ليس على أجندة الملالي العملية شن حرب واسعة مع إسرائيل لا من غزة أو لبنان أو سوريا
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ليس خارج المألوف أن تتصرف حركة “حماس” كأن معركة “سيف القدس” هي بداية التاريخ. ولا من المفاجآت أن تكثر الأسئلة عن الهدف الاستراتيجي، لا التكتيكي، الذي كان وراء مبادرة “حماس” لبدء “حرب استباقية” مع إسرائيل.
هل هو مجرد الطموح إلى قيادة العمل الفلسطيني والتمدد من غزة إلى الضفة الغربية والبحث عن “هدنة” لعشرين سنة مع إسرائيل كان مؤسسها الشيخ أحمد ياسين تحدث عنها، أم أنه العودة إلى حرب التحرير؟ وماذا عن الكلام على جبهة تمتد من إيران واليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة والضفة؟
الواقع، أن السؤال “الفلسطيني” يقود إلى “سؤال إيراني”. ما أبعاد الإمساك الإيراني بالورقة الفلسطينية بحجة أن الدول العربية تخلت عن الخيار العسكري مع إسرائيل؟ ماذا يعني أن ترفع جمهورية الملالي شعار إزالة إسرائيل؟
الكل يذكر أن مسؤولاً في طهران كشف “سراً عسكرياً” خرافياً: “إيران قادرة على تدمير إسرائيل خلال سبع دقائق ونصف”. والكل يسأل: ما الذي يؤخرها إذاً؟ ولا أحد يجهل أن حكم الملالي في حاجة إلى عدو مثل إسرائيل، ولا مصلحة له في غيابها. وهذا شيء كلاسيكي في سياسات الدول اختصره الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي في قصيدة قال فيها: “ما العمل من دون البرابرة؟ إنهم نوع من الحل”.
لا، بل إن قائد سلاح الطيران في الحرس الثوري، علي حاجي زادة، تفاخر بالقول: “كل ما في غزة ولبنان من قدرات صاروخية جاء بدعم من إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة مع إسرائيل. وهناك تقاطع للنيران في سماء إسرائيل بين سوريا ولبنان وفلسطين، ولدينا أمر من المرشد الأعلى علي خامنئي بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض في حال ارتكبت إسرائيل حماقة ضد إيران، وعملنا طيلة السنوات الماضية لنكون قادرين على ذلك”.
أما قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال إسماعيل قآني، فإنه وسع البيكار وتحدث عن “تحطيم عظام أميركا”، لكن أصحاب هذه المواقف لا يردون حتى على القصف الإسرائيلي للقوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا.
واللعبة معروفة، خارج الشعارات وتوظيف الورقة الفلسطينية في المشروع الإقليمي الإيراني. فالدور العسكري الإيراني هو دائماً دور بالوكالة من خلال ميليشيات تابعة لفيلق القدس. وليس على “أجندة” الملالي العملية شن حرب واسعة مع إسرائيل، لا من غزة، ولا من لبنان، ولا من سوريا، التي اليد العليا فيها لروسيا صديقة إسرائيل والعرب والباحثة عن تسوية سياسية.
وليس في شعارات طهران سوى رفض التسوية السياسية وحل الدولتين في الصراع العربي – الإسرائيلي، فضلاً عن أن إسرائيل توظف نفوذ الملالي على “حماس”، وكونهم مرجع “حزب الله” في لبنان، في رفضها التسوية وحل الدولتين.
كيف؟ بحجة الخوف من سيطرة طهران على أية دولة فلسطينية في غزة والضفة وخطرها الأمني على تل أبيب. وفضلاً أيضاً عن أن “فيلق القدس” يعمل في كل مكان في المنطقة باستثناء القدس، فهو ذراع العمليات الخارجية لنظام الملالي والمكلف، حسب الدستور، نشر الثورة وتوسيع “محور الممانعة والمقاومة”، الذي هو اسم مستعار للنفوذ الإيراني.
في مذكراته تحت عنوان “في قلب السلطة” يقول رئيس الوزراء الروسي الراحل يفغيني بريماكوف: “المشكلة الأعظم بالنسبة إلى العرب هي العجز عن التمييز بين الوهم والواقع. فهم يعتقدون أنه يكفيهم أن يتمنوا سير الأمور في اتجاه معين لكي تكون سائرة في هذا الاتجاه”.
لكن هذا ينطبق على ملالي إيران الذين يتصورون أنهم على الطريق إلى “ظهور المهدي وحكم العالم”. وبات ينطبق أيضاً على الأميركيين الذين غزوا أفغانستان والعراق من دون أن يفهموا تعقيدات الأوضاع فيهما، وعملوا على صنع تسويات في الصراع العربي – الإسرائيلي، ولا يزالون يتصورون مع الرئيسين كارتر وكلينتون أن الصراع هو على “تلال، ورمال، وحجارة”. وما يحدث هو أن العرب يدفعون ثمن الحرب من دون حرب، وثمن السلام من دون سلام.
المقالة تعبر عن راي كاتبها