مواجهة إسرائيل و”مقاومة المقاومة”


تل أبيب توحي بأن اقتحام جنين حقق أهدافها والفصائل الفلسطينية ترى أنها أجبرت القوات على الانسحاب

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

حكومة بنيامين نتنياهو ذاهبة في المغامرة إلى العمل على تحقيق الحد الأقصى من الحلم الصهيوني، بحسب طبعة غابوتنسكي وبيغن، لا فقط لإنقاذ رأس نتنياهو من دخول السجن في دعاوى الرشوة وإساءة الأمانة، بل أيضاً لإعطاء اليمين المتطرف فرصته في تجريب النظرية القائلة إن ما لا ينجح بالقوة ينجح بمزيد من القوة.

والجيل الجديد من المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ذاهب إلى تحقيق الحد الأقصى من الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه، أما السلطة الفلسطينية في رام الله فهي في مأزق لا تستطيع الخروج منه، لا بالتفاوض على تسوية ولا بالعودة للسلاح بعد أن اختارت التفاوض كوسيلة وحيدة، وباتت ترى في التخلي عن موقعها، مهما يكن ضعيفاً، عودة للوراء وخطورة على الفلسطينيين، وليس أصعب من تحقيق الحد الأقصى من حلم حكومة نتنياهو سوى استعادة الحد الأكبر في الحق التاريخي الفلسطيني، لكن المستحيل ليس في قاموس التاريخ.

حكومة نتنياهو مستمرة في سياسة الاقتحامات العسكرية والأمنية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، جنين ومخيمها، ونابلس، وحوارة، وعناصر الفصائل الفلسطينية مستمرون في التصدي لقوة الجيش الإسرائيلي.

تل أبيب توحي بأن اقتحام مخيم جنين حقق لها عدداً من الأهداف، والفصائل تتصرف على أساس أنها انتصرت وأجبرت العدو على الانسحاب بعد إنزال الخسائر بقواته ومعداته، لكن الربح الإسرائيلي مؤقت إن لم يكن وهمياً، والربح الفلسطيني ناقص. فكيف؟

لا مجال مهما استخدمت إسرائيل من العنف والقمع إلى إنهاء الشعب الفلسطيني أو “كيّ الوعي” الوطني لديه، فـ 75 في المئة من الوحدات القتالية في جيش إسرائيل متموضعة بالضفة الغربية، وهي عاجزة حتى عن إنهاء المقاومين في مخيم جنين أو نابلس، و100 مؤرخ إسرائيلي اعتبروا في بيان مشترك أن “حكم نتنياهو خطر استراتيجي على إسرائيل”، فعدد الفلسطينيين في الضفة وغزة والشتات يقترب من 15 مليون إنسان، وعدد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخارجه في الضفة وغزة يقترب من التساوي مع عدد اليهود، فإلى أين تهرب إسرائيل من هؤلاء وهي ترفض حل الدولتين وحل الدولة الواحدة لمواطنين على قدم المساواة، وتمارس نظام الـ “أبارتهيد” مع إدراك خطورته.

القتال في المكان هو مجرد مرحلة في المقاومة، فالعدو يمارس الحرب الوقائية على مراحل ضدها، وهي حرب تدمر وتوقع ضحايا من دون القدرة على فرض الاستسلام، ونوع من “مقاومة المقاومة” ضمن سياسة ما يسمى “جز العشب”.

والمقاومة تحتاج إلى مراحل متطورة في العمل، فالصمود في المخيمات مهم جداً على رغم الدمار والتضحيات، لكنه مجرد بقاء في المواقع ودفاع عن النفس من دون التقدم خطوة إلى الأمام في تحرير الأرض، ولا بد من عمليات ضمن استراتيجية وطنية تشارك في الاتفاق عليها وصوغها كل الفصائل، وتشارك في تنفيذها بوسائل مختلفة كل أطياف الشعب الفلسطيني، وإلا كنا أمام تضحيات مستمرة منذ قرن تقريباً من دون أن تؤدي إلى دولة أو تحرير.

يروي المؤرخ اليهودي برنارد لويس قصة حوار جرى مع شخصية أردنية قالت له: “لدينا الوقت، تخلصنا من الصليبيين والأتراك والبريطانيين وسنتخلص من اليهود”، فقال لويس “أنت تقرأ التاريخ خطأً، الأتراك تخلصوا من الصليبيين، والبريطانيون تخلصوا من الأتراك، واليهود تخلصوا من البريطانيين، فمن هو التالي؟”، والمطلوب مقاومة تطبّق نظرية الشخصية الأردنية.