لبنان يترقب ثالث تكليف لتشكيل الحكومة ومخاوف على مصير الانتخابات النيابية


منازلة “التكليف” قد تكون أسهل من مهمة “التأليف” التي سترافقها ظروف وتعقيدات داخلية وخارجية

طوني بولس @TonyBoulos

يترقب اللبنانيون ثالث تكليف في أقل من عام لشخصية سياسية تتولى تشكيل الحكومة المقبلة في ظل فراغ حكومي مستمر منذ حوإلى العام بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب عقب تفجير الرابع من أغسطس (آب) الماضي، حيث قدم الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذاره عن التكليف بعد إخفاق استمر 9 أشهر، وقبله اعتذار السفير مصطفى أديب الذي كلف حينها تشكيل الحكومة في ظل المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتكون خارطة طريق إنقاذ البلاد من أسوأ أزمة سياسية واقتصادية.

وبالرغم من الأجواء التفاؤلية حول إمكانية نجاح الرئيس اللبناني ميشال عون تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة المرتقبة بعد إجراء استشارات نيابية ملزمة، إلا أن المعلومات تكشف أن منازلة “التكليف” قد تكون أسهل من مهمة “التأليف” التي سترافقها ظروف وتعقيدات داخلية وخارجية، وبالتالي إمكانية استمرار الفراغ الحكومي لأشهر إضافية، وربما إلى حين موعد الانتخابات النيابية المقبلة وبعدها الانتخابات الرئاسية.

وقد اعتاد لبنان على الانتظار لفترات زمنية طويلة مع كل تكليف لرئيس حكومة، حيث لا يحدد القانون اللبناني مهلة زمنية لتشكيل حكومته، التي قد يستغرق تشكيلها عدة أيام أو أسابيع أو حتى أشهر، في ظل غياب أي نص دستوري يُلزم الرئيس المُكلَّف الاعتذار بحال طالت المدة. إلا أن المدة التي استغرقتها تشكيل الحكومة العتيدة منذ استقالة حكومة دياب في منتصف أغسطس 2020 حتى الآن قد تكون الأطول بعد كسر الرقم القياسي الذي حققه الرئيس الأسبق للحكومة تمام سلام والذي استغرق 315 يوماً في تشكيل حكومته، والتي بقيت حكومة تصريف أعمال لمدة عامين ونصف العام بسبب الفراغ في رئاسة الجمهورية حينها.

وفي السنوات الماضية اعتاد لبنان على الفراغ السياسي، فقد عاشها مرات عديدة سواء في رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء اللتين تتوليان السلطة التنفيذية بموجب الدستور، بسبب النزاعات بين القوى السياسية. وفي حال استمر الفشل في تشكيل الحكومة رقم 20 بعد الطائف، إلى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، يكون عهد الرئيس ميشال عون قد سجل أطول مدة فراغ حكومي بين الرؤساء السابقين للجمهورية، إضافة إلى تسجيل سابقة جديدة بعد اتفاق الطائف، بأن تجري حكومة مستقيلة الانتخابات النيابية.

ثلاثة استحقاقات في عام

ونتيجة الضبابية السائدة حول إمكانية النجاح في تشكيل الحكومة، يخشى اللبنانيون تطيير الاستحقاق الأهم وهو الانتخابات النيابية، والذي يعول عليه الجميع في عملية إعادة صياغة السلطة السياسية. وفي هذا السياق يلفت المتخصص الدستوري سعيد مالك إلى أن العام المقبل سيكون مثقلاً بثلاثة استحقاقات دستورية، تبدأ بالانتخابات النيابية، وتليها الانتخابات البلدية ومن ثم الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن إدارة تلك الاستحقاقات تستوجب تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، مشدداً على ضرورة إجراء تلك الاستحقاقات الدستورية بمواعيدها كونها قد تحمل تغييراً جزرياً على جميع السلطات المنتخبة.

واعتبر أنه ولو استمر الإخفاق في تشكيل حكومة جديدة في لبنان، فإن حكومة تصريف الأعمال تستطيع إجراؤها، موضحاً أن حكومة تصريف تعني تسيير الأعمال اليومية حتى لا يكون هناك شغور في السلطة ولا تتوقف مصالح المواطنين، لكن هذه الحكومة تكون محدودة الصلاحيات لحد بعيد، إذ لا يمكنها اقتراح مشاريع قوانين أو توقيع معاهدات أو اتخاذ قرارات مصيرية تكون ملزمة لما بعدها. داعياً إلى عدم التستر وراء التعثر الحكومي بهدف تطيير الانتخابات النيابية المقبلة، موضحاً أن المواعيد الدستورية هي من الخطوط الحمراء التي يترقبها المجتمع المحلي والدولي، كونها فرصة حقيقية للعودة إلى المواطنين وإعادة تكوين السلطة، وقال إن “الشعب اللبناني ينتظر بفارغ الصبر حلول الأجل المحدد، بهدف الإدلاء بصوته وقول كلمته الحرة التي يمكن أن تغيّر المعايير والأوضاع بشكل كامل”.

