فرنسا أسست فصيلة الدرك قبل 161 عاماً برعاية الدول الكبرى
طوني فرنسيس إعلامي وكاتب ومحلل سياسي لبناني
مؤتمر باريس لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية هو الثالث من نوعه الذي تعقده قوى دولية وعربية لدعم المؤسسة العسكرية اللبنانية الشرعية خلال السنوات السبع الماضية. المؤتمر الأول دعت إليه المجموعة الدولية لدعم لبنان، التي تشكّلت في إطار الأمم المتحدة، وضمت الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. عقد المؤتمر في روما التي استضافته بطلب من الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) 2014، وشاركت فيه نحو 40 دولة. والتأم المؤتمر الثاني في روما أيضاً، وشارك فيه رئيس الحكومة اللبنانية حينها، سعد الحريري، في مارس (آذار) 2018، أما المؤتمر الثالث فهو الذي استضافته باريس بدعوة منها ومن الأمم المتحدة ومجموعة دعم لبنان، وأنهى أعماله إلكترونياً الخميس.
قليلة هي المرات التي شهد فيها العالم مؤتمرات لدعم جيش بلد ما. وربما يكون الجيش اللبناني الوحيد الذي نال مثل هذا الاهتمام الدولي، الذي تنوعت أسبابه ودوافعه. ففي مبررات مؤتمري روما مثلت في الخلفية تطورات الوضع في سوريا والعراق. يومها، تمكن تنظيم “داعش” من الاستيلاء على مناطق واسعة في العراق امتداداً إلى سوريا، فألغى الدولة والحدود، وأقام دولته الخاصة، فيما كان مئات آلاف اللاجئين السوريين يتدفقون إلى لبنان. كانت تلك التطورات الخطيرة الدافع المباشر لتحرك المجتمع الدولي من أجل دعم الجيش اللبناني، خوفاً من تداعيات الوضع في سوريا والعراق على الأوضاع اللبنانية الهشة، في ظروف التوترات والانقسامات اللبنانية الداخلية، وتأكيداً على الثقة بالمؤسسة الأمنية الرسمية كضامن للأمن في منطقة متفجرة.
في تقويمه لمؤتمر روما الثاني، رأى الجيش اللبناني في تقرير نشرته مجلته الرسمية، أن نتيجة المؤتمر الأبرز “هي إعادة تأكيد المجتمع الدولي ثقته بأداء الجيش وتوجيه رسالة واضحة حول ضرورة دعمه وتعزيز قدراته”.
ويتابع التقويم، “ترتبط هذه الرسالة برسائل أخرى موازية:
أولاً، استقرار لبنان ضرورة للمجتمع الدولي، والوسيلة الوحيدة للحفاظ على هذا الاستقرار هي دعم الجيش اللبناني.
ثانياً، الترجمة العملية لهذا الدعم ستكون عبر خطة خمسية.
ثالثاً، توقف المشاركون عند الكفاءة العالية لعناصر الجيش وحرفيتهم”.
أضيفت دوافع أخرى للتعجيل بعقد مؤتمر الدعم الثالث في باريس، ملخصها الانهيار الشامل في لبنان، والذي ينعكس مادياً ومعنوياً على مختلف القطاعات بما فيها القطاع العسكري. وليس سراً أن القوى الأمنية اللبنانية تعاني تسرباً في عديدهم نتيجة انهيار العملة الوطنية وعجز العناصر عن تلبية حاجات عائلاتهم الصحية والغذائية والتعليمية. وقد حذر البنك الدولي من أن الانهيار الاقتصادي يضغط بشكل غير مسبوق على القدرات العملياتية للجيش، “المهدد الآن بأحد أسوأ الانهيارات المالية”.
تعهد المشاركون في باريس بإكمال دعمهم للمؤسسة الأمنية اللبنانية الشرعية، وتعزيز هذا الدعم في المجالين العسكري والأمني، وفي ذلك تأكيد لذهاب المجتمع الدولي مسافةً أبعد في التمييز بين طاقم سياسي لبناني يعجز عن تشكيل حكومة جديدة، ويمعن في إغراق البلاد في أزماتها المستعصية، وبين الجيش الذي يرى فيه ضمانة لحفظ لبنان من الفوضى المحتملة، واستعادته في يوم من الأيام من يد الميليشيات الطائفية وسلطتها الموازية. ومنذ تفجير مرفأ بيروت في أغسطس (آب) الماضي، يزداد هذا التمييز في نظرة العالم لأحوال لبنان. فالمساعدات الإنسانية تأتي إلى الجمعيات الأهلية والمدنية، وليس إلى مؤسسات الدولة، وتتعامل الدول مع رموز السلطة اللبنانية بالحد الأدنى، وبما لا يخرق الأعراف الدبلوماسية، غير أن موقفها الفعلي يذهب إلى إدانة “الطبقة السياسية” وتحميلها مسؤولية الانهيار المتعمد للبنان ولاقتصاده.
وصادف المؤتمر الثالث لدعم المؤسسة الأمنية اللبنانية مرور 161 عاماً على تأسيس نواتها، الدرك اللبناني، مطلع عهد متصرفية جبل لبنان. في تلك الأيام من عام 1861، كانت الدول الكبرى في حينها وصيةً على قيام نواة الاستقلال اللبناني في إطار السلطنة العثمانية، وباسم هذه الدول تولت فرنسا تدريب وتسليح النواة الأولى للعسكر اللبناني، وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم!