“تعرف واشنطن أن فض الشراكة مع الرياض يقود إلى الخروج الأميركي من الخليج كله”
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ليس من السهل ولا قليل الخطورة هز التحالف الاستراتيجي بين أميركا والمملكة العربية السعودية. وهو تحالف بدأه الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت في لقاء “كوينسي” في عام 1945 وازداد عمقاً وتوسع أفقياً مع الوقت، لكن التحالف لا يلغي حرية القرار وفق المصالح الوطنية، ولا يستقيم ميزانه إلا بتأمين المصالح المشتركة. في عام 1973 قرر الرئيس نيكسون “مراجعة” العلاقات مع الرياض بعدما قرر الملك فيصل وقف تصدير النفط إلى أميركا وأوروبا في حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل كسلاح ضد الانحياز الغربي إلى الدولة العبرية. واليوم يقرر الرئيس بايدن “مراجعة” العلاقات مع السعودية بسبب قرار “أوبك+” خفض مليوني برميل من إنتاج النفط بحجة أن القرار سياسي، مع أنه اقتصادي فرضه العرض والطلب في السوق. فكان مطلب واشنطن ليس إلغاء قرار الخفض بل تأجيله شهراً إلى ما بعد الانتخابات النصفية للكونغرس في الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). والسبب هو الخوف من تأثير الخفض في رفع الأسعار، بالتالي على حظوظ الحزب الديمقراطي بما يعزز حظوظ الحزب الجمهوري وعودة الرئيس السابق دونالد ترمب للبيت الأبيض ويفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن كل مراجعة تصطدم بأخطار التهور في هز العلاقات، فالوجود العسكري الأميركي في المنطقة يخدم الأمن القومي الأميركي، لا فقط أمن السعودية والخليج. وتزويد المنطقة بالسلاح هو مصلحة استراتيجية ومالية أميركية قبل أن يكون حاجة للمنطقة القادرة على التسلح من مصادر عدة. واشنطن تعرف أن فض الشراكة مع السعودية يقود إلى الخروج الأميركي من الخليج كله. والرياض تدرك أن روسيا والصين ليستا الخيار الاستراتيجي البديل من أميركا. وأكبر حماقة ترتكبها واشنطن، كما يقول أصدقاؤها في آسيا والشرق الأوسط، هي وضع هؤلاء الأصدقاء أمام خيار محدد: معنا أو مع روسيا والصين. فمن مصلحة كل بلد توسيع خياراته من دون أن يضر بخياره الاستراتيجي الأساسي. ولا معنى للتحالف الاستراتيجي إذا كان يخدم مصالح أميركا وحدها.
في كتاب “رؤية أم ميراج: العربية السعودية على مفترق طرق” يقول المؤلف ديفيد رندل إن “السعودية حليف صعب، لكنه مهم جداً لكي تضعه جانباً”. ويضيف أن “التحالف مع أميركا يمكن أن يكون تجربة صعبة تقود إلى الغضب. فلا أمة قوية مثلها، وهي تستطيع أن تطلق العنان لخياراتها ونزواتها، كما لا يستطيع أحد. وهذا يجعلها غير قابلة للتنبؤ بأفعالها، متغيرة منافقة وحتى مراوغة لحلفائها”. ويقول الخبير الاستراتيجي كنيث بولاك في قراءته للكتاب، “السعوديون تعلموا الدرس بعد هجمات إيران على صناعة النفط في عام 2019، حيث قابلتها أميركا بقليل من الاهتمام”. أما فيليب غولب فإنه يضع “السعودية وإسرائيل في خانة الحليف المزعج لأميركا والغرب، ولكن لا مفر منه”. وما يراه هو أنه “في أميركا تناقض بين الأهداف العالمية لرأس المال التي تتجاوز الاعتبارات السياسية وبين الحسابات الجيوسياسية للإدارة”.
والسؤال هو: إلى أي مدى يذهب بايدن في “مراجعة” العلاقات مع الرياض؟ مهما يكن الجواب، فإن أي قرار سلبي هو نوع من إطلاق أميركا للرصاص على قدمها. فهي في صراع مع إيران ومشروعها الإقليمي الممتد من الخليج إلى البحر المتوسط عبر سوريا ولبنان. وهي في مشكلة مع تركيا وطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان الإمبريالية وتقاربه مع موسكو. علاقاتها مع إسرائيل، وهي أولوية قصوى عندها، معرضة للاهتزاز إذا فاز اليمين المتشدد العلماني والديني في الانتخابات وعاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. وما بقي لها من نفوذ في العراق يهتز وينكمش. وليس لديها خطة استراتيجية واضحة لما تريده في سوريا من وجودها العسكري شرق الفرات، بصرف النظر عن دعم الكرد ومحاربة “داعش”. والتحدي الكبير أمامها، فوق ذلك، هو الصراع الجيوسياسي مع الصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والمواجهة غير المباشرة مع روسيا في حرب أوكرانيا ومضاعفاتها في أوروبا وأولها زيادة أسعار النفط والغاز.
ولا شيء في ما يمكن أن يذهب إليه بايدن في “المراجعة” يؤثر في تمسك الرياض بحرية القرار والخيار والحرص على جوهر التحالف الاستراتيجي مع أميركا، وهو ضمان المصالح المشتركة.
المقالة تعبر عن راي كاتبها
اندبندنت