ورأى أنه كما تستطيع حكومة تصريف الأعمال إجراء انتخابات نيابية بشكل قانوني، فالأمر نفسه ينسحب على الانتخابات الرئاسية المقبلة، موضحاً أن الفترة القانونية بين انتهاء ولاية المجلس الحالي في يونيو (حزيران) 2022 وانتهاء ولاية رئيس الجمهورية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه أي أقل من خمسة أشهر، وبالتالي بجميع الأحوال ستكون الحكومة مستقيلة ومن المستبعد أن تكون تشكلت حكومة قبل انتخاب رئيس جديد، مشدداً أن هذا الأمر لن يغير في الاستحقاقات الدستورية.

ظروف استثنائية

من جانبه أشار النائب في لجنة الإدارة العدل جورج عقيص إلى أن “كل سلطة في أي دولة لديها الشرعية الدستورية والشعبية، إلا أن الحكومة اللبنانية المستقيلة سقطت شرعيتها الشعبية نظراً إلى مواقفها المترددة، وإلى عدم مبادرتها لحل أي معضلة تعترض حياة اللبنانيين”، مؤكداً أن الحكومة وإن كانت مستقيلة إلا أنها قادرة على معالجة ملفات أساسية ولا سيما في الظروف الاستثنائية كما هو الحال.

ورأى أن “المشروعية الشرعية والدولية والثقة الدولية منتفية تماماً عن هذه الحكومة، بحيث أنه حتى لو أخذت المبادرة ومارست تصريف الأعمال بشكل توسّعي نوعاً ما بسبيل الحفاظ على المصلحة الوطنية العلية، فإن فقدانها للمشروعية الشرعية والدولية أو ثقة الرأي العام المحلي والدولي سيؤدي إلى شلها وعدم قدرتها على المبادرة “.

ولفت إلى أن الشيء الأساسي الذي يجب أن تقوم به هذه الحكومة في حال عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة هو التحضير للانتخابات النيابية لأن هذا الاستحقاق هو دستوري وأي حكومة وحتى لو كانت تصريف أعمال، تستطيع أن تدير العملية الانتخابية، وأضاف “حتى ولو لم تتشكل الحكومة العتيدة، فوضع لبنان الاستثنائي والحرج، يستدعي توسيع صلاحيات حكومة تصريف الأعمال بما يتوافق مع مصلحة البلاد”.

وشدد على أن “الاستحقاقات الدستورية تتفوّق بمواعيد أجرائها على أي أمر آخر، طالما أنه هناك مجلس نيابي قائم أو منتخب يستطيع انتخاب رئيس جمهورية”، لافتاً إلى أن الرئيس الحالي ميشال عون انتخب في ظل وجود حكومة تصريف أعمال كان متزامناً أيضاً مع فراغ في الرئاسة لأكثر من عامين ونصف العام.

استهداف السنة

وعن سبب فشل الحريري بتشكيل الحكومة طيلة الفترة السابقة، يحمل نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش، الرئيس عون المسؤولية، ويقول إنه “لم يكن راضياً بالأساس عن تكليف الحريري بتشكيل الحكومة بعد تسميته من قبل المجلس النيابي”، ويرى أن رئيس الجمهورية يتجاوز الدستور في المسار الذي يتبعه تجاه رئاسة الحكومة، الامر الذي برأيه يعطي انطباعاً واضحاً حول استهداف الطائفة السنية وتحجيم دورها السياسي.

ولفت إلى أن الرئيس عون لطالما حاول استفزاز الحريري ودفعه للاعتذار عن تشكيل الحكومة، إضافة إلى أن عون بالأساس لا يعترف باتفاق الطائف إنما اضطر للعمل تحت سقفه، مشيراً إلى أن “التيار العوني لا يزال يطمح للعودة إلى النظام الرئاسي، الذي كان قبل الطائف متناسين أن ذلك كلف لبنان حرباً أهلية”.

ميقاتي الأوفر حظاً

وفي الوقت الذي تستمر فيه الترتيبات والمشاورات السياسية لاختيار رئيس حكومة جديد خلفاً للحريري، برز اسم الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي، بقوة كمرشح لهذا المنصب، إلا أن مسار تسميته لا يزال يحتاج إلى دعم كتلة المستقبل النيابية، وهي “الكتلة السنية” الأكبر داخل البرلمان، وذلك لكي ينال الميثاقية الوطنية المطلوبة.

وتشير المعلومات إلى أن عدد كبير من الكتل النيابية لن تصوت لصالح ميقاتي، ومن بينها كتلة “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وهما التكتلان المسيحيان الأبرز، الأمر الذي قد يطرح تعقيدات إضافية مرتبطة بالميثاقية التي باتت عرفاً سائداً في التسويات السياسية.