قمة تقسيم العالم.. إليك نقاط الاتفاق القليلة المحتملة بين رئيسي أمريكا والصين قبيل لقائهما ببالي

سوف تشكل القمة الأمريكية الصينية المرتقبة العالم لعقود قادمة، مثلما شكلت قمة بوتسدام العالم بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اقتسم الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة وبصورة أقل بريطانيا أوروبا بين شرقية وغربية، ووضعت قواعد التنافس بين القوتين العظميين.

من المتوقع أن يناقش الرئيس جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الإثنين 14 فبراير/تشرين الثاني خلال القمة الأمريكية الصينية التي تعقد على هامش قمة العشرين بجزيرة بالي الإندونيسية، شكل علاقة قالت عنها الولايات المتحدة إنها تشكل أكبر تهديد اقتصادي وعسكري لها.

وفي الوقت نفسه، شدد مسؤولون أمريكيون غير مرة على أنهم يعتبرون العلاقات بين البلدين تنافسية، وأنهم لا يرغبون في نشوب حرب.

تقرير لصحيفة The Independent البريطانية عرض ما يأمل كل جانب في تحقيقه من أول لقاء شخصي بين الزعيمين، الذي سينعقد في جزيرة بالي الإندونيسية..

ماذا يريد بايدن من القمة الأمريكية الصينية المرتقبة؟

الهدف الأول لبايدن والمسؤولين الأمريكيين الآخرين هو أن يفهموا أين يقف شي فعلياً.

ففي مؤتمر صحفي قبيل مغادرته واشنطن، قال بايدن إنه يرغب في “تحديد جميع خطوطنا الحمراء، وفهم ما يرى شي أنه يصب في المصالح الوطنية المهمة للصين، وما أعرف أنه المصالح المهمة للولايات المتحدة”.

إليك نقاط يرى أنه يمكن التعاون مع الصين فيها

ويتطلع الرئيس الأمريكي إلى نقل مخاوف البيت الأبيض من السياسات الاقتصادية الصينية إلى شي. ومن المؤكد أنهما سيناقشان مسألة تايوان، وقد يؤكد بايدن لشي أن الولايات المتحدة ستكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن الجزيرة في حالة تعرضها لهجوم من الصين. وقد يناقش بايدن أيضاً مخاوفه إزاء ممارسات حقوق الإنسان في بكين، مثلما فعل في محادثاتهما السابقة.

وقد يستغل بايدن أيضاً الاجتماع للضغط على شي كي يتخذ موقفاً أشد حسماً من غزو روسيا لأوكرانيا. 

إذ قال جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي: “نرى أنه على كل دولة في العالم أن تفعل ما بوسعها لإقناع روسيا، وخاصة من لديها علاقات معها، بإنهاء هذه الحرب ومغادرة أوكرانيا”.

وأخيراً، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم متشوقون لمعرفة المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها القوتان العظميان فعلياً. ورغم أن بايدن وشي قد لا يتفقان في أمور كثيرة، وضع البيت الأبيض قائمة بالقضايا التي قد يتفقان فيها، مثل الصحة، ومكافحة المخدرات، وتغير المناخ.

التوقف عن تشجيع تايوان على الانفصال أبرز ما تريده بكين من واشنطن

أما عن الجانب الصيني، فلم يقدم شي قائمة أمنيات للمحادثات مع بايدن، لكن بكين تريد تحركاً أمريكياً في مسألتي التجارة وتايوان.

ولعل الأهم من ذلك أن اجتماع مجموعة العشرين في بالي والاجتماع مع بايدن يمنح أقوى زعيم صيني منذ عقود فرصة لتعزيز صورة بلاده باعتبارها طرفاً عالمياً فاعلاً ينافس أمريكا، وصورته هو نفسه على أنه شخصية تصنع التاريخ ويقود بلاده لتبوؤ دورها الشرعي كقوة اقتصادية وسياسية.

القمة الأمريكية الصينية
زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان/ رويترز

وكتب كيفين رود، رئيس الوزراء الأسترالي السابق ورئيس جمعية آسيا Asia Society، في مجلة Foreign Affairs أن الصين تنتهج “سياسات خارجية وأمنية حازمة تهدف إلى تغيير الوضع الدولي الراهن”، وإن هذا أدى إلى توتر العلاقات مع واشنطن وأوروبا وجيران الصين في آسيا، لكن شي ليس منزعجاً، ويبدو عازماً على مواصلة طموحاته الخارجية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، إن هذا الاجتماع “حدث مهم لدبلوماسية رئيس الدولة الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”. وقال إن شي “سيلقي خطاباً مهماً” عن النمو الاقتصادي.

ودعا تشاو إدارة بايدن إلى “التوقف عن تسييس” التجارة وإلى دعم مطالبات بكين بشأن سيادتها على تايوان.

ووقف الحرب التجارية التي أشعلها بايدن

وما تريده بكين من واشنطن أن تلغي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019 وكذلك القيود على حصول الصين على رقائق المعالجات وغيرها من التكنولوجيا الأمريكية. على أن بايدن لم يرفع معظم هذه القيود، بل أضاف قيوداً على تكنولوجيا يقول المسؤولون الأمريكيون إنه يمكن استخدامها في تصنيع الأسلحة.

وقال تشاو: “على الولايات المتحدة أن تتوقف عن التعتيم على مبدأ الصين الواحدة وتشويهه”.

ومن أهداف شي الأخرى ألا يُصاب بكوفيد-19.

