بذلك يضمن استمرار قبضة الحرس الثوري على المؤسسات بما يعنى تدخلهم في اختيار المرشد المقبل
هدى رؤوف كاتبة
أثارت اللائحة النهائية التي أصدرها مجلس صيانة الدستور للمرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي ستجرى في يونيو (حزيران) المقبل، انتقاد الكثيرين ليس فقط لهندسة الخريطة الانتخابية لصالح فوز مرشح محدد يتم اختياره من قبل المرشد الأعلى والحرس الثوري. إنما تعد اللائحة وما يتبعها من انتخابات تخلو من مرشحي التيار الإصلاحي، وكانت بداية انطلاق الحديث عن مستقبل التيار الإصلاحي فى إيران، ومحنة الإصلاحيين الذين فقدوا نفوذهم السياسي لصالح تعزيز سيطرة المتشددين على مؤسسات الدولة جميعها ومراكز صنع القرار.
فقد تم رفض ترشح علي لاريجاني والذي يعد ضمن التيار المتشدد، والذي دعم حسن روحاني في الانتخابات السابقة، ويرى أهمية التعامل الذكي مع الغرب، على الرغم من كونه من القاعدة الاجتماعية الأصولية، لكن استبعاده جاء بفعل التخوف من احتمال أن البعض ممن لا يؤمن بدعم ترشيح شخصية دينية، وفي هذه الحالة المقصود إبراهيم رئيسي، قد يلجأ هؤلاء إلى انتخاب لاريجاني. كما تم رفض إسحاق جهانغيري المنتمي للإصلاحيين، وكلاهما كان يمكن أن يصطف خلفهما الإصلاحيون، لذا فالساحة قد مهدت عمداً ليكون رئيسي المرشح الوحيد المضمون فوزه من التيار المتشدد، في ظل غياب تام لمرشح إصلاحي، وفي ظل إقبال منخفض على التصويت قد يكون مقصوداً من النظام. فانخفاض نسبة التصويت يضمن السيطرة على العملية الانتخابية من دون حركات معارضة او ادعاء تزوير للانتخابات.
ومن المتصور أن تكون نزعة النظام السياسي الإيراني نحو دعم مرشح متشدد، ترجع إلى ما شهدته إيران على مدار السنوات الثلاث الماضية في أعقاب عودة العقوبات الأميركية وما تلاها من اضطرابات عنيفة، رسخت إحباط المواطنين وتوجيه الانتقادات للنظام السياسي القائم بكل رموزه، بما فيها المرشد الأعلى. بالتالي كانت التخوفات من ضعف قدرة نظام فشل على مدار السنوات الثلاث الماضية في تقديم حلول للوضع الاقتصادي المتفاقم، ومن ثم كانت الحاجة للسيطرة على الاضطرابات الداخلية المتصاعدة، لا سيما أن التفاوض مع إدارة جو بايدن الآن واحتمالات عودته للاتفاق مرتبطة بالإدارة الحالية، ومن ثم لا تضمن إيران موقف الإدارات الأميركية اللاحقة.
ولقد تحدثنا في مقال سابق عن أنه حتى لو أزيلت العقبات التي أمام الاتفاق النووي من جانب الطرفين، سيظل إتمام الاتفاق مرهوناً برغبة خامنئي في إتمامه قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها، بالتالي تغيير ميزان القوى لصالح الإصلاحيين، أي دعم التيار المتشدد والحرس الثوري عبر إتمام الاتفاق ورفع العقوبات في ظل رئيس متشدد يرتبط توليه برفع العقوبات وتحسن الاقتصاد.
وأخيراً، أعلنت إيران أنها ستمد الاتفاق المؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة شهر فقط أي حين تنتهي الانتخابات الرئاسية، وإتمام الاتفاق.
أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، لم تكن هي المحدد الرئيس لعملية دعم فصيل على حساب الآخر، ففي سياق أن المرشد الأعلى يتولى اتخاذ القرارات النهائية بشأن التوجهات الأساسية للسياسة للخارجية الإيرانية وقضاياها الرئيسة، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة، والملف النووي، ومن ثم فإن الانفتاح على الغرب وإدارة الملفات الخارجية غير مرتبط بتيار الرئيس، والدليل أن في عهد محمد خاتمي الإصلاحي كانت إيران تقوم بتطوير البرنامج النووي، وفي عهد أحمدي نجاد المتشدد بدأت المفاوضات مع الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة، وفي عهد روحاني زادت عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يبدو أن الولايات المتحدة تدركه، لذا تجاري الولايات المتحدة إيران في تلكؤها نحو الاتفاق على اعتبار إتمامه بعد الانتخابات، وهو ما يفسر عدم الضغط الأميركي على إيران أو اتخاذ خطوات تصب في صالح دعم التيار الإصلاحي عبر إنجاز الاتفاق قبل الانتخابات.
أي أن عملية صنع القرار معقدة لتفاعل عدد من العوامل منها، التنافس بين الفصائل المختلفة، والأوضاع المتغيرة التي تتطلب إعادة تقييم دوري للسياسات، لذا قد يكون من المحتمل أن المرشد الأعلى قد قرر أن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز وضع المتشددين في ظل الاضطرابات الداخلية.
إن تدخّل المرشد الإيراني لهندسة مناخ الهيكل السياسي والانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن قبلها تمكين قبضة المتشددين على مقاليد الأمور، جاء في إطار “مأسسة” سلطة المرشد في الدستور، وتفعيلها في الواقع عبر منع مجلس صيانة الدستور للمرشحين الإصلاحيين أو غيرهم، لمنح الفرصة للمرشح المدعوم من قبل رأس النظام وهو إبراهيم رئيسي. حيث تمتد سيطرة خامنئي، على ثاني أقوى مؤسسة في إيران، وهي مجلس صيانة الدستور، وهي هيئة مكونة ﻣﻦ 12 ﻋﻀﻮاً (يعين المرشد الأعلى نصف أعضائه، فيما يعين رئيس السلطة القضائية نصفها الآخر، علماً بأن رئيس السلطة القضائية يرشحه رئيس الجمهورية، ويصادق على تعيينه المرشد الأعلى)، ومنوط بهذه الهيئة سلطة فحص وتقييم المرشحين لانتخابات البرلمان والرئاسة، وأيضاً نقض القرارات البرلمانية.
فضلاً عن أن العلاقة الوطيدة بين خامنئي وقادة الحرس الثوري ذوي النفوذ الاقتصادي، ورجال الدين المتشددين، لم تنعكس على التنافس الفئوي بين التيارين المتشدد والمعتدل والإصلاحي، بل ستتضح دلالات تلك العلاقة عند عملية اختيار المرشد المقبل الثالث للجمهورية الإيرانية بعد غياب خامنئي.
وبناء على ما تقدم، يحتفظ المرشد بقدر كبير من السيطرة على جميع المؤسسات والأفراد، فقد نجح خامنئي في إنشاء شبكة من الأتباع المخلصين في كل فرع من فروع الحكومة واختيار قادة الحرس الثوري، والجيش، والشرطة، ووسائل الإعلام الرسمية والمؤسسة الدينية، فضلاً عن تعيين جميع أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام، ونصف أعضاء مجلس صيانة الدستور المنوط به تقييم وفحص المرشحين للرئاسة ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة، الذي يُعد الجهة الوحيدة التي لديها صلاحية عزل المرشد الأعلى للبلاد، وبذلك يضمن استمرار قبضة الحرس الثوري والمتشددين على المؤسسات، بما يعنى تدخلهم في اختيار المرشد المقبل والذي هناك توقعات بأنه قد يكون إبراهيم رئيسي، لذا لن يكون ممكناً أن يخسر الانتخابات الرئاسية هذه المرة أيضاً.