في ما يخص اليمن تعتمد طهران على الآلة الحوثية لتهديم صورة الشرعية الحكومية
وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية @WalidPhares
بعد أن عرضنا ما نعتقد أنها أجندات النظام الإيراني خلال فترة رئاسة جو بايدن، تجاه التمويل، والتسليح، ونشر الميليشيات في المنطقة، واستعرضنا أهداف طهران في، ما تعتبرها “مستعمراتها” الأربع أي العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، لنكشف أهداف القيادية الخمينية تجاه خصومها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، أي أعضاء التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
إسقاط التحالف الهدف الأكبر
مما لا شك فيه أن النظام الإيراني هَدَف، ولا يزال، إلى استهداف “عدوه اللدود”، أي المؤسسة الوطنية الحاكمة في السعودية منذ الانقلاب الخميني على الثورة الشعبية في إيران في 1979، إلا أن إطلاق الرياض “التحالف العربي” (والإسلامي)، لا سيما منذ قمة يونيو (حزيران) 2017، مع الإدارة الأميركية السابقة، حوّل هذا الهدف الإيراني إلى أولوية قصوى في السنوات الأخيرة، وسيجعل منه هدفاً رئيساً في السنوات الأربع الآتية. لماذا تريد طهران إسقاط “التحالف” أولاً؟ وكيف ستستخدم الاتفاق النووي لذلك؟
تحالف السعودية ومصر والإمارات والبحرين وحكومة اليمن الشرعية وكوكبة من الحكومات والقوى الأخرى في المنطقة، هو الكتلة العربية الإسلامية الوحيدة القادرة على مواجهة إيران بعد سقوط أربع دول عربية بين يدي طهران، والتحالف هو الوحيد القادر على إقامة شراكة إقليمية مع الغرب وأميركا، بالتالي، فإن إضعافه، وإسقاطه، يضمن انهيار المقاومة القادرة على مواجهة الملالي بقوة جماعية إقليمية، ومع مشاركة دونالد ترمب في قمة الرياض في يونيو 2017، صعّدت إيران ضد التحالف في المنطقة، وأيضاً داخل واشنطن ضدّ هذا الأخير.
إلا أن تغيّر الإدارة في واشنطن وفّر معادلة جديدة للوبي الإيراني لاستعمال “العودة الأميركية” إلى الاتفاق كسلاح لإضعاف التحالف بنظر طهران، إذ إن الإدارة الجديدة لا تريد تعبئة عربية ضد إيران، بل تريد التحكم بالمفاوضات في فيينا حتى بلوغ “شاطئ الأمان”، أي التوقيع، وقد صوّر اللوبي أن التحالف في نمطه وقيادته هو “خطر” يحدق بالاتفاق النووي، ما يعني في المعادلات الجيوسياسية، أن النجاح في توقيع الاتفاق يمر عبر تحييد التحالف، وهذا بالضبط ما تريده إيران، فإذا نجحت في إضعاف التحالف، يبقى بإمكانها أن توسع من نفوذها في المنطقة، فشنّت قوى اللوبي حملات إعلامية ضد دول التحالف وتحركاتها في المنطقة لتجريدها من شرعيتها الدولية تمهيداً للانقضاض عليها بعد تحييد الحماية الأميركية، أو هكذا تظن إيران.
التركيز على السعودية
إذا أُربكت المملكة العربية السعودية، ينهار التحالف، هذه هي خلاصة استراتيجية طهران في محاولاتها لزعزعة التحالف، لذا، فقد ركّز اللوبي الإيراني على تشويه صورة قيادتها، منذ 2017، وتوسعت الحملة لتشمل الدور السعودي في اليمن أمام الرأي العام الأميركي، ووصلت الحملات إلى محاولة منع بيع الرياض أسلحة متقدمة في واشنطن، أما الهدف الإيراني الأعمق فهو استعمال السنوات الأربع الآتية لمحاولة إضعاف العلاقات العربية السعودية إلى درجة شلّ قدرات السعودية في التأثير على السياسة الأميركية، وذلك يسبق تحركات إيرانية لنشر الفوضى داخل بعض مناطق المملكة، توطئة لضرب صورة الرياض كحليفة مقبولة لواشنطن.
دول التحالف
عبر استراتيجيتها لزعزعة التحالف العربي، تعتمد طهران على تكتيكات مشابهة، ألا وهي محاولة نزع مشروعية حكومات تلك الدول، وتلجأ إيران إلى التهديدات غير المباشرة لاقتصاداتها النامية، كما تستفيد من حملات القوى الإخوانية التي تركز على قياداتها، كما تلجأ إيران إلى بثّ الانقسامات الداخلية الطائفية، وتعتمد على الآلة الحوثية لتهديم صورة الشرعية الحكومية في اليمن. أما الهدف الاستراتيجي الأبعد، فهو زعزعة العلاقات الثنائية بين واشنطن وقيادات الدول العربية حتى يتم تمرير الأجندات الإيرانية 2024.
إن تلك الأهداف يمكن ترجمتها بسعي من الحكم الخميني إلى استعمال التوجه الأميركي الحالي باتجاه التطبيع مع طهران، لردع دول التحالف والاستمرار في إضعاف حكوماتها حتى حدوث تغييرات سلبية دراماتيكية تنتهي بتغيير قياداتها واستبدالها بدُمى تحركها “الجمهورية الإسلامية”، ولكن حسابات النظام الإيراني ربما خاطئة، لأن مجتمعات هذه الدول باتت تنعم بقيم متطورة، وهي على طريق إصلاحات لن تسمح بتجريد تلك الحكومات من شرعياتها الوطنية، بل بالعكس، ستجذّرها وتمكّنها من الاستمرار إلى 2024، وما بعدها.