هل تستطيع أميركا شراء المستقبل بـ 2.3 تريليون دولار؟


خطة تحفيزية لدعم البنية التحتية للإنترنت والسيارات الكهربائية والوظائف

مصطفى درويش صحافي

خطة الرئيس الأميركي جو بايدن لتحفيز الاقتصاد ضرورية وحيوية لمحافظة الولايات المتحدة على لقب أكبر اقتصاد في العالم، وستعود بأثر إيجابي على الاقتصاد الدولي، بخاصة أن بايدن لا يعارض عولمة التجارة مثل نظيره السابق دونالد ترمب، ويتوقع تمريرها لكن ليس بسهولة، أما في حال الفشل في الحصول على الموافقة على الخطة، التي تواجه اعتراضات ومناقشات حالياً، فإن حجم اقتصاد الصين يمكنه تجاوز اقتصاد الولايات المتحدة بحلول 2028.

ويسعى بايدن، ووزيرة الخزانة جانيت يالين، إلى تمرير حزمة تحفيز اقتصادية بـ 2.3 تريليون دولار “للفوز بالمستقبل”، وأعلن بايدن أن الأطر العامة لخطته، تهدف إلى إصلاح 20 ألف ميل من الطرق، و10 آلاف جسر للسيارات، وتجديد شبكة الكهرباء والمياه، وتحسين البنية التحتية للاتصال بالإنترنت، ودعم قطاع السيارات الكهربائية لمواجهة تغير المناخ، وأكد الرئيس الأميركي في مارس (آذار) الماضي أنه إذا تم إقرار هذه الحزمة التحفيزية، فإن الناس سينظرون بعد مضي 50 عاماً، ويقولون إن هذه هي اللحظة التي فازت بها الولايات المتحدة بالمستقبل.

زيادة الضرائب

وسيتم تمويل خطة بايدن بزيادة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات من 21 في المئة إلى 28 في المئة، وزيادة الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع إلى 39.6 في المئة، وما زالت الخطة تواجه معارضة داخل مجلسي الشيوخ والنواب بسبب زيادة الضرائب على الشركات، وفي الـ 100 يوم الأولى من تولي بايدن منصبه، زادت ثروات أثرياء الولايات المتحدة بمقدار 195 مليار دولار، كما أظهرت بيانات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن إجمالي ثروات أغنى 100 أميركي بلغ 2.9 تريليون دولار، وهو أكبر من إجمالي ثروات 50 في المئة من سكان الولايات المتحدة، التي تقدر بـ 2.5 تريليون دولار.

ترمب ينتقد

وكان من بين أبرز المنتقدين ترمب الذي أصدر بياناً قال فيه إن الفائز الأكبر سيكون الصين لأن وظائف الولايات المتحدة ستنتقل إلى الخارج بسبب الضرائب الأعلى، واصطف مع الرئيس السابق، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بوصف الخطة بأنها “حصان طروادة” لرفع الضرائب.

وعلى عكس تصريحات يالين التي قالت إنه إذا تمت الموافقة على هذا الحجم من الإنفاق، فإن الولايات المتحدة ستعود إلى التوظيف الكامل بنهاية العام الحالي، كما قاوم بايدن دعوات وجهها مجتمع الأعمال لدفع تكاليف الخطة بفرض ضرائب أعلى على الوقود ورسوم النقل، لأن المواطن العادي سيتحمل التكلفة، ووعد الرئيس الأميركي بعدم زيادة الضرائب على أي شخص يجني أقل من 400 ألف دولار.

مركز الصدارة

وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن هذه الخطوة هي أيضاً محاولة للتنافس مع التكنولوجيا والاستثمارات العامة التي تقوم بها الصين، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وتتقدم بسرعة لتحتل مركز الصدارة للولايات المتحدة.

وفي تقرير حديث، رفع بنك “غولدمان ساكس” توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي في الربع الثالث من 30 إلى 35 في المئة، بدعم آمال حزمة التحفيز المقترحة، وزيادة إنفاق المستهلكين الأميركيين، بخاصة مع زيادة عودة الحياة إلى طبيعتها بعد جائحة كورونا.

مطالبة بالمزيد

وقال بعض أنصار البيئة في الكونغرس، نحو 100 عضو، إن الخطة لا تفعل ما يكفي لقضية تغير المناخ، حتى مع التحسينات المقترحة لشبكة الطاقة، وخطط بناء 500 ألف محطة لشحن السيارات الكهربائية، ويطالبون بالمزبد لمواجهة الحقائق المادية الملموسة لتغير المناخ.

مصير الخطة

وقال وائل مكارم محلل الأسواق لدى “آي سي أم كابيتال” إن “تمرير خطة بايدن سيستغرق بعض الوقت من الشدّ والجذب الموجود حالياً بين الجمهوريين والديمقراطيين، وحتى داخل الحزب الواحد”، بالتالي “فإن مصير التصويت والموافقة على الخطة داخل مجلسي النواب والشيوخ هو الخطوة الأولى التي ستحدد ما إذا كان في إمكان بايدن الضغط على مجتمع الشركات لفرض مزيد من الضرائب”.

الدين الحكومي

أضاف، “إنفاق الأموال المخصصة للخطة سيتم على دفعات سنوية، نحو ثماني سنوات، وفي حال نجاحها في دفع الاقتصاد، سيخلق هذا نمواً متواصلاً على مدار السنوات المقبلة، وليس كما كنا نرى في الخطط التحفيزية السابقة، ويمكن لهذه الخطة خلق نمو سنوي معقول في الاقتصاد الأميركي، بالتالي عندما ينمو الاقتصاد، سيقلل التضخم، ونسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي”.

الاقتصاد النظيف

وأشار مكارم إلى أن من أهم الأمور التي تحدث عنها بايدن في خطته هي الاقتصاد النظيف والالتزام نحو البيئة، بخاصة مع عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، بالتالي سيؤثر هذا في أسعار النفط في المستقبل مع زيادة توجه المستثمرين للطاقة المتجددة، التي تشهد ثورات من ناحية التكاليف والفعالية التقنية، لذا سيكون هذا على المدى البعيد، من أسباب الضغط على أسعار النفط.

الاقتصاد الأول

وتابع مكارم أن الخلافات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة وصلت قمتها خلال فترة حكم ترمب، الذي حاول خلالها بكل الطرق إيقاف النمو الاقتصادي الصيني، وعلى الرغم من جائحة كورونا التي جاءت خلال هذه الحرب الاقتصادية، كانت الصين الدولة الوحيدة في العالم التي استطاعت تحقيق نمو اقتصادي خلال 2020، وفي تقديري، يحاول بايدن بنهج مختلف عن فرض الضرائب، وهو الإنفاق على الاستثمار داخلياً، وإذا فشلت هذه الخطة، فإنه في تقديري يمكن للصين أن تسبق الولايات المتحدة اقتصادياً في حدود عام 2028، ولكن هذا أمر صعب لقوة الاقتصاد الصيني، الذي يشهد طفرات تقنية حالياً.

وقع عالمي

وفي حال نجاح خطة بايدن، فسيكون لهذا تأثير في الاقتصاد العالمي، فالولايات المتحدة لها علاقات تجارية واقتصادية مع كل دول العالم تقريباً، وأبسط مثال، فإن هذه الخطوات ستؤثر بطريقة غير مباشرة في تنشيط الاقتصاد الكندي واقتصادات أميركا الجنوبية على أقل تقدير، لا سيما أن بايدن مع عولمة التجارة على عكس نظيره السابق ترمب.