مُنذ العهد الفينيقي، وحتى العهد الحديث، لطالما كانت الجزائر، موطناً لأقدم الحضارات والإمبراطوريات التي عرفتها البشريّة، وليس غريباً أن تتبوأ الكثير من مُدنها منصب عواصم تلك الممالك والدول التي وُجدت قديماً.
الجزائر البلد العربي الوحيد الذي شهد 10 عواصم تاريخية
من مدينة سيرتا النوميدية وحتى العاصمة الحالية، تعتبر الجزائر البلد العربي الوحيد الذي شهدت أراضيه 10 عواصم مُختلفة عبر التاريخ، والتي سنتعرّف عليها في هذا التقرير:
1- سيرتا (قسنطينة) عاصمة المملكة النوميدية
نشأت مملكة نوميديا في الفترة الممتدة ما بين 202 حتى 46 قبل الميلاد، وهي مملكة أمازيغية شملت أجزاءً من الجزائر وتونس وليبيا، وكذلك جزءاً في أقصى شرق المغرب حتى وادي ملوية.
في حين كانت مدينة “سيرتا” (قسنطينة حالياً) هي عاصمة المملكة النوميدية الموحدة سياسياً وثقافياً، كما كانت عاصمة كونفدرالية المستعمرات الأربع – سيرتا قسنطينة، ميلاف ميلة، سيلو القل، روسيكادا سكيكدة في عهد الرومان.
فيما كانت السلالة الطاغية آنذاك هي التي تُسمى اليوم “كتامة” أكبر القبائل الأمازيغية على الإطلاق، ومنها سلالة ملوك الأمازيغ.
2- سيقا (عين تموشنت) عاصمة المملكة النوميدية الغربيّة
بعد وفاة ماسينيسا، أشهر الملوك النوميديين، تم تقسيم نوميديا الأمازيغية إلى قسمين، أو مملكتين، يفصل بينهما نهر أمبساغا:
القسم الشرقي: كان تحت سيطرة قبيلة الماسيل، عاصمتها سيرتا (قسنطينة حالياً).
القسم الغربي: كان تحت سيطرة قبيلة الماسيسيل، وعاصمتها مدينة “سيقا”، الواقعة حالياً بولاية عين تموشنت غرب الجزائر.
وقد سُمّيت المدينة باسم “سيقا” نسبة إلى “السُقيا” والرّي وكثرة سواقي الماء؛ لأنها تطلّ على “نهر أمبساغا”، إضافة لازدهار الزراعة فيها، خاصّة الزيتون والعنب.
3- شرشال عاصمة موريتانيا القيصرية
في العام 49 قبل الميلاد، شارك يوبا الأول، ملك نوميديا، إلى جانب الملك الروماني غانيوس بومبيوس ماغنوس في حربه ضد الإمبراطور قيصر، ولكنه، وبسبب هزيمته، قام بالانتحار، تاركاً ابنه “يوبا الثاني” الذي عاش في روما منذ أن كان في الـ5 من عمره؛ ليتعلم على الأسس الرومانية أن يتسلم سدة الحكم.
وفي العام 25 قبل الميلاد، تسلم يوبا الثاني عرش والده، وجعل من مدينة “شرشال”، الواقعة في ولاية تيبازة، عاصمة لموريتانيا القيصرية، وحوّل اسمها إلى “قيصرية”، تكريماً للإمبراطور الروماني أغسطس قيصر.
4- تاهرت عاصمة الدولة الرستمية
أنشأ الرستميون، أو بنو رستم، وهم سلالة حاكمة تنتمي إلى مذهب الخوارج الإباضية دولتهم الثيوقراطية الخاصة بهم في بلاد المغرب الأوسط بين عامي 776 حتى 909، واتخذوا من مدينة تاهرت أو تيهرت (تيارت حالياً) عاصمة لدولتهم.
وبعد قيام الدولة الفاطمية وقضائها على حكم الأغالبة استولت الجيوش الفاطمية على تيهرت ودمّروها، كما سيطروا على مناطق نفوذ الرستميين وخلعوا آخر حكام الرستميين، وهو يقظان بن محمد سنة 900 ميلادية.
5- آشير عاصمة الدولة الزيرية
تعتبر مدينة آشير (المدية حالياً) أول عواصم الدولة الزيرية، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي على سفح جبل التيطري، ولكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب، من إفريقيا إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس.
