لا المعارك انتهت ولا التسوية على الطاولة تمت والأزمة باتت أكثر عمقاً
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
12 سنة على انتفاضة شعبية تطالب بتسوية للأزمة في سوريا، اعتبرها النظام “مؤامرة”، وتحولت إلى حرب تدخلت فيها مباشرة وبالواسطة قوى عربية وإسلامية وإقليمية ودولية. والمشهد اليوم أخطر من الدمار الذي خلفه الزلزال الأخير، فلا الحرب انتهت، ولا تمت التسوية على الطاولة، وباتت الأزمة أكثر عمقاً.
النظام ثبت في مكانه، لكن سوريا خسرت مكانتها قبل الحرب. والمعارضون ضعفاء ومنقسمون وأسرى الدول التي تمول وتسلح. خمسة جيوش تتقاسم الجغرافيا السورية. والموفد الدولي الثالث غير بيدرسون شبه عاطل من العمل السياسي، ويلعب دوراً يشبه دور الهلال الأحمر والصليب الأحمر.
رئيس النظام السوري بشار الأسد يسيطر على “قلب سوريا” والساحل، و”هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها أبو محمد الجولاني تسيطر على إدلب وأجزاء من ريف حماة وحلب. وتركيا والميليشيات التابعة لها من سوريين وغيرهم تتحكم بالشمال، و”قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية تسيطر على ثلث مساحة البلد شرق الفرات بحماية قوات أميركية، وقوات الحرس الثوري الإيراني والميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية التابعة لها تتركز في الميادين وأبو كمال وأجزاء من ريف دير الزور غرب الفرات ومناطق في حلب والسيدة زينب وأجزاء من ريف دمشق.
“حزب الله” أيضاً يسيطر على القلمون وأماكن أخرى، والقوات الروسية في قاعدتي حميميم وطرطوس، وخارجهما. أما “داعش” الذي خسر أرض “خلافته” في العراق وسوريا فمنتشر في البادية ويقوم بعمليات إرهابية. وإسرائيل تقصف من الجو المراكز وقوافل السلاح الإيرانية، فيما نصف السوريين بين لاجئ إلى الخارج ونازح في الداخل، و90 في المئة من النصف الآخر تحت خط الفقر.
تطبيق القرار الدولي رقم 2254 صار حلماً. وقضت روسيا على “مسار جنيف” للتسوية هرباً من الرعاية الدولية، وفرضت “مسار أستانا” الذي تديره هي وتعطي لتركيا وإيران دور الكومبارس. ولا أفق لخروج أي قوات أجنبية، سواء جاءت بدعوة من دمشق أو فرضت نفسها بالقوة.
أما القوات الأميركية فباقية بشرق الفرات وفي منطقة “النتف” على الحدود العراقية – السورية – الأردنية. والرهانات العربية والغربية على روسيا لإخراج القوات الإيرانية من سوريا بسبب تضارب المصالح بدت أوهاماً، لا سيما بعد حرب أوكرانيا وحاجة موسكو إلى المسيرات الإيرانية.
والخطة الأخيرة التي اقترحها بيدرسون تحت عنوان “خطوة مقابل خطوة” رفضها النظام والمعارضون. حتى محادثات اللجنة الدستورية لإعداد دستور جديد توقفت تماماً بعد أن عجزت عن التقدم خطوة واحدة.
الجديد في المشهد هو بدايات الانفتاح العربي على سوريا. وحتى اليوم، فإن الدول التي قررت تسوية العلاقات مع دمشق هي التي مارست الأمر ذاته مع إسرائيل: مصر، والإمارات، وسلطنة عمان، والسودان. وأخيراً أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد أنه يعتزم إرسال سفير إلى دمشق قائلاً “النظام مسألة تخص السوريين، ونحن نتعامل مع الدولة”. وقبله، وفي موسم المساعدات الإنسانية للسوريين ضحايا الزلزال، ظهر موقف سعودي جديد، إذ قال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إنه “في غياب سبل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، بدأ يتشكل نهج آخر لمعالجة مشكلة اللاجئين ومعاناة المدنيين بعد الزلزال عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”. كذلك جرت محاولات لم تنجح لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
لكن السؤال لا يزال كما كان من البداية: عودة سوريا إلى الجامعة والعرب أم عودة العرب والجامعة إلى سوريا التي وصفت بأنها “قلب العروبة النابض”؟ وهل هناك فرصة لأن يقود الاحتضان العربي لدمشق إلى خروجها من الحضن الإيراني؟
ولكل سؤال جوابان مختلفان، بحسب الجهة التي تجيب. ومهما يكن، فإن الانفتاح العربي على سوريا هو طريق في اتجاهين، لا في اتجاه واحد. ومنطق الأمور هو أن تغيير الموقف العربي يحتاج إلى تغيير في نظيره السوري، وبالعكس.
حتى الآن، فإن سوريا تخطت مخاطر الإسلام السياسي عبر محاولات “الإخوان المسلمين” والأصوليات الآسيوية أخذ السلطة، وإن بقيت إدلب تحت سيطرة الجولاني الذي كان في “القاعدة”، وتضاءل خطر الإرهاب الذي يمثله “داعش”. والباقي كثير، ولا مهرب من الدور السوري لاستقرار الشرق الأوسط.