الانقسام ليس بين ترمب وخصومه السياسيين بل بين الخط الاستراتيجي والخط الانعزالي في الحزب
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابي
وإذ تنهي الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس هذا الشهر، وتخرج معالم النتائج تدريجاً إلى العلن، يتكثف التساؤل عن السياسات الخارجية في بداية 2023، بعد تسلم الأكثريات الجديدة للمسؤوليات في “الكابيتول هيل”، موقع الكونغرس الجغرافي. وما بات معروفاً في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) هو أن الديمقراطيين حافظوا على سيطرتهم على مجلس الشيوخ بفارق صوت، تحسم أكثريته العددية بصوت نائبة الرئيس كامالا هاريس لعامين إضافيين. أما بالنسبة للجمهوريين فالأرقام تشير إلى انتزاعهم مجلس النواب، ولو بمقاعد محدودة. وتبقى بعض الحالات للحسم في الأيام والأسابيع المقبلة، سواء كان في البرلمان أم مجلس الشيوخ، ولا سيما معركة جورجيا على مقعد سيناتور واحد. وبانتظار الأرقام الرسمية النهائية يطرح المهتمون بالسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط سؤالاً حول موقف الجمهوريين من الأجندات الأساسية حيال المنطقة. هل ستتأثر بإدارة جو بايدن؟ هل ستعود إلى سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب أم أنها ستعكس التوازنات الجديدة داخل المعسكر الجمهوري؟
المعسكر الجمهوري
أولاً، لا بد من معرفة القوى المسيطرة داخل الحزب الجمهوري في 2023، بالتالي من سيؤثر على قرارات رسم السياسة الخاصة بالشرق الأوسط. طبعاً لشرح موضوع كهذا بتفاصيله لا بد من مساحات طويلة ووقت مستطيل، إلا أنه بهدف التلخيص يمكن وصف المعادلات الحالية كما يلي. القوتان الرئيستان في الحزب هما ترمب من ناحية وخصومه الذين يتهمهم بأنهم جمهوريون بالاسم فقط، أو RINOs، من ناحية أخرى، ومن بينهم السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ والسيناتور ميت رومني والنائبة ليز تشيني، وغيرهم. وفي المقابل، هناك مؤيدو ترمب كزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي، الذي سيترشح لمنصب رئيس الهيئة النيابية عندما تتثبت الأكثرية القانونية فيها، والسيناتور تيد كروز والسيناتور ليندسي غراهام والنائب مات غايتز، وعشرات الأعضاء. عددياً، أنصار ترمب في الكونغرس يتفوقون على معارضته. أما في القاعدة الحزبية والشعبية، فمؤيدو الرئيس السابق هم الأكثرية الساحقة. لذا وإن كانت أصوات معسكر ترمب وخصومه تقريباً متعادلة في الإعلام، “فبحر” ترمب أوسع بكثير من “بحيرة” معارضيه في الكتلة الجمهورية في أميركا.
وهناك تحدٍ جديد من نوعه بدأ يواجهه ترمب لأول مرة منذ 2016، وهو صعود نجم بعض القيادات الجمهورية الشابة الذين يؤيدون الأجندات نفسها، لكن أداء هؤلاء بحسب كثير من مؤيديهم أفضل، وقد وصفهم مراقبون بأنهم ترمب في الموقف السياسي، ولكن “مختلفون في النهج والخطاب والتخطيط”، وأبرزهم اثنان، حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس وحاكم ولاية فيرجينيا غلين يونغكين، وهما قد حققا نصراً على الديمقراطيين في انتخابات ولايتهما وباتا نجمين بديلين عن قيادات جمهورية سابقة، لا سيما بسبب نجاحاتهما الاقتصادية محلياً في عصر الصعوبات الاقتصادية، وقد سبب ذلك تحدياً أمام المرشح الأقوى ترمب، منذ أن برزت تقارير عن احتمال ترشحهما أيضاً، والأخذ والرد مستمر بعد انتهاء الانتخابات النصفية، ولكن هل للتنافس بين ترمب ودي سانتيس أو يونغكين أي تأثير على السياسة الخارجية؟
أجندة الجمهوريين
على صعيد السياسة الخارجية، وبخاصة حيال الشرق الأوسط، الانقسام الجمهوري ليس بين ترمب وخصومه السياسيين، بل بين الخط الجمهوري الاستراتيجي والخط الانعزالي في الحزب. فترمب وكروز ومكارثي ودي سانتيس مثلاً، يتفقون جميعاً على أجندة الأمن القومي، وإن كان لهم طرق شخصية مختلفة، بمواجهة الانعزاليين كالسيناتور راند بول المؤيد للاتفاق النووي مع إيران والمنتقد لإسرائيل والسعودية. من هنا، فالجمهوريون تقريباً يتفقون على الأداء في المنطقة إذا قدر لهم أن يثبتوا قيادتهم لمجلس النواب، وهذه خطوطهم العريضة:
1. الاستمرار في مواجهة الإرهاب التكفيري، أو ما يسمى القوى الإسلامية المقاتلة (المتشددة)، بالتالي عدم التعاون مع “طالبان” أو الشراكة مع الميليشيات الإخوانية في المنطقة.
2. معارضة الاتفاق النووي الإيراني ومواجهة ميليشيات النظام الإيراني في المنطقة، بما فيها “حزب الله” والحوثي و”الحشد”، و طبعاً “الباسدران” و”قوة القدس”.
3. استمرار التحالف مع إسرائيل و الحفاظ على أمنها.
4. العودة لدعم التحالف العربي والشراكة مع أقطابه السعودية ومصر والإمارات.
5. تقوية وتوسيع معاهدة أبراهام.
هذه المحاور تشكل المبادئ الأساسية لسياسة الجمهوريين إذا سيطروا على مجلس النواب، بمواجهة سياسة بايدن – أوباما، التي ستمر من مواقع الإدارة ومجلس الشيوخ.
ولكن السؤال الخاتم لهذا الملف هو قدرة قيادة الجمهوريين في الكونغرس على أن تحسن التعاطي مع هذه القضايا، وهل سيكون لها الوقت الكافي لتنفيذ تغيير كهذا؟ هذا أمر مفتوح على التكهنات. سنرى.
اندبندنت عربيه