كم عيد أضحى مر وكم ذبح من “ضحايا للبيع” في هذه الكوميديا السوداء
أحمد الفيتوري كاتب
يدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ / بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ / أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ / فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ. (المتنبي)
صورة نُشرت في أحد مواقع “السوشيال ميديا” الليبية أثارت لغطاً وتهكماً وضحكاً. وهي للوحة مكتوب عليها: “ضحايا للبيع”، مغروسة في الأرض، تشير إلى موقع لبيع أضحية العيد.
لم تُثرنِ كثيراً من التعليقات، لكن تعليقاً واحداً جذبني إليه، ما اعتبر أننا ضحايا للبيع، وكأن لسان حاله أن ثمة شعوباً بل ومنطقة كاملة، تُباع وتُشترى، وأن آل هذه المنطقة، ضحايا هذه العملية.
سوق النخاسة هذه، لا تُقام ساعة عيد، كعيد الأضحية، بل تُقام في كل وقت، هكذا علّقت بيني ونفسي. حينها كنت أشاهد، مشهداً يُعاد ويكرر، حول عيد الذبح وغلاء الذبيحة وشكوى الناس، في كل زمان ومكان، من الغلو في سعر الذبيحة، ما باتت من لزوم التباهي الاجتماعي. وفي هذه المذبحة الاجتماعية الباهظة الثمن، يتوافر قناع الدين، ما تحوّل عند الكافة، إلى الكبش السمين، ضخم الجثة غالي الثمن، ما هو فرض عين!.
على الجانب الآخر، واستعداداً لعيد الأضحى، كانت هناك عملية إرهابية، ذُبح فيها ما يزيد على ثلاثين بني آدم في أرض العراق. أرض ذبح البشر، منذ تولّت الولايات المتحدة، في 19 مارس (آذار) 2003، مهمة تحريره من الديكتاتورية وحتى الساعة. وقد قام “داعش” كالعادة، بإعلان أنه من قام بهذه العملية/ العيدية، التي دوافعها دينية، كما كل عملية، تُنسب لـ”داعش” وأخواته.
وعلى جنبات هذه المهمة الدينية، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها تنسحب من أفغانستان، بعد مهمة مقدسة استغرقت عشرين عاماً لتحرير الشعب الأفغاني من براثن حركة “طالبان” الإرهابية، التي حوّلت أفغانستان إلى أرض الإرهاب الإسلامي الدولي، وقاعدة لـ”القاعدة”، ما قامت بغزوة نيويورك، في سبتمبر (أيلول) 2001.
“داعش” العنقاء، تتسربل بمسوح دينية، تنهض من رماد حرب حلفاء دولية ضروس بقيادة الولايات المتحدة، كما أختها الكبرى “طالبان”، ما أعلنت النصر في نفس الحرب. هذه الحرب التي أسها كان منذ نصف قرن تقريباً، ما في مرحلة منها، أطلق عليها “بوش الابن” نعت: الحرب الصليبية.
وبحسب BBC، أكدت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي في يناير (كانون الثاني) الماضي أن تنظيم “الدولة الإسلامية”، قد يعود مجدداً في سوريا والعراق، وقالت “فرنسا ترى أن تنظيم داعش ما زال موجوداً”. هذا ما أكدته الوزيرة الفرنسية في ما يخص “داعش”، أما في ما يخص “طالبان”، فقد قامت أميركا بالتفاوض معها. الخلاصة أن حرب الإرهاب الدولي باءت بالفشل، ما يعني أن حبل الضحايا، باسم الدين، على الجرّار.
من جهتها، الدولة الدينية الأقوى في المنطقة، إسرائيل، تطلق يوم عيد الأضحى قذائفها، مهددة دولة “حزب الله” اللبناني، بعد أن زعمت، أنها تلقّت ستة قذائف من جنوب لبنان، ولكن من دون خسائر. وكأن الطرفين ينشدان تصدير أزمتهما الداخلية من خلال المناوشات الحربية، ما من الممكن أن تتصاعد إلى حرب. وهكذا الدولة اليهودية، التي في حرب سيبرانية مع دولة الملالي الشيعية، قد تؤجج من جهتها الحرب الدينية، ما كانت الركيزة الأولى لانبعاثها، بل والداعم الرئيس للدول والمنظمات المماثلة لها.
كم عيد أضحى مرّ، وكم ذُبح من “ضحايا للبيع”، في هذه الكوميديا السوداء، وكم من قنبلة انشطارية، ألقتها الدولة الكبرى في مواجهة ما سُمّي بـ”الإرهاب الدولي”، وتعريفه على الأرض: منظمات إسلامية متطرفة.
وإذاً عيد الأضحي هذا يؤشر: أن الحرب الدينية لم تخمد بعد، بل يتم تأجيجها. وأن الضحايا في المنطقة من البشر، في كل يوم، وليس كالأغنام، ما تتم التضحية بها كل عام، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
المقالة تعبر عن راي كاتبها فقط