ستبقى إيران جارتنا إلى يوم القيامة. ولن تكون كما نشاء. ليس المطلوب أن تكون كما نشاء. المطلوب أن تتحرر من الكراهية التي اتصفت بها علاقتها بنا. ليس الخميني السبب. يمكننا أن نقول ذلك إذا ما عدنا إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان هو الآخر عهد كراهية ومؤامرات غير أنه لم يكن عهد غزوات مزجت الدين بالسياسة وفاحت رائحة الطائفية العفنة منها.
يوم كان محمد رضا بهلوي ملكا لم تكن علاقة إيران بالعرب جيدة غير أنها لم تكن سيئة إلى درجة الحرب. كان الشاه رجل دولة عاقلا بحيث أنه قبل بأريحية التوقيع على اتفاق الجزائر عام 1975 مع العراق الذي تخلت إيران بموجبه عن الأكراد لتضمن العلاقة مع دولة، كل المؤشرات تؤكد أنها ماضية في طريق التقدم. كان العراق قد أمم نفطه وبدا دولة ثرية، تحتاج إلى بعض الوقت لتتحرر من انتمائها إلى العالم الثالث.
يومها أدرك الشاه أن الدولة أهم من فرقة متمردة. كان أمن العراق يهمه انطلاقا من اعتبارات قانونية كان يضعها في المقام الأول بعكس دولة الخميني التي لم تكترث بالقانون الدولي واتبعت هواها الطائفي الذي هو واحدة من أدوات ومظاهر تخلفها وانحطاطها وانقطاعها عن العصر.
إيران الشاه هي ليست إيران الخميني.
كان الشاه عدوا عاقلا حرص على إقامة علاقات متوازنة مع العالم العربي فيما ادعى الخميني كذبا الدفاع عن قضية فلسطين في الوقت الذي كان يخطط فيه لاحتلال العالم العربي تمهيدا للذهاب الزائف إلى القدس. ولو خيرت إيران بين العالم العربي وإسرائيل لاختارت الأخيرة بالرغم من أنها صدعت رؤوس البسطاء من أبنائها بشعار “الموت لإسرائيل”.
“الجارة إيران” هي عبارة ملغومة. ذلك لأن إيران لا تحترم أي عنصر من عناصر الجيرة الحسنة. وهي بسبب عقد تاريخية لا تنظر إلى الجغرافيا بطريقة سوية. وحدها إيران من بين كل دول العالم المعاصر تضع عقيدتها فوق القانون الدولي بحيث يسمح لها عماها العقائدي بالتدخل في شؤون جيرانها متوهمة أن لها حق الوصاية على الشعوب.
هنا تكمن العقدة الإيرانية التي ليس لها حل.
ليس الإيرانيون أمة ميؤوسا منها على مستوى العلاقة بالعرب لأسباب عقائدية. ذلك مجرد غطاء. انما يكمن الأمر في طريقة قراءتهم للتاريخ وهي طريقة تنطوي على الكثير من المعالجات المرضية، غير السوية التي تجعلهم أسيري الماضي وتمنعهم من النظر إلى حاضر العلاقات بين الدول بعيون مفتوحة على المستقبل.
كل ما يتفوه به الإيرانيون وأتباعهم في ما يتصل بالعلاقة مع العرب انما ينم عن حالة شاذة ليس من اليسير وضع حلول لها عبر المسايرة السلمية التي فشل فيها العرب عبر عقود من الزمن، كانوا فيها يحاولون أن يلجموا الشر الإيراني.
غير أن أسوأ ما فعله العرب أنهم بعد أن وصلوا إلى درجة اليأس المعتم وانتهوا إلى قناعة تفيد بأن كراهية العرب بالنسبة للإيرانيين هي واحدة من أسس عقيدتهم ووجودهم ومصيرهم التفتوا إلى المجتمع الدولي لكي يعينهم على ذلك الداء الذي لا يمكن ارتجال دواء جاهز له. في ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن شعارا إيرانيا من نوع “الموت لأميركا والموت لإسرائيل” يمكن أن يحرض الدولتين الولايات المتحدة وإسرائيل على أن تعيدا إيران إلى حجمها الحقيقي وتوقفا تعلقها بأوهامها الأمبراطورية المضجرة التي ليس لها مكان في العالم الحديث. أوهام وضع الإيرانيون في خدمتها كل ما يملكون من مال وحيل وأكاذيب وفقه زائف وتحريف للحقائق وكفر بالمعاني السامية.
كان ذلك خطأ في تقدير المسافة التي تفصل بين العرب والعالم في ما يتعلق بالمسألة الإيرانية. فمهما فعلت إيران فإن شرها الموجه إلى الولايات المتحدة وإسرائيل لن تصل نسبته إلى واحد بالمئة من شرها الموجه إلى العرب. فضرب سفينة إسرائيلية ليس كاحتلال بلد بحجم العراق. كما أن الخطر الذي يمثله المشروع التوسعي الإيراني على الأمن العربي ليس هناك مَن يفكر في مثيله على إسرائيل. فحرب إيران على إسرائيل هي عبارة عن شعارات أو مناوشات جانبية لا تقع على الأرض.
أخطأ العرب حين ظنوا أن حربا تشنها الولايات المتحدة على إيران يمكن أن تخلصهم من الصداع الإيراني. وهم اليوم على يقين كامل من أن كل التحرشات الإيرانية بإسرائيل لن تؤدي إلا إلى غضب يدفع ثمنه لبنان أو سوريا أو حتى العراق. ذلك لأن إيران مختبئة هناك.