تراجيديا إغريقية – سودانية… صراع بلا حسم ولا تسوية


الطرفان عاجزان عن الانتصار في المعركة والشعب يعاني لكنه لا يستطيع التحرك وسط الحرب

رفيق خوري كاتب مقالات رأي 

الصراع على السلطة هو أسوأ أنواع الحروب. والأخطر هي الحرب بين شريكين اختلفا على الغنيمة بعد السطو على ثورة شعبية سلمية. والأكثر سوءاً وخطورة أن تدور الحرب في بلد أفقره حكم العسكر و”الكيزان” أي “الإخوان المسلمين”، وصار شعبه في حاجة إلى كل قرش لتنمية اقتصاده، وإلى كل أنواع المساعدات الدولية من قبل أن يتجاوز عدد النازحين في الداخل واللاجئين إلى الخارج 10 ملايين.

على مدى ثلاثة أشهر حتى اليوم، فشل العالم كله في دفع قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق في مجلس السيادة وقائد “الدعم السريع” الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى وقف القتال عملياً والبحث في تسوية سياسية. من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة إيغاد. ومن المبادرة الأميركية – السعودية المشتركة التي أسست “منصة جدة” إلى بقية المبادرات الجماعية والفردية الخاصة بكل دولة، وبينها روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن قمة الدول السبع المجاورة للسودان، التي شهدتها القاهرة، وجرى خلالها التفاهم على آلية لوقف الحرب وبدء التسوية السياسية في الداخل، وتجنيب جيران السودان ما تقود إليه الحرب والمداخلات فيها واللجوء من أخطار على الجيران، ولا سيما مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان.

ذلك أن الحرب قادت السودان إلى مأزق مغلق: لا مجال لحل عسكري، ولا إمكان لحل سياسي. كل طرف يتصرف كأنه واثق من الانتصار على خصمه، مستبعداً أي لقاء معه. وليس لدى أي منهما مشروع سوى السلطة. انتصار طرف واحد كارثة، وهزيمة الطرفين مشكلة، وإن بدت فرصة أمام المدنيين لاستعادة الثورة والسلطة. الجيش هو الجيش الذي نظمه الرئيس عمر البشير على مدى 30 سنة من “التمكين” لحكم “الإخوان المسلمين”. وقوات “الدعم السريع” هي ميليشيات حولها البشير إلى جيش رديف لقمع خصومه والثوار، وخصوصاً في دارفور. ولا وريث لهما سوى عسكر “الإخوان”.

كان واضحاً في دعوة الجنرال البرهان كل قادر على حمل السلاح إلى الانضمام للجيش أن من سيلبي الدعوة هم “عسكر الإخوان” والميليشيات التي نظموها. وما كان أمراً عادياً أن يستخدم الجيش سلاح الطيران بكثافة في العاصمة المثلثة الخرطوم، لأن معظم الضرر يقع على المدنيين.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يرى أن “المدنيين هم الذين يجب أن يحددوا طريق السودان، وأن يقودوا مساراً سياسياً لإعادة العملية الانتقالية الديمقراطية وتشكيل حكومة مدنية”، لكن إدارة الرئيس جو بايدن لا تستخدم الضغوط القوية المناسبة لدفع العسكر إلى التخلي عن السلطة للمدنيين. والعسكر فقدوا أي أهلية للإمساك بالسلطة. والقوى المدنية التي قامت بالثورة الشعبية السلمية، وتشكلت منها حكومة عبدالله حمدوك المدنية التي انقلب عليها العسكر، لم تعد موحدة في الموقف كما في السابق.

المشهد ناطق: إقصاء البرهان ودقلو ليس أمراً بسيطاً وسهلاً بسبب تركيبة الجيش وقوات “الدعم السريع”، والجنرالات ليسوا جادين في تسوية تعيد السلطة إلى المدنيين، والقوى المدنية بدت خارج اللعبة، والقوى الدولية مرتبكة، والشعب يعاني، لكنه لا يستطيع التحرك وسط الحرب، والطرفان عاجزان عن حسم المعركة. تراجيديا إغريقية، لكن الأبطال في النسخة السودانية يهربون من مواجهة القدر.

المقالة تعبر عن راي كاتبها

اندبندنت