البعد الناقص في “تحالف الديمقراطيات”


أدركت الدول الصناعية السبع الحاجة في المواجهة مع الصين إلى شيء آخر غير التنافس بين الديمقراطية والتوتاليتارية

رفيق خوري كاتب مقالات رأي

ليس قليلاً ما يزيد في ما سمّاه جان فرنسوا ريفيل “إغراء التوتاليتارية”. نجاح الصين الاقتصادي المذهل تحت سلطة الحزب الشيوعي والزعيم شي جينبينغ. براعة الرئيس فلاديمير بوتين في استعادة دور القوة العالمية لروسيا وفرض نفسه ندّاً للرئيس الأميركي في قمة ثنائية في جنيف المحايدة من دون التراجع عن أي موقف. وقدرة سلطويين على البقاء طويلاً في قيادة أنظمة فاشلة كما في حال نيكولاس مادورو في فنزويلا، رجب طيب أردوغان في تركيا، رودريغو دوتيرتي في الفيليبين وفيكتور أوربان في المجر. لكن الرئيس الأميركي جو بايدن يعتقد أن “الديمقراطية ضرورية لمواجهة كل تحديات عالمنا المتغيّر”. ومع اعترافه بأن “الديمقراطية هشة ولا تحدث بالصدفة”، يؤكد “علينا أن ندافع عنها، نحارب من أجلها، نقوّيها ونجددها”. ففي حملته الرئاسية كان بين وعوده، عقد “قمة الديمقراطيات” خلال السنة الأولى من ولايته. وهي طبعاً، غير قمة الدول السبع والقمة الأميركية – الأوروبية والقمة الأطلسية. وفي خطابه وممارسته كرئيس، تركيز على “تحالف الديمقراطيات” و”إذا عملنا مع شركائنا الديمقراطيين بقوة وثقة، فسنواجه كل تحدٍ ونتفوق على كل متحدٍّ”. ولكي لا يُساء فهم ما يقصده، سارع وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى القول إن “الرئيس بايدن لا يرغب بإرساء الديمقراطية في العالم عبر التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولات لإطاحة أنظمة مستبدة بالقوة. فقد حاولنا هذه الأساليب في الماضي ولكنها لم تنجح على الرغم من النيات الحسنة”.
غير أن التحدي الأول والأكبر أمام بايدن هو في الداخل. الرئيس السابق دونالد ترمب كان يحاول أن يمارس سياسة “سلطوية” مدعوماً بجمهور هائج غاضب، كانت ظاهرة ترمب تعبيراً عنه، بأكثر مما هي من أسبابه. والغوغاء من أنصاره هاجموا “قلعة الديمقراطية” في الكونغرس. ولم يتردد الرئيس الأسبق باراك أوباما في القول أخيراً إن “الجمهوريين يشكلون خطراً على الديمقراطية الأميركية”.

أما آن أبلبوم وبيتر بوميرافستيف، فإنهما يمسكان بجذور المشكلة في مقال نشرته مجلة “أتلانتيك”. بعض ما جاء فيه أنه “في هذه البرّية الجديدة تصبح الديمقراطية مستحيلة. إذا كان نصف البلاد لا يستطيع سماع النصف الآخر، فإن الأميركيين لم تعُد لديهم مؤسسات مشتركة، محاكم غير سياسية، خدمة مدنية مهنية، سياسة خارجية عابرة للحزبين. نحن لا نستطيع التسويات. لا نستطيع اتخاذ قرارات جماعية. ولا نستطيع حتى التوافق حول ما نقرره”. وبعض ما سبق من دراسات وتحليلات أوحى بأن المخاطر أقل. البروفيسور ساشا ماونك في جامعة “جونز هوبكنز” كتب مقالاً نشرته مجلة “فورين أفيرز” جاء فيه أن “قصة العقد الأخير ليست قصة الديمقراطية بمقدار ما هي قصة السلطوية. فما يراه العالم، هو انبعاث السلطوية أكثر مما هو تراجع الديمقراطية”. والهدف حالياً في رأيه، ليس “تعزيز الديمقراطية” وتوسيعها بل “حماية الديمقراطية” بالحفاظ على الموجود منها.

ولا موعد حتى الآن لـ”قمة الديمقراطيات”، لكن التحديات تتجاوز السياسة والحوكمة لتطال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وحال البيئة ومواجهة الكوارث. ففي مكافحة وباء كورونا، مارست الديمقراطيات الغنية سياسات “سلطوية” ضد البلدان الفقيرة، فاحتكرت القسم الأكبر من اللقاحات وتركت القليل لنحو 70 في المئة من سكان العالم. وما كان التزام قادة الدول الصناعية السبع، تقديم مليار لقاح للبلدان الفقيرة سوى استدراك متأخر لفداحة الاستئثار باللقاحات. فمن الوهم القضاء على الوباء في البلدان الغنية من دون القضاء عليه في البلدان الفقيرة، وفق ما أكدت منظمة الصحة العالمية. والحد الأدنى من المساواة يتطلب أن تقلل الدول الصناعية الغنية من انبعاثات الكربون للحفاظ على البيئة في الكون.
أكثر من ذلك، فإن الدول الصناعية السبع التي رأت أن “طموحات الصين المعلَنة عبر سلوكها المتواصل، تشكل تحديات لأسس النظام الدولي المستند إلى قواعد”، أدركت الحاجة، في المواجهة مع الصين، إلى شيء آخر غير التنافس بين الديمقراطية والتوتاليتارية. فهذا لا يقنع الشعوب التي تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية صعبة. الصين تستثمر تريليون دولار في مشروع “الحزام والطريق” الممتد في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وبايدن وشركاؤه تعهدوا “إعادة بناء العالم بشكل أفضل”. كيف؟ عبر مشاريع للبنى التحتية للدول الفقيرة “أكثر إنصافاً بكثير من الحزام والطريق”. سباق جيد وتنافس مثمر.
“لا ديمقراطية من دون وطنية” يقول أوليفييه روا. ولكن في الواقع لا ديمقراطية ولا وطنية من دون اقتصاد ومدارس وفرص عمل وعناية صحية وطرق وانفتاح.