بلغت مدينة آشير خلال الحكم الزيري درجة الذروة في الازدهار العلمي والاجتماعي، جذبت العلماء من كل جهة وقصدها الشعراء والرحالة من كل دول العالم.
وبعد زوال الحكم الزيري في القرن الـ11، حلت محلها شعوب ودول أخرى منها: الهلاليون والمرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين، ثم الحفصيون في القرن الـ12 تحت قيادة أبو زكريا الحفصي.
6- قلعة بني حماد عاصمة الدولة الحمادية
وكذلك الأمر كان بالنسبة لمدينة “قلعة بني حماد” الواقعة شمال شرق ولاية المسيلة بالجزائر، التي كانت أول عواصم الدولة الحمادية قبل مدينة بجاية.
وتقع المدينة على ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر، وهي محاطة بجبال الحضنة التي تشكل خلفية ملائمة للقلعة.
وتُعد قلعة بني حماد بالمعاضيد التابعة لولاية المسيلة من رموز الدولة الإسلامية بالجزائر، وتعتبر امتداداً لدولة حماد بن بلكين، الذي حاول صقل وتثبيت الهوية الإسلامية، ورغم أهمية هذا الصرح التاريخي والإسلامي الكبير فإن القلعة باتت في طريقها إلى الزوال حالياً.
7- بجاية عاصمة الدولة الحمادية
ظلت قلعة بني حماد عاصمة للدولة الحمادية منذ عهد مؤسسها حماد وحتى عهد الناصر بن علناس بن حماد، الذي قرر نقل العاصمة منها إلى مدينة بجاية؛ لتصبح هي ثاني عواصم الدولة الحمادية.
وتمتعت “بجاية” في ظل الحماديين بسمعة وشهرة واسعتين، استمدتهما من معاهدها الثقافية المتعددة، وتجارتها الرائجة على الشاطئ الإفريقي، واستقبالها الفارين من محاكم التفتيش بالأندلس.
كما اشتُهرت بعد ذلك بقوتها البحرية التي دافعت بها عن شواطئ المغرب العربي كله، فساهمت في الحفاظ على الحضارية والهوية الإسلامية للمنطقة.
8- تلمسان عاصمة الدولة الزيانية
تأسست الدولة الزيانية بعد زوال الموحدين عام 1236 من خلال بني زيان، وهم قبيلة ذات أصول أمازيغية، وبسطوا نفوذهم على الجزائر من العام 1236 حتى العام 1554.
في حين اتخذوا من مدينة تلسمان، الملقبة بـ”لؤلؤة المغرب العربي” عاصمة لهم، نظراً لموقعها على طريق التجارة بين الشمال والجنوب.
9- معسكر عاصمة دولة الأمير عبد القادر
إمارة عبد القادر أو مقاومة عبد القادر، وعاصمتها الأولى مدينة “معسكر”، التي تبعد نحو 60 كيلومتراً جنوب شرق وهران، وهي إمارة أسسها عبد القادر الجزائري بمبايعة من الشعب الجزائري لمقاومة الإحتلال الفرنسي للجزائر.
كانت مدينة معسكر مجرد قرية صغيرة اتخذها الرومان مقراً لجنودهم وأطلقوا عليها اسم كاسترا نوفا.
ولكن بعد استيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر العاصمة سنة 1830 عرفت المدينة مرحلة جديدة في تاريخها، بدخول أهلها في المقاومة بقيادة الشيخ محيي الدين، والد الأمير عبد القادر الجزائري.
وبعد مبايعة عبد القادر الجزائري دخلها ونزل في دار الحكومة، فأصبحت المدينة عاصمة لإمارته، وبقيت هكذا إلى أن استولى عليها الفرنسيون في 6 ديسمبر 1835 وأحرقوها.
10- الجزائر عاصمة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
مدينة الجزائر هي عاصمة الجمهورية الجزائرية، وأكبر مُدنها من حيث عدد السكان.
وفي العصور القديمة، وتحديداً في زمن الفينيقيين في الألفية الأولى قبل الميلاد، كان يُطلق على المدينة اسم “إكوزيوم”، وهم أول من أسسوا المدينة.
مع تحقيق الجزائر استقلالها عن الاحتلال الفرنسي في 5 يوليو/تموز 1962، تم تعيين مدينة الجزائر عاصمة للجمهورية.
عربي بوست