رئيسي وخيارات الدولة العميقة


من المرجح أن تشهد حكومة الرئيس المقبل فصلاً واضحاً بين المسارات الداخلية والخارجية

حسن فحص كاتب وصحفي

يبدو أن قيادة النظام حسمت خياراتها، ولن تذهب إلى بحث أي إمكانية لتغيير ما صدر من قرارات عن مجلس صيانة الدستور، ولن تلجأ إلى التدخل واستخدام صلاحياتها فوق الدستورية تحت مسمى “الحكم الولائي أو حكم حكومتي”، وتعمد إلى إضافة أسماء جديدة سبق لصيانة الدستور حذفها أو استبعادها من السباق الرئاسي، مثل علي لاريجاني أو إسحاق جهانغيري، كما حصل في انتخابات عام 2005 مع مرشح التيار الإصلاحي مصطفى معين أو المرشح الحالي الذي استطاع العبور من مصفاة هذا المجلس، ودخل في السباق الرئاسي محسن مهر علي زادة كشخصية إصلاحية، ولم ولن يحصل على تأييد التيار الإصلاحي الذي رفض الاعتراف بها كممثل له في هذا السباق.

ما انتهى إليه جدل المرشحين وما رست عليه خيارات النظام في رسم نتائج الانتخابات الرئاسية وحسمها قبل موعد الاقتراع لصالح مرشح واحد، وتعيينه رئيساً للجمهورية بغض النظر عن حجم المشاركة الشعبية، وأهميتها في ما يتعلق بشرعية النظام والاكتفاء بقانونية وشرعية النتائج. الأمر الذي يدفع على طرح سؤال أساسي، يتعلق بما تريده قيادة النظام من رئيس الجمهورية والدور المطلوب أن يلعبه في المرحلة المقبلة، ولعل السؤال الأبرز في هذا الإطار يتعلق بالسياسة الخارجية لإيران والنظام القائم في ظل ما تشهده الساحة الدولية والإقليمية من حراك على مستوى المفاوضات النووية والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، أو على مستوى العلاقات الإقليمية ونافذة الحوار الإيجابية التي فتحت بين إيران ودول الجوار العربية، خصوصاً السعودية.

ما يطرح من إمكانية أن يكون قرار إيصال إبراهيم رئيسي إلى رئاسة السلطة التنفيذية، وأن يكون رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة بالنسبة لإيران، مقدمة لتأهيل هذا الرجل ليكون المرشح الأساس لخلافة المرشد مستقبلاً، بالتالي، فإن الدولة العميقة القائمة على تحالف بين المرشد والمؤسسة العسكرية والأمنية، تحديداً مؤسسة حرس الثورة ليست في وارد السماح لأي طرف داخلي سواء كان من داخل التيار المحافظ أو من التيار الإصلاحي أن يعرقل هذا المسار الذي رسمته وتعمل على تنفيذه، أولاً لضمان مستقبل استمرارها في السلطة، وثانياً وضع حدّ للثنائية السياسية في السلطة أو القرار التنفيذي، وما يحصل من اختلاف في المواقف والرأي بين المرشد والحرس من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى.

ولعل من أبرز المسائل التي يسعى النظام أو الدولة العميقة الممسكة بالقرار الإيراني، تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية والتحكم بها والإشراف الكامل على إدارتها من دون أن تشكل مصدر قلق له أو لهذه الدولة، لذا من المرجح أن تشهد حكومة الرئيس المقبل فصلاً واضحاً بين المسارات الداخلية والخارجية، بحيث يتولى الرئيس مهمة إدارة المؤسسات الحكومية والمسائل الداخلية، وتوظيف الانفراج المتوقع والمنتظر ونتائج المفاوضات النووية الجارية بين إيران ومجموعة “4+1” وواشنطن، وما يمكن أن تحمله من انفتاح اقتصادي وعودة الاستثمارات الأجنبية نتيجة إلغاء العقوبات الاقتصادية يمكن توظيفها في تلميع صورة النظام الشعبية من خلال ما يمكن أن يطال الحياة اليومية والمعيشية للإيرانيين.

هذه الاهتمامات لا تعني استبعاد الحكومة عن مجريات ما تشهده العلاقات الدولية والخارجية من تطورات، إلا أن هذه العلاقة ستكون تحت السقف الذي يرسمه النظام، من دون أن يكون لها دور مؤثر في مساراتها، خصوصاً أن النظام قد يلجأ إلى إعادة ترتيب أدواته التفاوضية مع المجتمع الدولي والحوار المتوقع مع الإدارة الأميركية.

ن هنا، من المتوقع ألا تلعب وزارة الخارجية في حكومة الرئيس الجديد دوراً محورياً أو أن تتمتع بهامش من الصلاحيات الواسعة نسبياً كالتي تمتع بها الوزير الحالي محمد جواد ظريف، ما يعني أن النظام سيعمد إلى إعادة تعريف دور وزارة الخارجية وجهازها الدبلوماسي وإلغاء الثنائية أو الصراع الذي كشفه ظريف بين المصالح الدبلوماسية ومصالح المؤسسة العسكرية الذي عبر عنه بالميدان، بالتالي إخضاع الإدارة الدبلوماسية لإرادة الميدان وتحويلها إلى أداة لتنفيذ ما تراه هذه المؤسسة مناسباً وضرورياً لخدمة رؤيتها ومصالحها.

وعليه، فإن الرئيس الجديد سيكون أمام تحدي اختيار شخصية غير صدامية، وإلى حد ما مطيعة لتكون على رأس الدبلوماسية الإيرانية بغض النظر عن مؤهلاتها الشخصية التي تسمح لها بقيادة عمليات التفاوض مع المجتمع الدولي والحوارات الإقليمية. وفي المحصلة قد يكون الدور المطلوب من الدبلوماسية الإيرانية مع الرئيس الجديد الالتزام بما حدده المرشد في الرد على كلام ظريف، ولعب دور تنفيذي لما تقرره الجهات العليا التي أشار إليها خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد المرشد في رسم السياسات الاستراتيجية للنظام.

وفي ظل الجهود التي يبذلها النظام وقيادته لإعادة مركزية القرار الاستراتيجي، وحصره في جهات محددة لا يكون لأي من طرف من خارج دائرته الفكرية والسياسية أي تأثير أو دور أو مشاركة في تحديد اتجاهاته، ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تصاعداً وتنامياً لدور المؤسسة العسكرية لحرس الثورة في الحياة السياسية للنظام والحكومة، خصوصاً إذا ما أخذ الدور الذي لعبته هذه المؤسسة في قرارات مجلس صيانة الدستور في ما يتعلق باستبعاد مرشحين والموافقة على آخرين، بحسب ما كشفه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام وعضو صيانة الدستور صادق لاريجاني، وبالتالي ستكون هذه المؤسسة متحفزة للقيام بخطوات عملية باتجاه المزيد من أحكام سيطرتها على مفاصل القرار والإدارة ومؤسسات السلطة التنفيذية، لأن الرئيس المقبل لن يكون قادراً على معارضتها أو الوقوف بوجهها وعرقلة طموحاتها لما يدركه من دور محوري لعبته وتلعبه في تمهيد الطريق أمام وصوله إلى رئاسة السلطة التنفيذية ونجاحه في أداء هذه المهمة.