حرب على “فكرة” الدولة وأخرى خارج “حل الدولتين”


“الطوق الصاروخي” يستهدف منع تل أبيب من مهاجمة طهران وليس لـ “تحرير” فلسطين

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

ليس ما أعلنه بنيامين نتنياهو أخيراً بصراحة فظة سوى تعبير بلا ظلال عن الموقف الاستراتيجي الأيديولوجي الحقيقي والثابت لإسرائيل، وهو لم يكن من أسرار الآلهة، لكن حكومات إسرائيل كانت توحي عبر خطاب مرن بأنه متحرك وقابل للتغيير إذا تغيّر الموقف العربي والفلسطيني الراديكالي الرافض لوجود إسرائيل. وكانت مواقف واشنطن وموسكو والعواصم الأوروبية ومعظم العواصم العربية تسهم في “تجميل” الواقع.

 نتنياهو تدرج في التعبير عن الموقف الحقيقي، فوقف ضد “اتفاق أوسلو” بين منظمة التحرير وإسرائيل من منطلق أن الاتفاق يفتح نافذة للتفاوض على قيام دولة فلسطينية ضمن ما صار يسمى “حل الدولتين”، وخاض الانتخابات النيابية تحت شعار لا لدولة فلسطينية، وفي الجلسة الأخيرة لأكثر الحكومات يمينية وتعصباً في تاريخ إسرائيل حث نتنياهو على “العمل لاجتثاث فكرة إقامة دولة فلسطينية”.

وإذا كان من الوهم اجتثات “فكرة”، فإن إسرائيل تمارس ذلك عبر بناء المستوطنات في الضفة الغربية بما لا يترك أرضاً لدولة فلسطينية. أما السلطة الوطنية الفلسطينية التي جاء بها “اتفاق أوسلو” وتبنت سياسة التفاوض والتخلي عن العمل المسلح، فإن نتنياهو يراها ضعيفة ويمارس كل ما يمكن لإضعافها ويقول إنه ليس معنياً بما يحدث لها.

والواقع أن عملية السلام التي أدارتها أميركا من أيام كيسنجر إلى أيام جاريد كوشنر صهر ترمب كانت عملية خداع. ويروي مارتن إنديك في كتاب “سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط” أن كيسنجر قال له “لم أظن لحظة بأنه ستكون هناك مصالحة”.

ما أراده كيسنجر في عملية السلام هو “العملية لا السلام، البحث عن نظام إقليمي لا عن سلام”، وهدفه، بحسب إنديك وكان من معاونيه، “إعطاء إسرائيل وقتاً لبناء قدراتها وإعطاء العرب وقتاً ليتعبوا من الصراع ويعترفوا بفوائد العمل مع جار إسرائيلي قوي، وبقاء أميركا لا يستغنى عنها”.

ما حدث في العملية بعد كسينجر مع كارتر وكلينتون هو إخراج مصر والأردن من اللعبة وإلهاء الفلسطينيين بالسلطة، وبقيت سوريا ومعها لبنان داخل اللعبة لأن الرئيس حافظ الأسد رفض العروض الناقصة حول الجولان ورأى أن اتفاق سلام ليس في مصلحته في هذا الوقت.

ويروي الرئيس كلينتون في مذكراته تحت عنوان “حياتي” أنه قال لنتنياهو خلال مفاوضات مباشرة مع السوريين بإشراف أميركي “السوريون قدموا لك كل المطلوب، فلماذا لا تعطيهم شيئاً؟”، ورد نتنياهو “هل تستطيع سوريا أخذ الجولان بالقوة؟”. قال كلينتون “كلا”، فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “لماذا أعطيهم ما لا يستطيعون أخذه بالقوة”.

وهذا هو التحدي الجديد أمام الفلسطينيين والعرب، وأمام ما يسمى “محور المقاومة” بقيادة إيران، فالتفاوض على تسوية في طريق مسدود والمناخ يشبه في الشكل نظيره الذي ساد بعد قيام إسرائيل عام 1948 حيث كان الشعار تحرير فلسطين على أيدي “دول الطوق” وهي مصر وسوريا والأردن ولبنان. لكن الطوق جرى فكه عبر معاهدات سلام، و”الطوق الجديد” الذي يكثر الكلام عنه ويضم غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن في “محور المقاومة” بقيادة إيران، وهو طوق صاروخي بشكل أساس والصواريخ تؤذي، لكنها لا تحرر أرضاً. والمقاومة المسلحة تبدو مفروضة من جديد على الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.

والسؤال هو، هل هناك بالفعل احتمال حدوث حرب شاملة مع إسرائيل؟

 إسرائيل تقول بلسان رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي إنها “قادرة ومستعدة لشن هجوم استباقي على إيران حتى من دون مساعدة الولايات المتحدة”، و”محور المقاومة” يتحدث يومياً عن حرب شاملة مع إسرائيل”، حتى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن “نهاية عصر المواجهات المحدودة، فالحرب الآن على كل الجبهات بعد تشكيل طوق جديد”.

إسرائيل ليست في حاجة إلى حرب شاملة لأنها تسيطر على الأرض، فهل تغامر إيران بحرب شاملة مع إسرائيل وهي ضد حل الدولتين أيضاً؟ الجواب صعب. لكن الانطباع السائد أن الطوق الصاروخي هو لمنع تل أبيب من مهاجمة طهران وليس لتحرير فلسطين، والفارق كبير بين تحرير فلسطين وبين الدفاع عن جمهورية الملالي.