فقمة مجموعة العشرين ستكون ثاني رحلة خارجية لشي فقط في غضون عامين ونصف، وحكومته تطبق استراتيجية “صفر كوفيد” التي أغلقت المدن ومنعت زيارة الصين.

وخالف شي هذا الحظر بحضور قمة سبتمبر/أيلول مع بوتين وزعماء آسيا الوسطى. لكنه امتنع عن المشاركة في عشاء وجلسة تصوير لم يكن فيها بوتين وآخرون يرتدون الكمامات.

على أن صحيفة Financial Times ترى أن العقبات لا تزال كبيرة. إذ يقول المسؤولون الأمريكيون إن شي لم يتطرق إلى محادثات الأسلحة النووية التي قال إن الصين ستخوضها قبل عام. ويبدو صعباً أيضاً أن يتوصلا إلى توافق على تايوان، التي تعد القضية الأكثر إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الصينية.

يقول إيفان ميديروس، الخبير في الشؤون الصينية بجامعة جورج تاون، إن بايدن يريد أن تستقر العلاقات بين البلدين وأن يمنع “تدهورها” فيما يخص تايوان. وقال إن بايدن سيحاول طمأنة شي بأنه لم يغير سياسة “الصين الواحدة”، التي تعترف الولايات المتحدة بموجبها بأن بكين هي الحكومة الوحيدة للصين وتعترف- دون أن تؤيد- بالموقف الصيني القائل بأن تايوان جزء من الصين.

لكن ميديروس لفت إلى أن الخلاف الحاد بين البلدين يقلل من احتمال نجاح هذه القمة. وقال: “هذه القمة الواحدة لن تنقذ العلاقات ولن تعيد تشكيلها. بل ما ستفعله في أحسن الأحوال أنها ستبطئ تدهورها”.

وقالت بوني غلاسر، الخبيرة في الشؤون الصينية في صندوق مارشال الألماني، إن بكين بعثت بإشارات بأنها لا ترغب في أن تتدهور العلاقات.

وقالت: “ربما منح ذلك بايدن الأمل في وجود أهداف مشتركة، بالنظر إلى الرغبة في وضع أساس لهذه العلاقة. لذا، ربما سنتمكن من إحراز تقدم. لكن ثمة احتمال قوي بأن يكون لهذا الاجتماع نتائج مشابهة جداً للاجتماعات السابقة”.

ويقول دبلوماسي صيني إنه توجد فرصة لأن يساهم هذا الاجتماع في تقدم العلاقات، لأن “الجانبين يبذلان جهوداً” وإن بعض القضايا يمكن حلها. وقال إن الصين تأمل في أن تصدر الولايات المتحدة تأشيرات تأجلت كثيراً للطلاب الصينيين، وإن على بكين أن تسهّل زيارة الصين على الأكاديميين ورجال الأعمال الأجانب.

وقال محللون صينيون إنه يمكن استئناف بعض المحادثات بين المسؤولين، التي أوقفتها بكين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس/آب.

قال تشو فنغ، خبير العلاقات الدولية في جامعة نانجينغ: “الصين لا تريد حرباً باردة جديدة، ولكن لدينا طلبات كثيرة للولايات المتحدة”.

على أن التشاؤم كان الشعور السائد بين بعض الخبراء الصينيين. إذ قال وو شينبو، عميد معهد الدراسات الدولية في جامعة فودان: “في الماضي، كانت القضايا الأمنية والاقتصادية ركائز منفصلة في العلاقات الثنائية، لكن القضايا الاقتصادية أصبحت الآن مرتبطة بالمخاوف السياسية والأمنية.

وقال دينيس وايلدر، محلل الشؤون الصينية سابقاً في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي يعمل الآن في جامعة جورج تاون، إن على بايدن تكثيف الجهود لتعزيز التوازن.

قال وايلدر: “أنا لا أقول إنهم لم يفعلوا أموراً جيدة، مثل أوكوس (الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة)، وتعزيز العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية ومع دول المحيط الهادئ. لكن من الضروري تحقيق التوازن. وإلا فهذه العلاقة مصيرها الانهيار لا محالة”.

وقال وانغ تشونغ، الخبير الأمريكي في جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية، إن هذا الاجتماع قد يساعد في استقرار العلاقات، بعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية وتأمين الرئيس شي لولاية ثالثة بعد اجتماع الحزب الشيوعي الصيني.

وقال: “مؤتمر الحزب الصيني وانتخابات التجديد النصفي انتهيا في الولايات المتحدة. وأصبح كلا البلدين مطمئنين إلى حد ما على المشكلات الداخلية. وهذا الاجتماع سيكون له تأثير إيجابي على تخفيف التوترات”.

ورغم أن أداء الديمقراطيين كان أفضل من المتوقع في انتخابات التجديد النصفي، لا يزال من المحتمل جداً أن يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، وهذا سيمنح المشرعين الجمهوريين الذين يريدون أن تتبنى واشنطن موقفاً أكثر صرامة مع الصين سلطة أكبر. ولا يزال من غير الواضح أيضاً إن كان شي يثق في قدرة بايدن على تخفيف التوترات، حتى لو كان هذا هو هدفه.

يقول أحد الخبراء في العلاقات الأمريكية الصينية: “الصينيون لا يعتبرون بايدن رئيساً قوياً. ويرون أنه يشعر بقلق مفرط من الجمهوريين، وأنه يُنظر إليه على أنه متساهل مع الصين”.

وأضاف: “ليس أكيداً أيضاً من أنه سيبقى في السلطة لأكثر من عامين، لذا لا يُعرف إن كانت بكين ستواصل الاستثمار فيه”.