يتداول محافظون اليوم نظرية تنطوي على تنفيذ مؤامرة شريرة على ما يبدو لحملنا على أكل هذه “الثروة الحيوانية الصغيرة”
كيفن إي جي بيري
تقوم نيكول كيدمان بإمالة رأسها إلى الخلف، وتنظر إلى الكاميرا وتدخل دودة قرنية بلون أزرق شاحب لا تزال تتلوى، إلى فمهما المفتوح على اتساعه. بعد ذلك، تتلذذ بكومة كثيفة من ديدان الدقيق، وتقرمش بعض صراصير الليل وتنهي وجبتها بطبق شهي من الجنادب المقلية. هذا ليس مشهداً منسياً لأحد التحديات في برنامج تلفزيون الواقع “أنا شخصية مشهورة…” I’m a Celebrity لو كان من إخراج ستانلي كوبريك، لكنه مقطع فيديو موجود على منصة “يوتيوب” نشرته مجلة “فانتي فير” Vanity Fair عام 2018. إنه جزء من سلسلة مقاطع نرى فيها نجوماً يستعرضون “مواهبهم السرية”. نشاهد في أحدها أوبرا وينفري تنظف فضلات الكلاب، وفي آخر مايكل بي جوردان يكوي الملابس. أما بالنسبة إلى كيدمان، التي تتناول وجبة خفيفة مما تسميه “الثروة الحيوانية الصغيرة” باستخدام أعواد الأكل الصينية، فإن موهبتها أكثر لفتاً للانتباه. تقول بابتهاج “يأكل مليارا شخص في العالم الحشرات… وأنا واحدة منهم!”.
في حين أن المتفرج العادي قد يرى فقط ممثلة محبة للطعام حريصة على إظهار ذوقها الجريء، توصل عديد من صفحات الإنترنت التي تمتلك عقلية نظرية المؤامرة إلى استنتاج مفاده بأن هناك شيئاً أكثر خطورة يحدث. بالنسبة إليهم، فإن الفيديو الذي تبلغ مدته دقيقتين ليس سوى دليل على حملة عالمية من قبل النخب الغامضة لإقناعنا بأننا يجب أن نكون سعداء بالاقتئات على الحشرات المقززة. في هذه الأثناء، يقوم الأثرياء وأصحاب السلطة بالاحتفاظ بالمأكولات الراقية لأنفسهم. في وقت سابق من هذا العام، كتب أحد المعلقين على مقطع كيدمان على “يوتيوب”، “اقشعر بدني بسبب ضحكتها الساحرة الشريرة… هذا ما تريد النخبة أن نأكله: الحشرات [بينما] هم يتناولون شرائح اللحم وكل ما يخطر ببالك من الأطعمة الرائعة”. وأشار آخر إلى أن هناك سلطات تفوق محرري مجلة “فانيتي فير” وراء المقطع. وكتب “أحسنت يا نيكول!!!… لقد ضمنت منصبك كسفيرة للحشرات في المنتدى الاقتصادي العالمي!”.
المنتدى الاقتصادي العالمي، يشكل بعبعاً له شعبية في أوساط الجماعات اليمينية المتطرفة مثل مجموعة كيو أنون QAnon التي تفترض أن “الدولة العميقة” من الأثرياء والأقوياء يتاجرون بالأطفال بينما يضغطون على الأزرار التي تتحكم بالعالم. تقول الصحافية نيكي وولف، التي أمضت عاماً في إعداد تقارير عن جماعة كيو أنون ومتابعيها ضمن المدونة الصوتية “العثور على كيو”، “من السهل تصوير أية مؤسسة عالمية على أنها جزء من مؤامرة… المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي، بسبب طبيعتهما أكثر من أي شيء آخر، يتم تصويرهما على أنهما جزء من ’حكومة العالم الواحد‘”.
لا يقتصر الأمر على أشباه جماعة كيو أنون ومعلقي “يوتيوب” المقتنعين بأن هناك عصابة سرية تدفع الحشرات إلى موائدنا. في يوليو (تموز)، قام إريك بولينغ، مذيع تلفزيوني في قناة “نيوزماكس” الإخبارية الأميركية اليمينية المتطرفة، بتخصيص فقرة في برنامجه “التوازن” The Balance للتكهن بأن بيل غيتس وجورج سوروس و”النظام العالمي الليبرالي” حريصون على تشجيع أكل الحشرات بينما يخزنون مزيداً من الأطعمة التقليدية لأنفسهم. قال بولينغ “لا أستطيع حقاً تخيل جورج سوروس يأكل برغر الصراصير، أو بيل غيتس يتناول سندويشات العقارب، أو نانسي بيلوسي تتلذذ بفطيرة مصنوعة من الجنادب الحقيقية… لا، الحشرات لي ولكم فقط”.
أحد الأشخاص الذين يحاولون حقاً تشجيع العالم على أكل مزيد من الحشرات هو الشيف جوزيف يون مؤسس منظمة “حشرات بروكلين” Brooklyn Bugs. قبل خمس سنوات، خطرت ببال يون فكرة أن يصبح سفيراً للحشرات الصالحة للأكل بعد قراءة نشرة للأمم المتحدة بعنوان “حشرات صالحة للأكل: آفاق مستقبلية للأمن الغذائي والأعلاف” Edible Insects: Future prospects for food and feed security. منذ إطلاق “حشرات بروكلين” التي تشجع على تناول الحشرات الصالحة للأكل وزيادة الوعي بذلك، غالباً ما يصطدم يون بمقاومة الأشخاص الذين يعتقدون أنه هو أيضاً بالتأكيد متورط في المؤامرة. يقول “عندما أحضر بعض الفعاليات يقوم الناس بمواجهتي وشتمي… يثير هذا ببساطة السؤال عن سبب استفزاز هؤلاء الناس؟ لماذا تشعرهم الأفكار الجديدة بالتهديد؟”.
يشير يون إلى أن اهتمام النخب الثرية في الحقيقة ضعيف تجاه الأفكار المتطرفة مثل دمج البروتين الحشري في وجباتنا الغذائية، يقول “سيفترض الأشخاص الذين لا يعرفون شيئاً تقريباً أسوأ الافتراضات… سيقولون ’أوه، الأثرياء سيجعلوننا نأكل الحشرات وهم سيأكلون كل اللحوم‘. من هم هؤلاء الأثرياء الذين يتحدثون عنهم؟ رجال الأعمال العاديون الذين يستثمرون في الوقود الأحفوري هم الذين يشكلون جزءاً من هذا النظام المعطوب. ليس هؤلاء من يحاولون إقناعكم بأكل الحشرات”.
الحقيقة هي أن هناك عديداً من الأسباب الوجيهة لتناول البروتين الحشري، ليس أقلها أهمية التأثير البيئي. تتطلب تربية الحشرات مثل الصراصير الليلية والجنادب قدراً من العلف والأراضي والمياه أقل مقارنة بالماشية التقليدية مثل الخنازير والأبقار، وتنتج من تربيتها كميات أقل بكثير من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. هذه هي الرسالة التي يأمل يون في نشرها من خلال عمله في مؤسسة “حشرات بروكلين”، الذي سيكون السبب في ذهابه نهاية هذا الأسبوع إلى مصر لمشاركة خبرته في قمة الأمم المتحدة للمناخ كوب 27. يقول “إن فكرة أكل الحشرات تثير فضول المرء على الفور… ستمكننا القمة من التحدث عن أشياء ذات قيمة لا تقدر بالنسبة إلينا في مجالات الأمن الغذائي والعدالة الغذائية والاستدامة وحماية البيئة”.
توجد اليوم مزرعتان ضخمتان لإنتاج الصراصير الليلية في أميركا الشمالية، وتبيعان منتجاتهما بالفعل لمحال السوبر ماركت البريطانية. في عام 2018، بدأت محال سينزبيريز ببيع الصراصير المقرمشة بنكهة المشويات بسعر 1.5 جنيهاً استرلينياً للحصة الواحدة، بينما كانت شركة “يام باغ” Yum Bug التي تتخذ من لندن مقراً لها الشهر الماضي من بين المتسابقين في برنامج الواقع على قناة 4 “آلديز نيكست بيغ ثينغ” Aldi’s Next Big Thing. كما شهد الشهر الماضي ظهور حلوى الشوكولاتة ترافل المحشوة بالصراصير الليلية في برنامج “مسابقة الخبز البريطانية”. يشير يون إلى أنه “يتم تناول الحشرات بالفعل في 80 في المئة من دول العالم… يجب أن نتعلم عن هذا الغذاء القديم الذي كنا نتناوله منذ بداية البشرية، وليس نبذه وتحويله إلى شيء يأكله الفقراء فقط بعد كارثة نهاية العالم”.
بينما قد ينادي منظرو المؤامرة بصوت عال بأنهم لن يتخلوا أبداً عن شرائح اللحم التقليدية مهما حصل، إلا على جثثهم، فإن يون يقدم حجة مقنعة. ما يحاول المدافعون عن أكل الحشرات فعله حقاً هو إعطاء رواد المطعم خيارات أكثر، وليس أقل. يقول “نحن لا نحاول استبعاد أي طعام… فعلياً، نحاول أن نضيف إلى نظامكم الغذائي بروتيناً مستداماً غنياً بالمغذيات ولذيذ الطعم. يمكنكم إضافة مسحوق الصراصير الليلية إلى عصير الفواكه على وجبة الإفطار، أو مزجه مع المقبلات المقلية. الشيء الوحيد الذي يضع حداً لاستخدام الحشرات هو مخيلتكم”.
إذاً، كونوا مطمئنين، لن تأتي نيكول كيدمان لأخذ برغر اللحم الخاص بكم، إنها تعرف تماماً ما الطعام الجيد.
© The Independent