيل”.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة “كوندي ناست” (شركة إعلام عالمية تعد موطناً لبعض العلامات التجارية الأكثر شهرة في العالم، بما في ذلك مجلة “فويج” و”ذا نيويوركرز” و”جي كيو” و”فانيتي فير” و”وايرد” و”كوندي ناست ترافيلور” و”دايجستف أركيتيكتشيور” و”لاكوزينا إيطاليا”) أنها ستنقل جميع منشوراتها الرقمية خلف جدار حماية “نظام حظر الاشتراك غير المدفوع، وهي طريقة لتقييد الوصول إلى المحتوى، خصوصاً الأخبار، عبر عملية شراء أو اشتراك مدفوع”.
سيول من المحتوى تتدفق عبر المنصات
من جانبه قال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار”، إن الاشتراكات في صناعة الترفيه والإعلام في العالم بدأت منذ سنوات حين شهدنا نمو التوجه، ليس فقط نحو منصات التواصل الاجتماعي، وإنما أيضاً نحو المشاهدات التي ترتبط بالمحتوى، فلم يعد هناك مصدر واحد للمحتوى، وإنما هناك سيول من المحتوى تتدفق عبر المنصات، منها معروفة هويتها مثل “نتفليكس” و”تيك توك” إلخ، ومنها هويتها غير معروفة. اليوم هناك مئات الملايين من البشر يسعون إلى تقديم محتوى على “يوتيوب” والمنصات الأخرى، وعندما تصل مستويات المشاهدات إلى أرقام كبيرة جداً يبدأ عداد الإيرادات بالعد لصانعي المحتوى.
ويضيف الطه، عمالقة المنصات مثل “نتفليكس” و”تيك توك”، “يدركون أين نذهب، وبالتالي الاشتراكات تحاصر الناس بشكل أو بآخر بطريقة مغرية، وهي من تولد مليارات الدولارات لصناعيي المحتوى الرقمي. وأعتقد هذا التوجه سيستمر ويصبح أكثر قوة، وربما يأخذ أشكالاً أخرى على حساب المنصات التقليدية مثل التلفاز على سبيل المثال”.
“شاهد” تجربة رقمية عربية ناجحة بامتياز
وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار”، إن تفشي جائحة كورونا عام 2020، والإغلاق الذي تسببت فيه، زاد من الإقبال على المنصات الرقمية بشكل ملفت، وربما اختصرت الجائحة سنوات على أصحاب تلك المنصات ممن كانوا يحلمون بنموها. وأضاف “عربياً هناك أيضاً نقلة نوعية في المنصات الرقمية على سبيل المثال (منصة شاهد) التي تملكها مجموعة “أم بي سي”، نموذج على نجاح المنصات الرقمية، فهي تشهد إقبالاً كبيراً، وبحسب معلوماتي هناك تزايد في هذا الإقبال على المنصة التي تعرض مشاهدة مسلسلات وأفلام حصرية”. وتابع الطه “هذه المنصات وغيرها تشكل لاعباً رئيساً في الاقتصادات الرقمية، ويعول عليها كثيراً في تعزيز هذا النوع من الاقتصاد الرقمي”. وأضاف “حتى وكالات الإعلان عندما تخطط لموازنات المُعلنين، تركز بشكل أكبر على الإعلان الرقمي القادر على جذب المستهلكين بشكل كبير، بالتالي القضية جداً مهمة وتستحق المتابعة، وفي رأيي هي أحد المحاور الأساسية التي تشكل القفزة الكبيرة في الاقتصاد الرقمي”.
نمو الإيرادات الرقمية للصين بـ 5.4 في المئة بحلول 2024
لأكثر من 30 عاماً، كان لقطعة أرض صغيرة تغطي حوالى 45 ميلاً مربعاً (116 كيلومتراً مربعاً) تأثير كبير على طريقة عملنا وحياتنا ولعبنا، إذ يشكل وادي السيليكون في كاليفورنيا حياتنا، من مواقع الويب التي نقوم فيها بالتسوق المنزلي إلى خدمات بث الفيديو التي نشاهدها للشركات التي تقدم بريدنا الإلكتروني، تقع جميعها تقريباً في هذا الركن من الولايات المتحدة، لكن الصورة انقلبت بعد ولادة “تيك توك” أحد التطبيقات الأسرع نمواً في العالم من رحم “بايت دانس” الشركة الصينية العملاقة. تطبيق “تيك توك” لديه اليوم 690 مليون مستخدم نشط شهرياً في جميع أنحاء العالم، 100 مليون منهم في الولايات المتحدة و100 مليون آخرين في أوروبا. “تيك توك” تدخلنا اليوم في عصر تقود فيه آسيا (وليس وادي السيليكون) صناعة التكنولوجيا، القلق الأميركي من التفوق الصيني في عالم الترفيه دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لمحاربة التطبيق، الذي ادعى، من دون أدلة كبيرة، أنه يمثل خطراً على الأمن القومي.
وبحسب تقرير لـ “برايس ووتر هاوس كوبر”، حمل عنوان “التوقعات العالمية للترفيه والإعلام 2020-2024 للصين”، من المتوقع أن يزداد إجمالي إيرادات الترفيه ووسائل الإعلام في الصين بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.2 في المئة خلال الفترة المتوقعة بين 2020-2024، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 5.1 في المئة. وأضاف التقرير، أن الرقمنة في الصين واصلت زخم نموها. ومع ذلك، شهدت الإيرادات الرقمية انخفاضاً في عام 2020، ولكن من المتوقع أن تنمو بنسبة 5.4 في المئة بحلول عام 2024. وحسب قطاع الصناعة، ستشهد القطاعات المدفوعة رقمياً النمو الأكثر قوة. ستتصدر ألعاب الواقع الافتراضي و”أو تي تي” وألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية الصدارة في الصين.
وقالت هاوس كوبرز، إنه وبسبب الوباء، أدى الانتقال من النماذج التقليدية إلى النماذج الرقمية إلى زيادة الطلب على الترفيه المنزلي، وإنشاء نموذج جديد للبث المباشر، وهو تكامل مربح للغاية للتجارة الإلكترونية ومنصات الترفيه. في حين تعمل تقنية الجيل الخامس على تحسين تجارب الفيديو، مما أدى إلى ظهور البث المباشر، وتحفيز التطور السريع المستمر لصناعة الترفيه والإعلام في الصين.
اندبندنت